الصيف يعنى بحرا، هذا ما أيقنته منذ صباى، وإذا مر صيف بدون بحر أعيش من بعده شتاء لا يطاق إلى أن ألقاه فى الصيف الذى يليه. السينما أيضا أيقنت أهميته فهو أداة تعبير لا نهاية لها، قد يُجسد الوحدة أو يُفجر العواطف، هو الغضب أو الأمان وأحيانا مفتاح للأحداث وأحيانا أخرى ختام لها. المخرج الفرنسى فرانسواز تروفو ختم فيلمه «400 ضربة/ Les Quatre Cents Coups» ببطله الشاب الهارب من الإصلاحية ليجد البحر يسد طريقه، بينما الإيطالى فيديريكو فيلينى فى فيلمه «الحياة الحلوة La Dolce Vita» بطله يواجه البحر بعد ليلة صاخبة لتوقفه براءة وجه الفتاة التى تلوح له من مسافة وكأن البحر قد أهداها إليه. فى فيلمى «أحلام هند وكاميليا»، الصديقتان يجمعهما البحر بطفلتهما أحلام التى كادا يفقدانها. بحر الشتاء فى «موعد على العشاء» هو يجسد حالة تأمل للبطلة التى تلجأ إليه. فى «طائر على الطريق» البطل يحاول أن يمسك الخيط المربوط بالطيارة الورق قبل أن تضيع منه على شاطئ البحر. فى «الرغبة» رمال الشاطئ تذكر البطل برمال الصحراء والحرب والرصاصة التى أفقدته رجولته. ثم هناك «ستانلى» على اسم أحد شواطئ الإسكندرية واسم الفيلم الذى أحلم به ولم أحققه حتى الآن لاعتراض شركة الإنتاج على تكلفته العالية بسبب أن أحداثه كلها تدور بالإسكندرية فى الشتاء. لم تتردد السينما فى اللجوء إلى الأدب العالمى والبحر، فرواية الأديب هرمان ميلفيل الشهيرة «الحوت» تحولت إلى فيلم «موبى ديك/ Moby Dick» عن بحث وثأر الكابتن إيهاب من الحوت الذى أفقده قاربا من قبل والْتَهم أحد ساقيه، أو رواية أرنست همنجواى «العجوز والبحر/ Old Man and the Sea» مرة أخرى عن عزيمة العجوز فى صيد السمكة الكبيرة. كما أن البحر يصبح ساحة للصراعات والمخاطر فهو أيضا يتحول أحيانا أمامنا على الشاشة إلى بحر زمردى ورمال ذهبية يحيط بجنة خضراء. فهذا هو سحر البحر فى حياتنا، وكم أتألم لمن لم ير البحر فى حياته مما يذكرنى فى أثناء تصوير «فتاة المصنع» فى العين السخنة اكتشافى إحدى فتيات الكومبارس أنه كان أو لقاء لها مع البحر، وكيف بهرها واحتضنها، وكل هذا أمام بحر نسبيا هادئ الطباع فما بالك إذا التقت يوما ما ببحر الساحل الشمالى بأمواجه الثائرة وهوائه المُنعش. البحر هو ملتقى العشاق والغرباء فى آن واحد، وحين تنفرد به وينفرد بك وأنت واقف أو جالس أو حتى مستلقٍ أمامه ستتجلى بينكم علاقة حميمة تُلهم خواطرك وتوقظ أحلامك ويدعوك أفقه لتستعيد روحانياتك.