منظمة المافيا الشهيرة نشأت صغيرة جدا.. نشأت كجماعات من البلطجية فى صقلية، آمنت بأن السلاح والعنف هما الطريق الوحيد لفرض الوجود ومد السيطرة.. وفى عهد موسولينى، شن حربا شعواء على المافيا، فلم يجد زعماؤها من سبيل، سوى الهجرة إلى أمريكا، التى احتضنتهم، باعتبارهم هاربين من جحيم فاشية موسولينى، فردوا لها الجميل بأن أعادوا بناء المافيا على أرضها، وعاثوا فيها فسادا.. خطف وترويع وإرهاب وتعذيب.. وقتل بالرشاشات فى وضح النهار.. تهديد واغتيال لرجال الشرطة الشرفاء والقضاة المحترمين، وحتى كل من يتميّز بالنزاهة، من أعضاء الكونجرس.. انتشرت المافيا بالسلاح والدم وصار العديدون يخشونها، ولكن لم يحترمها أحد.. فأى بلطجى مختل، يمكن أن يثير الذعر، فى حى كامل، ولكن من العسير، والعسير جدا، أن يتبعه الناس، لمجرّد أنه يحمل سلاحا.. ولهذا فقد أمر الخالق عزّ وجلّ بأن يكون السبيل الوحيد للدعوة إليه، هو الحكمة والموعظة الحسنة.. فبالحكمة تصل إلى الناس، وبالموعظة الحسنة تجذبهم إليك. حقيقة بسيطة، يعرفها كل مندوب مبيعات فى العالم، وهو يسعى إلى ترويج سلعته.. الابتسامة مع الكلمة الطيبة يجذبان العميل للاستماع إليك، وبالحكمة تنجح فى إقناعه بالشراء. حقيقة بسيطة ينبغى أن تتبعها، لو أنك بالفعل تسعى إلى الدعوة لدين الله الرحمن الرحيم، بالأسلوب الذى أمر به عزّ وجلّ، أما لو كان كل هدفك هو السيطرة والسلطة والسطوة، والسلاح والدم هما سبيلك إلى هذا، فلا تخدع نفسك بأنك تتبع سبيل المعز المذل المنتقم الجبار ذل الجلال والإكرام.. لأنك بالسلاح والدم تتبع طريق المافيا الإيطالية، والياكوزا اليابانية، وكل منظمة إرهابية وإجرامية فى العالم.. بالحكمة والموعظة الحسنة أنت مسلم.. وبالسلاح والدم أنت مجرم.. قد تستطيع خداع بعض ضعاف العقول والنفوس، وقد تنجح فى ضم الغاضبين والحاقدين وكل من يمتلئ قلبه بالغل والكراهية، ولكن الله العليم البصير يدرك ما فى الأنفس وما تخفيه الصدور.. والأهم أنك أبدا لن تخدع نفسك. إنك تدرك أنه لا شأن للدين فى ما تفعله، وتدرك أنه كله للانتقام والغضب، وأن الدعوة إلى سبيل الله الواحد الأحد ليست حتى جزءا من هدفك، وأن شهوة السلطة ونزعة السادية الدموية فى كينونتك هما الهدف الأوّل.. والأخير.. ومع شعورك بالضعف والتفاهة، والذى تخفيه فى أعماقك، لجأت إلى السلاح والدم، لفرض نفسك ومد سطوتك.. أيتصوّر شخص واحد، أنه حتى مع كفار قريش، لو كانت الدعوة لدين الله العزيز الحكيم بالسيف والدم، أكان الناس سيدخلون فى دين الله سبحانه وتعالى أفواجا؟!.. كانوا سيقاومون، ويستبسلون فى القتال، لأن من يدعون بالسيف والدم قساة غلاظ القلوب، أفظاظا بلا رحمة، فكيف يكون ما يدعوا إليه قوم كهؤلاء؟! ولو أنهم من أتباع الشيطان، فكيف سيكون سبيلهم سوى السيف والسلاح والدم؟! وهل يمكن أن يكون السبيل إلى إعلاء دين الرحمن الرحيم، الحكم العدل، هو انعدام الرحمة وقسوة القلوب والدم والموت والإرهاب والتخويف والترويع؟! ويا له من ماكر هذا الشيطان، الذى جعل الناس يتبعونه، وينزعون من قلوبهم وعقولهم الرحمة والحكمة والموعظة الحسنة، وهو يزيّن لهم أعمالهم، فيجعلهم يتصوّرون أنهم، بمخالفة كل ما أمر به العليم الغفور، سيتقرّبون إليه جلّ جلاله، وينسون أن لكل قطرة دم يريقونها، مخلوقا من مخلوقات بارئ الكون، سيطالب بثمنها يوم القيامة، عندما يقف القاتل والمقتول وجها لوجه، أمام أحدهما الجنة، وأمام القاتل جحيما مستعرا، يحيا فيه أبدا، وفى كل ثانية يتمنى الموت فلا يجده.. وفى كل ثانية يقهقه الشيطان ضاحكا ساخرا، وهو يشاهده يتلوى بعذاب رهيب، فى أعماق الجحيم، ولسان حاله يقول: أمرك الله عزّ وجلّ بالحكمة والموعظة الحسنة، وزيّنت أنا لك السلاح والدم، فلم اتبعتنى ولم تتبعه جلّ جلاله، ولما استمعت لمن أفتى بعكس ما أمر المنتقم الجبار به.. انظر خلفك، وستجده يتلوّى من العذاب مثلك.. وربما أكثر.. ألف مرة.