تجد الشائعات هذه الأيام أفضل مناخ للانتشار، ما دام أنه ليس هنالك من يهتم بالرد عليها وتفنيدها، بما يعزز من رواجها أكثر، بل وإضافة ملاحق من توابع الشائعة بشائعات استكمالية تُصعِّد فى الموضوع. مثلاً: تتداول مواقع التواصل الاجتماعى منذ أيام خبر استقالة وزير التموين خالد حنفى، ويؤكد، بداية، بعض من يزعمون أنهم عارفون بالأسرار أنه أُقيِل، وأنه أُجبِر على إعلان تركه لمنصبه فى نفس يوم إعلانه. وأما فى المضمون، فهناك أقوال بأن مافيا القمح هى التى وراء استبعاده، برغم أن الشائعات الدائرة تقول إنهم كانوا يعتمدون عليه تماماً فى البيزنس الخارج على القانون، وإنه كان متعاوناً معهم إلى مدى بعيد! ولتفسير التناقض تنطلق شائعة أخرى بأنهم ضحوا به حتى لا يُفتَح الملفُ فى البرلمان، فى الأسئلة وطلبات الإحاطة والاستجوابات المقدمة ضده بالفعل، وأنه برحيله عن المنصب فقد سقطت كلها، بما يفيدهم فى "لمّ" الموضوع، الذى إذا جرى فتحه على الرأى العام، فإن العواقب ضدهم ستكون كارثية!! هذا جانب واحد من شائعة واحدة! وإن كان البعض يرى أن معظم الكلام لا يصمد فى التفنيد، فأين الحقيقة؟ كان يجب أن يصدر فوراً بيان رسمى من إحدى الجهات الوارد ذكرها فى الشائعة يشرح الموقف بالتفصيل. وإلا فإن السكوت يعنى صحة الكلام. وتبقى كثير من الأسئلة مُلِحَّة حتى الآن، منها: ما هو حقاً مصير هذه الأسئلة وطلبات الإحاطة والاستجوابات؟ وهل سقطت حقاً برحيله عن المنصب؟ أم أنها لا تزال قائمة يتولى مسئولية مواجهتها من يتقلد المنصب من بعده؟ ماذا تقول بالدقة لائحة المجلس فى هذه الحالة؟ وهل أُجبِر الرجل بالفعل على الاستقالة؟ ومن الذى أجبره؟ وهل الهدف العملى حقاً هو تطويق المساءلة البرلمانية لمنع إذاعة أسرار الفساد فى موضوع القمح وغيره؟ وإذا كان فى مقدور مافيا القمح أن تفعل كل هذا، فإين موقف مجلس النواب الذى من أهم واجباته مراقبة الحكومة ومساءلتها؟ ولماذا الصمت عن الاستقالة أو الإقالة؟ ولماذا لم تُصدر الحكومة بياناً شافياً يحترم حق الرأى العام فى معرفة أخبار بلاده؟ ولماذا حتى الآن يجرى التكتم على تفاصيل قضية القمح، برغم الأخبار المعلنة عن إلقاء القبض على المتهمين وإيداعهم الحبس؟ وما هى بنود سدادهم لعشرات الملايين؟ هل على سبيل المصالحات التى وضع قواعدها نظام مبارك ليتمكن الفاسدون من التهرب من العقاب؟ وما هى المعايير التى قٌدِّرَت بها هذه المبالغ؟ وهل اعترف المتهمون بجرائمهم أم أن السداد فى غرامات على مخالفات أخرى أم هى متأخرات؟..إلخ ومرة أخرى، وليست أخيرة، أين مجلس النواب من كل هذا؟ وسوف تأتى سيرة مجلس النواب كثيراً فى سياقات أخرى، مثل موقفه الغريب العجيب من مشروع القانون المقدم من أكثر من 350 نائباً لتعديل قانون الصحافة بما يتيح تشكيل مجلس أعلى للصحافة جديد حتى يمكن عبور الأزمة التى صارت مستحكمة مع المجلس الأعلى للصحافة الحالى، الذى لم تعد له صلاحيات، وفق قانون إنشائه، لأن يصدر قرارات بتعيينات لقيادات المؤسسات الصحفية القومية ورؤساء تحرير مطبوعاتها، وكلهم دون استثناء قد انتهت فترتهم القانونية. مجلس النواب هذه المرة هو مصدر الشائعات فيما لا يقل عن عشر مناسبات كانت تصدر تصريحات من بعض النواب أن مشروع القانون قد أدرج فى جلسة الغد (كان يُقال "الغد" فى كل مرة!!) ولم يحدث أن نوقش قط، ولم يصدر أى بيان يشرح الأمر، ليس فقط لعموم الصحفيين، وإنما للرأى العام صاحب الحق فى المعرفة، بل صاحب الملكية الفعلية لهذه المؤسسات الصحفية والتى ينوب المجلس الأعلى للصحافة عن الشعب فى شئون إدارة هذه الملكية. وكانت الشائعات تنشط بشدة فى هذا الموضوع، ولا تزال، ولكن دون أى محاولة من مجلس النواب للتفسير! ولعل أخطر الشائعات التى تمسّ أهم عوامل أمن المجتمع والدولة كانت فى مشروع قانون دور العبادة الموحد، الذى تحول، أيضاَ دون تفسير، إلى التخصص فى بناء الكنائس فقط، وظلت الشائعات خلال الأشهر الأخيرة تردد الشيئ وعكسه، دون معقب أو مصحح! وحتى الآن، ولظروف غامضة، لا يزال مشروع القانون سرياً، فى الوقت الذى تجرى مفاوضات حول صياغته بين ممثل الحكومة وقيادة الكنيسة، ولا تخرج عن اللقاءات بيانات للرأى العام! ولا أحد يرد على الأقباط المستائين من شائعة تقول إن مشروع القانون يمنع أن يكون للكنيسة أجراس أو أن تُعَلَّق عليها صلبان! أو أن يقال إن مشروع القانون يتحدث عن الأقباط بأنهم أبناء الطائفة وليس بأنهم مواطنون..إلخ يبدو أن من أهم أسباب مشكلة ترك الرأى العام نهباً للشائعات أن كل المسئولين يرون أنفسهم غير ملزمين بالرد، وربما يخشون إن ردوا أن يساءلوا لماذا ردوا، أو أن يظهر لهم مسؤول آخر يعترض على اعتدائهم على صلاحياته لأنه هو المسؤول عن الرد! طيب، إذا كان هنالك بالفعل هذا المسؤول فأين هو؟ ولماذا يختفى فى هذه الملابسات التى تتطلب وجوده أكثر من أى وقت مضى؟ وإذا لم يكن هنالك مسؤول فلماذا لا تتخصص جهة تتناول مسؤولية احترام حق الرأى العام فى معرفة أخبار بلاده؟! [email protected]