إنفوجراف| أسعار الذهب تعاود الارتفاع الجمعة 16 مايو    أسعار الأسماك اليوم الجمعة 16 مايو في سوق العبور للجملة    سعر طبق البيض اليوم الجمعة 16 مايو    استشهاد 136 فلسطينيا جراء القصف الإسرائيلى على مناطق بقطاع غزة    ريال مدريد يهنئ برشلونة على حصد لقب الدوري الإسباني    راشفورد لن يواجه مانشستر يونايتد    رئيس رابطة محترفات التنس يحدد موعد تقاعده    حالة الطقس اليوم.. موجة شديدة الحرارة والعظمى بالقاهرة تسجل 37 درجة    حكم قضائي بإيداع نجل محمد رمضان في إحدى دور الرعاية    الصحة تتابع تنفيذ مبادرة القضاء على قوائم الانتظار بمستشفى قنا    تاجر ماشية ينهى حياة عامل طعنا بسلاح أبيض فى أبو النمرس    لاعب المغرب: نسعى لكتابة التاريخ والتتويج بأمم إفريقيا للشباب    في ذكرى النكبة… ماذا تبقّى من حلّ الدولتَين؟    ميسي يعود لقائمة الأرجنتين في تصفيات المونديال    4 أبراج «لا ترحم» في موسم الامتحانات وتطالب أبناءها بالمركز الأول فقط    رئيس شعبة المواد البترولية: محطات الوقود بريئة من غش البنزين.. والعينات لم تثبت وجود مياه    مصرع عاملة في حريق بمنزلها بمدينة سوهاج    بالأسماء.. جثة و21 مصابًا في انقلاب سيارة عمالة زراعية بالبحيرة    البلشي: 40% من نقابة الصحفيين "سيدات".. وسنقر مدونة سلوك    بعد طرح "المقص"، تامر حسني يقرر تغيير جلده ويخرج عن المألوف (فيديو)    في عيد ميلادها ال56.. شام الذهبي توجه رسالة مؤثرة لوالدتها أصالة: "كل عام وانتي الدنيا وما فيها وتاج راسنا"    العاهل البريطاني: أنا في الجانب الأفضل من رحلتي مع السرطان    في دقائق.. حضري سندويتشات كبدة بالردة لغداء خفيف يوم الجمعة (الطريقة والخطوات)    طريقة عمل البامية باللحمة، أسهل وأسرع غداء    موجة جديدة من كورونا تضرب آسيا، وارتفاع عدد حالات الدخول إلى المستشفيات    الطن ارتفع 700 جنيه.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 16-5-2025    وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية: تحقيق مع مدير FBI السابق كومي بتهمة التحريض على اغتيال ترامب    أسعار الأرز الشعير والأبيض «عريض ورفيع الحبة» اليوم الجمعة 16 مايو في أسواق الشرقية    بسنت شوقي: أنا اتظلمت بسبب زواجي من محمد فراج (فيديو)    توقفوا فورا.. طلب عاجل من السعودية إلى إسرائيل (تفاصيل)    أبو شقة: لدينا قوانين سقيمة لا تناسب ما يؤسس له الرئيس السيسي من دولة حديثة    د. محروس بريك يكتب: منازل الصبر    لامين يامال عن مقارنته ب ميسي: «ليو الأفضل على الإطلاق»    جداول امتحانات الترم الثاني 2025 في بورسعيد لجميع الصفوف    بيت لاهيا تحت القصف وحشد عسكري إسرائيلي .. ماذا يحدث في شمال غزة الآن؟    ترامب يلمح إلى قرب إبرام اتفاق مع إيران    اليوم.. الأوقاف تفتتح 11 مسجدًا جديداً بالمحافظات    انخفاض كبير في عيار 21 بالمصنعية.. مفاجأة في أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة    هل الصلاة على النبي تحقق المعجزات..دار الإفتاء توضح    نشرة التوك شو| حجم خسائر قناة السويس خلال عام ونصف وتحذير من موجة شديدة الحرارة    أسوان ضيفًا على طنطا في الجولة ال 36 بدوري المحترفين    وكيل أول الشيوخ: مشروع قانون الإيجار القديم لن يخرج إلا في هذه الحالة    مسابقة معلمين بالحصة 2025.. قرار جديد من وزير التربية والتعليم وإعلان الموعد رسميًا    القوى العاملة بالنواب: علاوة العاملين بالقطاع الخاص لن تقل عن 3% من الأجر التأميني    بحضور وزير العمل الليبي.. تفعيل مذكرة التفاهم بين مجمع عمال مصر ووزارة العمل الليبية    لاعب جنوب إفريقيا السابق: صن داونز سيفوز بسهولة على بيراميدز في نهائي دوري الأبطال    طريقة عمل الأرز باللبن، حلوى لذيذة قدميها في الطقس الحار    كمين شرطة مزيف.. السجن 10 سنوات ل 13 متهمًا سرقوا 790 هاتف محمول بالإكراه في الإسكندرية    دون إصابات.. سقوط سيارة في ترعة بالغربية    25 صورة من عقد قران منة عدلي القيعي ويوسف حشيش    رامي جمال يعلن عن موعد طرح ألبومه الجديد ويطلب مساعدة الجمهور في اختيار اسمه    هل يمكن للذكاء الاصطناعي إلغاء دور الأب والأم والمدرسة؟    الحوثيون يعلنون حظر الملاحة الجوية على مطار اللد-بن جوريون    إعلان أسماء الفائزين بجوائز معرض الدوحة الدولي للكتاب.. اعرفهم    بعد زيارة ترامب له.. ماذا تعرف عن جامع الشيخ زايد في الإمارات؟    دعمًا للمبادرة الرئاسية.. «حماة الوطن» بالمنيا يشارك في حملة التبرع بالدم| صور    أمين الفتوى: التجرؤ على إصدار الفتوى بغير علم كبيرة من الكبائر    "الأوقاف" تعلن موضع خطبة الجمعة غدا.. تعرف عليها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحصون السبعة يقدمها علاء عريبى.. الحلقة الخامسة والعشرون والأخيرة
نشر في التحرير يوم 10 - 08 - 2013

الإمام على يدخل الحصن السابع من فتحة المطر ويقف تحت قبة الصنم المنيع
جبريل يهبط على النبى «ص» ويبشره بقدوم الفارس الهمام على بن أبى طالب منتصرا
فرّق النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) الغنائم التى جاء بها الإمام على أهل المدينة.. ولم يترك أحدا من المسلمين إلا وأعطاه نصيبه الإمام للجان الكافر: يا ويلكم أنا من تعرفوه ولا تنكروه.. أنا الصاعقة عليكم.. أنا مفنيكم جيلا بعد جيل ثم عزمَ بأسماء الله العظام فجمدت نيرانهم وذهب دخانهم الهضام لمنيع: ما أنا وأنت إلا فى البلية سواء فكل منا هارب من على بن أبى طالب.. فأما أنا فموجود وأما أنت فمفقود
فى حوالى عام 1886م، بعد أربع سنوات من فشل الثورة العرابية بسبب خيانة الخديو وبعض النخب المصرية، واحتلال القوات الإنجليزية البلاد، عاش الشعب المصرى أسوأ سنوات القهر والظلم والشعور بالعجز، وقد حاول أن ينسى أو يتناسى مرارة الهزيمة وانكسار حلم أن تكون: «مصر للمصريين»، فاستسلم البعض للغيبيات وللخرافات وإلى كل ما يجعله لا يرى الواقع بمرارته، على أمل أن يظهر عرابى آخر ينقذهم من القهر، ووسط هذا المناخ كان الرواة الشعبيون يؤججون هذه الأحاسيس بالقصص الشعبية الخرافية التى قد تعين على الصبر وتفتح بابًا للأمل فى ظهور البطل القادر على تخليصهم من هذا العجز والانكسار، وذلك برواية قصص أبو زيد الهلالى وعنترة بن شداد والأميرة ذات الهمة وغيرها من قصص الأبطال التى تسرى عنهم وتجعلهم يتوافقون مع الواقع، وكانت تروى هذه القصص شفاهة فى المقاهى ومناطق السمر.
بعد ظهور الطباعة نشرت هذه السير الشعبية بين دفتى كتاب، حيث قامت بعض دور الطباعة بجمع هذه القصص الخرافية وإتاحتها للقراءة بعد أن كانت تروى على ربابة فى الحوارى والموالد والمقاهى والأسواق، وكان من بين هذه القصص سيرة شعبية بطلها الإمام على بن أبى طالب، نسج خيوطها وأحداثها وصور شخوصها أحد الرواة الشعبيين من الشيعة الإمامية، من هو؟ وفى أى عصر عاش؟ وما جنسيته؟ وهل القصة التى ألفها رواها على المستمعين أم أنه دفع بها لأحد الرواة المهرة؟ وهل ألفها باللغة العربية أم الفارسية؟
كل ما نعرفه أن قصة الحصون السبعة، أو حروب الإمام على بن أبى طالب ضد الهضام بن الحجاف ملك الجن، قد وصلتنا فى مصر من خلال أحد الرواة، اختلفوا حول حياته ومصداقيته، اسمه أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن محمد البكرى، البعض أرجعه إلى القرن السادس الهجرى، والبعض الآخر، وهو الأقرب، نسبه إلى القرن الثالث الهجرى، وقد شككت مصادر السنة فى مصداقيته، وأكدت كذبه، وقيل: إنه أكذب من مسيلمة، قال الذهبى فى الميزان: «فما أجهله وأقل حياءه، ما روى حرفًا واحدًا من العلم بسند، ويُقرأ له فى سوق الكتبيين كتاب (ضياء الأنوار) و(رأس الغول) و(شر الدهر) وكتاب (كلندجة)، و(حصن الدولاب)، وكتاب (الحصون السبعة) وصاحبها هضام بن الحجاف، وحروب الإمام على معه وغير ذلك»، وذكر فى شرح مجانى الأدب بأنه: «صاحب كتاب الأنوار والسرور والأفكار فى مولد محمد، وله أيضا كتاب الحكم وغير ذلك، ولا يوثق بروايته، كان يخلق الكلام كثير الكذب، توفى فى أواسط القرن الثالث الهجرى»، وقد وصفه القلقشندى أيضا بالكذب فى صبح الأعشى، والصفدى فى الوافى بالوفيات، كما أن السمهودى (ت 922ه) اتهمه أيضا بالكذب، وكذلك ابن حجر ووصفه بالدجال، قال: «إنه يحوك القصص الباطلة».
تختلف سيرة الحصون السبعة عن السير الشعبية التى نعرفها، مثل أبو زيد الهلالى، والأميرة ذات الهمة، وعنترة بن شداد وغيرها فى أنها تنطلق من شخصيات تاريخية دينية إلى شخصيات ووقائع خيالية، كما أنها تضفى معجزات وقدرات لا بشرية للإمام على بن أبى طالب تفوق قدرات ومعجزات النبى والإنسان بشكل عام.
يحكى البكرى فى هذه السيرة أن أحد الجان المسلمين جاء إلى رسول الله يشكو له ملك الجان الكفرة، أكد له أنه يسخر قبيلته وبعض قبائل الجن لعبادة الأصنام، وأنه صنع صنمًا وجعل له حفرة سماها النار وأخرى الجنة يعاقب ويحسن فيها لأتباعه، وطلب من الرسول أن يساعدهم على التخلص منه ومن جبروته وكفره، وأكد أن الإمام على بن أبى طالب الوحيد الذى يستطيع هزيمته والقضاء عليه، وتذكر السيرة أن جبريل عليه السلام نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخبره أن ابن عمه الإمام على بن أبى طالب هو المكلف بالقضاء على هذا الجن الكافر واسمه الهضام بن الحجاف، وفى السيرة نشاهد الرسول الكريم وهو يستحلف الإمام على أن يوافق على الخروج إليه، هذه السيرة التى رواها أحمد بن عبد الله البكرى المنسوب إلى الشيعة، رويت على لسان الإمام على بن أبى طالب، حيث نسبها البكرى إلى الإمام على رضى الله عنه، ولطرافتها ننشرها على أجزاء بعد أن قمنا بتعريف الأعلام الموجودة بها، وهى فى أغلبها شخصيات حقيقية، بعضها من الصحابة رضى الله عنهم أجمعين، كما قمنا بتعريف الأماكن، وقمنا بشرح الكلمات الصعبة تيسيرًا على القارئ، ووضعنا كل هذا بين قوسين.
أول مشهد فى السيرة كان فى مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام فى يثرب خلال فصل الشتاء، كانت السماء ممطرة والرياح شديدة، وكان الرسول وبعض أصحابه يتحدثون، فجأة سمعوا صوتا جهوريا خلف المسجد يقول: السلام عليك يا محمد ورحمة الله وبركاته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، ثم التفت إلى أصحابه وقال:
- ردوا على أخواتكم السلام رحمكم الله.
- فقالوا: يا رسول الله على من نرد ونحن لم نرَ أحدا؟ نرد على الملائكة أم على الجان؟
فقال: بل على أخوانكم الجان الذين آمنوا وصدقوا برسالتى، ثم نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أظهر لنا أيها المتكلم لنراك.
فظهر فى هيئة شيخ، على بن أبى طالب تعرف عليه قائلا: عرفطة بن شماخ، وكنت به عارفا لأن النبى صلى الله عليه وسلم، قد أرسلنى معه إلى قومه، فأحرقت بأسماء الله تعالى وبنوره منهم زيادة على خمسين قبيلة من الجن وآمن منهم خلق كثير، فسلم عرفطة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس (بجوار) النبى.
- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حاجتك؟
- قال: يا رسول الله قد جئتك لأخبرك عما نحن فيه، الحرب والوقائع وقتال القبائل الجواهل (اسم فاعل من جهِلَ / وجهِل ب حقيقة الشَّيء: لم يعلم به).
- فقال النبى صلى الله عليه وسلم: مع من يا عرطفة؟
- فقال: مع كفار الجن ومردتهم وكذلك مع عفاريتهم عبدة الأوثان
- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ديارهم قريبة منا أم بعيدة يا عرطفة؟
- فقال: يا سيدى فى جبال وأوكار (جمع وكر: عش الطائر) وأودية شتى، قد أهلكنا منهم خلقا كثيرا واهلكوا منا خلقا كثيرا، وأن لهم صنما يسمونه «المنيع»، وقد تعالى الله عز وجل عن أن يمثل وهو السميع البصير، فصنمهم هذا قائم بخدمة الملك الهضام بن الجحاف بن عوف بن غانم الباهلى الملقب بمرآة الموت لعنه الله، والصنم المنيع موكل به مارد يقال له عنريس بن دريس بن إبليس، وله عشيرة عظيمة وقبيلة جسيمة ونحن فى غزوهم وجهادهم، وقد اشتدت بلية القوم وتعاظم أمر الهضام وكفر بالله تعالى واتخذ من دون الله إلها يسمونه المنيع، وجعل له جنة ونار، وجعل له زبانية وأسماهم الغلاظ الشداد، وجعل له ملائكة وسماهم البررة الكرام، وجعل فى جنته الأشجار والأنهار والأطيار (جمع: طائر)، وجعل فيها المخدرات (الجميلات) المنعمات وسماهن الحور العين، وجعل له عرشا وكرسيا، ومن العفاريت الطيارين وأسماهم الملائكة المقربين، وأنت رسول الله لم يبلغك من ذلك كله، وقد اشتد تمرد القوم وطغيانهم وكفرانهم رب العالمين... هذا هو المشهد الذى بدأت به سيرة الحصون السبعة، فى المشهد التالى وكان داخل المسجد أيضا طلب عرفطة من الرسول أن يساعدهم فى محاربة الجان الكفرة، ورشح الإمام على بن أبى طالب، لأنه على حد وصف عرفطة: الإنسان الوحيد القادر على محاربة هؤلاء الجان الكفرة، فى مشهد ثالث نزل جبريل على الرسول وصدق على ترشيح عرفطة للإمام على، وقال له: إن الله اختاره لهذه المهمة، وفى مشهد رابع: عرض الرسول على أصحابه المشكلة، واستفسر منهم عن الملك الهضام، وتقدم له أحد الصحابة كانت له به معرفة وحكى عن الهضام، وأشار إلى أن مملكة فى بلاد اليمن، فى المشهد الخامس عرض الرسول الكريم على الإمام على المهمة وقبلها، وتم تحرير رسالة من الرسول إلى الهضام يطالبه فيها بالدخول فى الإسلام، بعد ذلك ودع الإمام على أولاده وزوجته وبدأ رحلته إلى الملك الهضام، فى الطريق من يثرب إلى حصن الهضام، مر الإمام على بن أبى طالب على ستة حصون، قام بفتحها جميعا يمتلكها قادة الملك الهضام وهم: الملك المخضب، والمنتقم، وكنعان، والهجام، والخطاف، ومسطاح، ومساور، وقد عرض الإسلام عليهم، بعضهم أعلن إسلامه والبعض الآخر فضل القتل عن ترك ديانة أجداده، وقد ذكر فى السيرة أسماء ثلاثة حصون من السبعة، وهى حصن الفواكه، والحصن الأسود، والحصن الأقصى أو حصن الحصون وفيه كان يقيم الملك الهضام وإلهه المنيع، وكانت فيه الجنةو النار التى صنعها الهضام، والملك الهضام قد سمع بالإمام على وبما يفعله مع رجاله وحصونه، وأرسل له أولاده على رأس جيوش جراره، الأول اسمه ناقد وقد أشهر إسلامه وأصبح أحد قادة الإمام على، وابنه الثانى اسمه غنام وقد رفض ترك ديانة والده وقتل.
الملفت للانتباه فى السيرة أن الإمام على حارب بشر مثله ولم يحارب الجان والعفاريت، فالمشهد الذى استهلوا به السيرة وحضر فيه عرفطة الجنى المسلم، يشير إلى أن الحرب ستكون مع قبائل من الجان والعفاريت والمردة، لكن للأسف هذا لم يتحقق، وطوال الحلقات الماضية التى نشرناها لم يظهر الجن والعفاريت سوى ثلاث مرات، الأول ظهر فيها إبليس فى هيئة شيخ عجوز فى حصن قبل وصول الإمام على، وظهر المرة الثانية فى صورته بحصن آخر، وفى هذا الحصن ذكر الراوى أن الجان حضرت تحارب وأشعلت النيران وكادت تحرق أتباع الإمام على بن أبى طالب، ولكنه الإمام تلا تعويذة عليها ودمرهم جميعا، فى مرة تالية وكانت هامشية كذلك تكرر الشىء نفسه، ولم نر حضورا فاعلا ومؤثرا للجان فى سياق الأحداث.
والملفت كذلك أن الإمام على كان يمتلك قوة خارقة تجعله يواجه آلاف الفرسان دون أن يتعب أو يخدش أو حتى يضرب أو يقع على الأرض، كما أنه كان يمتلك قدرة على القفز لمسافات أفقية ورأسية كبيرة، كما كان يمتلك قدرة على عبور نهر طائر.
فى الحلقة الماضية كان الإمام على بن أبى طالب قد واجه أخيرا الملك الهضام، ونشبت مناوشات حربية بين الجيشين، وكانت بالقرب من حصن الفواكه، استغل الملك الهضام اشتباك الجنود مع بعضهم البعض وركب حصانه وفر من أرض المعركة إلى حصنه لكى يتحصن فيه من الإمام على، وقد شعر الإمام بهروبه فأسرع خلفه ووصل قبل منه إلى الحصن، وهناك فوجئ بأن الحصن مغلق، فقام بالدوران حول الحصن لكى يجد لنفسه منفذها، حتى عثر على فتحه بالسور كانوا فتحوها لتسريب مياه الأمطار خارج الحصن، فماذا فعل؟ هذا ما سنراه فى الحلقة الأخيرة من السيرة:
قال الراوى: فإذا هو بخرق كانوا اصطنعوه لأجل خروج المطر منه إذا اجتمع فى الحصن مكانه، فنظر الإمام فيه فوجده ضيقا فشبك فى حجر بيديه وجذبه فاقتلعه من مكانه وأزاله عن بنيانه ثم قلع آخر، ولم يزل كذلك إلى أن دخل الحصن والقوم لا يعلمون بشىء من ذلك بتوفيق الله تعالى، وأقبل الإمام يمشى فى الحصن كأنه يعرفه سابقا أو يعرف طرقه ومسلكه هدى من الله سبحانه وتعالى، ولم يزل كذلك إلى أن وصل إلى القبة التى فيها الصنم، وهذا بتوفيق من الله، وهو متعلق فى الهواء والقناديل موقودة لا تطفأ ليلا ولا نهارا وليس عنده مساعد ولا خادم، فنظر الإمام إليه فماج الصنم واضطرب فى القبة وتخبط فى حيطانها، ورمت المردة الموكلون به بنيرانه وارتفع الصنم حتى صار فى سماء القبة، ورمى الإمام من أعلى القبة بالصخر والجنادل (الصخر الضخم)، وخرج من فم الصنم لهيب النار، وظهر للناس رؤوس بلا أبدان وأبدان بلا رؤوس، فلما نظر الإمام إلى تلك الفعال من الصنم والشياطين والمردة لم يكبر عليه شىء من ذلك بل تبسم ضاحكا وصاح بهم: يا ويلكم أنا من تعرفوه ولا تنكروه أنا البلية أنا الصاعقة عليكم أنا مفنيكم جيلا بعد جيل، فلما فرغ الإمام من أوصافه ازداد الأمر وكثر الشر وهجمت النيران وعلا الدخان وتصاعدت الزعقات وعظم الشأن ودارت المردة والشياطين حول الإمام من كل جانب ومكان، فلما نظر الإمام ذلك عزم بأسماء الله العظام، فعند ذلك جمدت نيرانهم وذهب دخانهم وعاد الصنم المنيع ملقى صريعا، فأخذه الإمام ووضعه فى مكان آخر، وأما الهضام فإنه لما سمع زعقات الإمام خاف خوفا شديدا وولى هاربا من معمعة الحرب هاربا وركب جواده إلى أن وصل إلى الحصن الأقصى، وكان قد ترك فيه سرية (قطعة من الجيش من خمسة إلى ثلاثمئة) من الرجال، فلما أن وصل باب الحصن صرخ بقومه فعرفوا صرخته، فنزلوا إليه مسرعين وفتحوا له الباب وسألوه عن حاله فلم يردّ عليهم غير أنه قال: أغلقوا بابكم وحافظوا على حصنكم لئلا يدخل على بن أبى طالب، ومضى إلى الصنم المنيع قاصدا، فنزل عن جواده وجعل يهرول ويوسع فى خطاه حتى فتح القبة ودخل للصنم مستغيثا ومستجيرا، فلما توسّط القبة وكان الصباح قد أصبح نادى إلهه المنيع وقال: إلهى هل عندك ملاذ من سيف الإمام على، ثم رفع بصره إليه ولم يره وطلبه فلم يجده فحار وذهل وجعل يمسح عن عينيه وينظر إليه فلم يلقِه فقال: ما أنا وأنت إلا فى البلية سواء فكل منا هارب من على بن أبى طالب، فأما أنا فموجود وأما أنت فمفقود، ووقف وهو حائر وإذ بقائل يقول له: بل نزل به البلاء من يد الإمام المرتضى، فلما سمع الهضام التفت إلى ورائه فإذا هو بالإمام واقفا يخاطبه فاندهش من ذلك وقال: يا ابن أبى طالب أنت من السماء نزلت أم من الأرض نبعت؟ فقال له الإمام: أنا معك أينما توجهت ثم أنى لصنمك أخذت وهو بين يدى، فلما نظر الهضام إلى صنمه وهو فى يد الإمام جعل يقبله ويبكى عليه ويتضرع إليه، انقض عليه الإمام وقبض عليه قبضة مزعجة وجلد (ضرب) به الأرض فقال: يا ابن أبى طالب خذ الفداء عنى وعن صنمى المنيع الإله الرفيع، فقال له الإمام: تعسا بك وبصنمك ثم مد يده إلى عمامته فحلها وأوثقه كتافا وتركه لا يستطيع التحرك.
أبناء الأراذل
فبينما الإمام كذلك إذ سمع صرخات قد علت وضجات، فلما تحقق ذلك ترك الهضام فى مكانه وصعد حتى صار على أعلى السور وتخالط (اختلط) بالقوم وهم لا يعلمون ما حل بالهضام ولم يعرفوا الإمام، فبينما هو ينظر أعلى الوادى إذ رأى المنهزمين من المشركين متوجهين من حصن الفواكه إلى حصن الأقصى من يدى المسلمين، والمسلمون من ورائهم يأخذونهم من كل جانب، ففرح الإمام بذلك فرحا شديدا، وسمع مسطاح وهو ينادى إلى أين يا أبناء الأراذل (أرذل: دون الخسيس) تمضون؟، فلما نظر الإمام زادت به الأفراح، وهذا والمشركون ينادون: يا سرار بن طارق (أحد أتباع الهضام، شخصية خيالية) افتح لنا الباب، فصرخ سرار: لا نفتح لكم الباب لئلا يدركنا على بن أبى طالب، كل هذا والإمام بينهم ولم يرد عليهم جوابا، ثم امتشق سيفه ووثب فيهم وقال: يا ويلكم إن سلمتم لى أنفسكم واستأسرتم (سلمتم أنفسكم أسرى) بأجمعكم وإلا محوتكم بهذا السيف عن آخركم، فعند ذلك صاحوا بأجمعهم: الأمان يا ابن أبى طالب، فقال: كتفوا بعضكم بعضا، فأخذ القوم فى تكتيفهم حتى لم يبقَ أحد منهم، وأما ما كان من جيش الهضام والمسلمون فإنهم قد أحاطوا بالمشركين، فبينما هم كذلك إذ بعجاج قد طلع من ناحية حصن الفواكه وبينهم فارس على جواد سابق، فلما وصل حمل هو بقومه ففرحت به المسلمون حين نظروه، وإذا هو مسطاح الأقرن وهو ينادى ويقول: ابشروا بالنصر يا حزب الرحمن فأنا مسطاح أنا قاتل الفرسان، فلما سمع المشركون ذلك ولّت الأدبار وتوجهوا نحو الحصن والديار، فلما وصلوا إلى الحصن نادوا: يا سرار يا ابن طارق افتح لنا الباب، والمسلمون من ورائهم، هذا والإمام قد كتف الهضام فى مكانه فسمع الضجات والصرخات وصعد إلى أعلى الحصن، فلما وصل المنهزمون نزل الإمام من أعلى الحصن إلى المكان الذى فيه الهضام وقال: ويحك ما أنت قائل؟، فقال الهضام: أشهد يا على يا ابن أبى طالب أنك أخذت بسحرك جميع أولاد الملوك، فعند ذلك غضب غضبا شديدا فما صبر دون أن قام إليه ورفعه وجلد به الأرض فأدخل أضلاعه بعضها فى بعض، ولم يتحرك ولم ينطق وعجل لله بروحه إلى النار، وتقدم الإمام إلى الصنم وأخذ صخرة عظيمة وضربه بها فقطعه قطعا، وأمر به وبالهضام أن يحملوهما ويطرحوهما فى نارهما التى صنعاها وجعل على البيد زبانية، وأخذ جميع العبيد ودخل الجنة وأخذ كل شىء كان فيها من الذهب والجواهر واليواقيت.
السلطان ناقد بن هضام
فلما فرغ الإمام من ذلك أرسل إلى جميع الحصون وأحضر أمراءهم بين يديه وأقام عليهم ناقد سلطانا كما كان أبوه أولا، وأقام بينهم شرائع الإيمان والإسلام، وأمر ببناء المساجد وتلاوة آيات الله وإكرام الفقراء والمساكين والأيتام، وأمر على حصن الحصون عمه غمام كعادته فى حياة الهضام، وأقام أيام قلائل وأراد أن يتوجه إلى مدينة يثرب لمشاهدة ابن عمه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليه ناقد ابن الملك وقال: يا أمير المؤمنين لى إليك حاجة، فقال له الإمام: سل عما بدا لك تعطَ كل ما تريد إن شاء الله تعالى، فقال: يا سيدى أريد أن أتزوج بالرغداء بنت الخطاف، فقال: السمع والطاعة، وأرسل إلى الرغداء وأعلمها بذلك، فقالت له: السمع والطاعة، فصنع لهم الإمام رضى الله عنه وليمة عظيمة ولها بين العرب قيمة، وزوجه أمير المؤمنين بالرغداء فى تلك الليلة، وعطاها جميع ما تحتاجه النساء وأقام معها فى عيشة هنيئة، ثم إن الإمام رضى الله عنه وضع لهم الوليمة وأرخيت عليهم سرادقات الخلوة، وتجهز إلى السير نحو مدينة يثرب، فقام معه ناقد وكبراء قومه ورؤساء حصونه ومن معه من أصحاب المسلمين وصاروا يودعون أمير المؤمنين، فكان كلما أتى إلى حصن من الحصون يقيم يوما أو يومين وهو يعلمهم فى شرائع دينهم حتى خرج من الحصون وناقد معه وقومه يتبعونه ويودعونه، فأمرهم الإمام بالرجوع فسار وجد فى السير، وكان كلما أتى إلى حصن يقسم غنائمه خمسة أخماس ويعطى الأمير الذى فيه هو وقومه خمسا، ويجعل الأربعة أخماس إلى بيت مال المسلمين، وسار علم الأنوار الذى غنمه منصوب على رأسه إلى أن أتى المدينة المنورة، فلما قرب من المدينة هبط جبريل عليه السلام على النبى صلى الله عليه وسلم سيد الأنام ومصباح الظلام ورسول الله الملك العلام، وبشره بقدوم الفارس الهمام أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه ورضى عنه، وبشره بما فتح على يده وقتل عدو الله الهضام، فأمر رسول الله المهاجرين والأنصار إلى البراز (الخروج) لملاقاة على الكرار (شديد الكر والهجوم فى القتال)، ففرحوا بذلك فرحا شديدا وركبوا خيولهم وركب النبى صلى الله عليه وسلم إلى أن تقابل معه وضمه إلى صدره فضمه المسلمون والجيوش وفرحوا فرحا شديدا، وأخذ النبى صلى الله عليه وسلم الغنائم والعلم الأنوار الذى جاء به الإمام وفرقها على أهل المدينة، ولم يترك أحدا من المسلمين إلا وأعطاه نصيبه، وكانت مدة غيبة الإمام ورجوعه أربعين يوما وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
(انتهى)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.