4 مواليد كل دقيقة.. وزير الصحة: نستهدف معدل طفلين لكل أسرة    شركة مياه الشرب تفتح التدريب الصيفي لطلاب المعاهد والجامعات بسوهاج    قمة السلام الأوكرانية.. إجراءات أمنية مثيرة للجدل لمنع التسريبات    لوكا مودريتش يوافق على تخفيض راتبه مع الريال قبل التجديد موسم واحد    داليا عبدالرحيم: التنظيمات الإرهابية وظفت التطبيقات التكنولوجية لتحقيق أهدافها.. باحث: مواقع التواصل الاجتماعي تُستخدم لصناعة هالة حول الجماعات الظلامية.. ونعيش الآن عصر الخبر المُضلل    "الثاني تاريخياً".. سبورتنج بطلاً لكأس مصر لكرة اليد بعد الفوز على الزمالك    نادي الصيد يحصد بطولة كأس مصر لسباحة الزعانف للمسافات الطويلة.. صور    "الصيف بيخبط على الباب".. الأرصاد: موجة حر شديدة تضرب البلاد وتوقعات بامتدادها لأسبوع مقبل    رانيا منصور تكشف ل الفجر الفني تفاصيل دورها في الوصفة السحرية قبل عرضه    بالصور.. نجوم الفن في عزاء والدة محمود الليثي    شذى حسون تبدأ سلسلتها الغنائية المصرية من أسوان ب«بنادي عليك»    4 شهداء فى قصف للاحتلال على منزل بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة    حظك اليوم لمواليد برج الدلو    "من عبدول إلى ليلى" أفضل وثائقي و"الترويضة" أفضل فيلم قصير بمهرجان روتردام    استمتع بنكهة تذوب على لسانك.. كيفية صنع بسكويت بسكريم التركي الشهي    مدير مستشفيات جامعة بني سويف: هدفنا تخفيف العبء على مرضى جميع المحافظات    سم قاتل يهدد المصريين، تحذيرات من توزيع "سمكة الأرنب" على المطاعم في شكل فيليه    وزير العمل يشارك في اجتماع المجموعة العربية استعدادا لمؤتمر العمل الدولي بجنيف    وزير التربية والتعليم الأسبق يدعو لإنشاء مجلس أعلى للتعليم    موعد مباراة الأهلي والاتحاد السكندري في نهائي دوري السوبر لكرة السلة    فرق إطفاء تحاول السيطرة على حرائق غابات شرق مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية    فرص عمل للمصريين في ألمانيا.. انطلاق برنامج «بطاقة الفرص»    مدبولى: مؤشر عدد الإناث بالهيئات القضائية يقفز إلى 3541 خلال 2023    "بشيل فلوس من وراء زوجي ينفع أعمل بيها عمرة؟".. أمين الفتوى يرد    تكبيرات عيد الأضحى 2024.. وقتها وأفضل صيغة    اتحاد منتجي الدواجن: الزيادة الحالية في الأسعار أمر معتاد في هذه الصناعة    رئيس النيابة الإدارية يشهد حفل تكريم المستشارين المحاضرين بمركز التدريب القضائي    «مغشوش».. هيئة الدواء تسحب مضاد حيوي شهير من الصيداليات    التنظيم والإدارة: إتاحة الاستعلام عن نتيجة التظلم للمتقدمين لمسابقة معلم مساعد    متى إجازة عيد الأضحى 2024 للقطاع الخاص والحكومي والبنوك في السعودية؟    قبل ذبح الأضحية.. أهم 6 أحكام يجب أن تعرفها يوضحها الأزهر للفتوى (صور)    فعاليات متنوعة للأطفال بالمكتبة المتنقلة ضمن أنشطة قصور الثقافة ببشاير الخير    فيلم "بنقدر ظروفك" يحتل المركز الرابع في شباك التذاكر    السعودية تصدر "دليل التوعية السيبرانية" لرفع مستوى الوعي بالأمن الإلكتروني لضيوف الرحمن    بعد نهاية الدوريات الخمس الكبرى.. كين يبتعد بالحذاء الذهبي.. وصلاح في مركز متأخر    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية الفرجاني في مركز بني مزار غدا    أخبار الأهلي : من هو اللاعب السعودي خالد مسعد الذي سيُشارك الأهلي في مباراة اعتزاله؟    ذا هيل: تحالف كوريا الشمالية وروسيا قد يلحق ضررا ببايدن في الانتخابات الرئاسية    تعرف على محظورات الحج وكفارتها كما حددها النبي (فيديو)    اللجنة العامة ل«النواب» توافق على موزانة المجلس للسنة المالية 2024 /2025    البنك التجاري الدولي يتقدم بمستندات زيادة رأسماله ل30.431 مليار جنيه    علاء نبيل يعدد مزايا مشروع تطوير مدربي المنتخبات    خاص رد قاطع من نادي الوكرة على مفاوضات ضم ديانج من الأهلي    إصابة سائق إثر حادث انقلاب سيارته فى حلوان    محمد الشيبي.. هل يصبح عنوانًا لأزمة الرياضة في مصر؟    الاحتلال الإسرائيلي يواصل قصفه قرى وبلدات جنوبي لبنان    وكيل «قوى عاملة النواب» رافضًا «الموازنة»: «حكومة العدو خلفكم والبحر أمامكم لبّسونا في الحيط»    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل مسن في روض الفرج    وزير المالية: مشكلة الاقتصاد الوطني هي تكلفة التمويل داخل وخارج مصر    مفتي الجمهورية: يجوز للمقيمين في الخارج ذبح الأضحية داخل مصر    وزير الإسكان ومحافظ الإسكندرية يتفقدان مشروع إنشاء محور عمر سليمان    أمناء الحوار الوطني يعلنون دعمهم ومساندتهم الموقف المصري بشأن القضية الفلسطينية    وزيرة التخطيط ل«النواب»: نستهدف إنشاء فصول جديدة لتقليل الكثافة إلى 30 طالبا في 2030    حفر 30 بئرًا جوفية وتنفيذ سدَّين لحصاد الأمطار.. تفاصيل لقاء وزير الري سفيرَ تنزانيا بالقاهرة    غرفة الرعاية الصحية: القطاع الخاص يشارك في صياغة قانون المنشآت    غرفة عمليات «طيبة التكنولوجية»: امتحانات نهاية العام دون شكاوى من الطلاب    تحرير أكثر من 300 محضر لمخالفات في الأسواق والمخابز خلال حملات تموينية في بني سويف    لتحسين أداء الطلاب.. ماذا قال وزير التعليم عن الثانوية العامة الجديدة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الحصون السبعة».. الحلقة الحادية عشرة يقدمها علاء عريبى
نشر في التحرير يوم 20 - 07 - 2013

السيرة الشعبية لمحاربة الإمام علىّ لملك الجان الكافر
الإمام علىّ صاح فى جيش ابن الملك الهضام: هل من مبارز!
ابن الملك الهضام يرفض دعوة الإمام على بالدخول فى الإسلام.. ويقول: ما أنا بالذى يفعل ذلك ويبقى له العار
حامل رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الملك الهضام يسجد للصنم «المنيع» مئة سجدة
ابن ملك الجان الكافر يخبر أباه بما فعله مبعوث الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول له الهضام: وحق المنيع لو وصل إلينا بن أبى طالب لفعلنا به مثل ما فعلنا فى جميل
فى حوالى عام 1886م، بعد أربع سنوات من فشل الثورة العرابية بسبب خيانة الخديو وبعض النخب المصرية، واحتلال القوات الإنجليزية البلاد، عاش الشعب المصرى أسوأ سنوات القهر والظلم والشعور بالعجز، وقد حاول أن ينسى أو يتناسى مرارة الهزيمة وانكسار حلم أن تكون: «مصر للمصريين»، فاستسلم البعض للغيبيات وللخرافات وإلى كل ما يجعله لا يرى الواقع بمرارته، على أمل أن يظهر عرابى آخر ينقذهم من القهر، ووسط هذا المناخ كان الرواة الشعبيون يؤججون هذه الأحاسيس بالقصص الشعبية الخرافية التى قد تعين على الصبر وتفتح بابًا للأمل فى ظهور البطل القادر على تخليصهم من هذا العجز والانكسار، وذلك برواية قصص أبو زيد الهلالى وعنترة بن شداد والأميرة ذات الهمة وغيرها من قصص الأبطال التى تسرى عنهم وتجعلهم يتوافقون مع الواقع، وكانت تروى هذه القصص شفاهة فى المقاهى ومناطق السمر.
بعد ظهور الطباعة نشرت هذه السير الشعبية بين دفتى كتاب، حيث قامت بعض دور الطباعة بجمع هذه القصص الخرافية وإتاحتها للقراءة بعد أن كانت تروى على ربابة فى الحوارى والموالد والمقاهى والأسواق، وكان من بين هذه القصص سيرة شعبية بطلها الإمام على بن أبى طالب، نسج خيوطها وأحداثها وصور شخوصها أحد الرواة الشعبيين من الشيعة الإمامية، من هو؟ وفى أى عصر عاش؟ وما جنسيته؟ وهل القصة التى ألفها رواها على المستمعين أم أنه دفع بها لأحد الرواة المهرة؟ وهل ألفها باللغة العربية أم الفارسية؟
كل ما نعرفه أن قصة الحصون السبعة، أو حروب الإمام على بن أبى طالب ضد الهضام بن الحجاف ملك الجن، قد وصلتنا فى مصر من خلال أحد الرواة، اختلفوا حول حياته ومصداقيته، اسمه أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن محمد البكرى، البعض أرجعه إلى القرن السادس الهجرى، والبعض الآخر، وهو الأقرب، نسبه إلى القرن الثالث الهجرى، وقد شككت مصادر السنة فى مصداقيته، وأكدت كذبه، وقيل: إنه أكذب من مسيلمة، قال الذهبى فى الميزان: «فما أجهله وأقل حياءه، ما روى حرفًا واحدًا من العلم بسند، ويُقرأ له فى سوق الكتبيين كتاب (ضياء الأنوار) و(رأس الغول) و(شر الدهر) وكتاب (كلندجة)، و(حصن الدولاب)، وكتاب (الحصون السبعة) وصاحبها هضام بن الحجاف، وحروب الإمام على معه وغير ذلك»، وذكر فى شرح مجانى الأدب بأنه: «صاحب كتاب الأنوار والسرور والأفكار فى مولد محمد، وله أيضا كتاب الحكم وغير ذلك، ولا يوثق بروايته، كان يخلق الكلام كثير الكذب، توفى فى أواسط القرن الثالث الهجرى»، وقد وصفه القلقشندى أيضا بالكذب فى صبح الأعشى، والصفدى فى الوافى بالوفيات، كما أن السمهودى (ت 922ه) اتهمه أيضا بالكذب، وكذلك ابن حجر ووصفه بالدجال، قال: «إنه يحوك القصص الباطلة».
تختلف سيرة الحصون السبعة عن السير الشعبية التى نعرفها، مثل أبو زيد الهلالى، والأميرة ذات الهمة، وعنترة بن شداد وغيرها فى أنها تنطلق من شخصيات تاريخية دينية إلى شخصيات ووقائع خيالية، كما أنها تضفى معجزات وقدرات لا بشرية للإمام على بن أبى طالب تفوق قدرات ومعجزات النبى والإنسان بشكل عام.
يحكى البكرى فى هذه السيرة أن أحد الجان المسلمين جاء إلى رسول الله يشكو له ملك الجان الكفرة، أكد له أنه يسخر قبيلته وبعض قبائل الجن لعبادة الأصنام، وأنه صنع صنمًا وجعل له حفرة سماها النار وأخرى الجنة يعاقب ويحسن فيها لأتباعه، وطلب من الرسول أن يساعدهم على التخلص منه ومن جبروته وكفره، وأكد أن الإمام على بن أبى طالب الوحيد الذى يستطيع هزيمته والقضاء عليه، وتذكر السيرة أن جبريل عليه السلام نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخبره أن ابن عمه الإمام على بن أبى طالب هو المكلف بالقضاء على هذا الجن الكافر واسمه الهضام بن الحجاف، وفى السيرة نشاهد الرسول الكريم وهو يستحلف الإمام على أن يوافق على الخروج إليه، هذه السيرة التى رواها أحمد بن عبد الله البكرى المنسوب إلى الشيعة، رويت على لسان الإمام على بن أبى طالب، حيث نسبها البكرى إلى الإمام على رضى الله عنه، ولطرافتها ننشرها على أجزاء بعد أن قمنا بتعريف الأعلام الموجودة بها، وهى فى أغلبها شخصيات حقيقية، بعضها من الصحابة رضى الله عنهم أجمعين، كما قمنا بتعريف الأماكن، وقمنا بشرح الكلمات الصعبة تيسيرًا على القارئ، ووضعنا كل هذا بين قوسين.
جميل بن كثير موفَد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الملك الهضام وصل أخيرا إلى مملكة الهضام، وقام فى حلقة الأمس بتسليم الملك رسالة الرسول، وقد سخر الهضام من الرسالة، لكن المدهش أن الهضام لم يسأل جميل بن كثير عن الرسول الكريم وعن الديانة الإسلامية، بل سأله عن على بن أبى طالب الذى سمع عنه من قِبل أعوانه، وفى حلقة الأمس أمر الهضام ابنه ناقد أن يأخذ جميل فى جولة يشاهد فيها الجنة والنار التى صنعها ويقارن بينهما وبين الجنة والنار التى وعد بهما النبى محمد صلى الله عليه وسلم المسلمين، وفى نفس الحلقة كان الإمام على بن أبى طالب قد أجهز على الملك المنتقم على باب حصنه، ثم عرض الإسلام على أسراه من فرسانه وعلى نسائه، وحسب ذكر الراوى قام بقتل من رفضوا الدخول فى الإسلام، وهذا بالطبع يخالف شريعة الإسلام السمحة، بعد ذلك استعد الإمام للتوجه إلى حصن رامق فى وادى الحديق لمقابلة الملك الخطاب بن هند الحميرى أحد أتباع الملك الهضام الكافر، وفى نهاية حلقة الأمس بعد جولة جميل بن كثير مع ناقد نجل الملك فى جنة المنيع إله الملك الهضام، وافق جميل على السجود للمنيع مئة سجدة، فهل سجد موفد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الصنم المسمى المنيع؟، هذا ما سنراه بداية من حلقة اليوم، قال الراوى:
فلما خرج جميل قال ناقد: إلى أين تريد؟، قال: إلى الإله المنيع والرب الرفيع أسجد له وأقر له بالعبودية، فقال له ناقد: أفلحت يا هذا ونجحت، ثم أقبل ناقد راجعا إلى الصنم، فما زال كذلك حتى قرب من الأبواب وما زالوا كذلك حتى دخلوه فيها وهمّ المتنعمون فى الجنة أن يدخلوا معهم فمنعهم الحاجب من الدخول، فتصايحوا بناقد وقد قالوا له: دعنا ندخل إلى ربنا المنيع إلهنا السميع فننظر إلى معجزاته ودلائله وآياته؟، (قال الراوى) فأذن لهم ناقد بالدخول وهو أمامهم قابض على يد جميل لعنه الله، فما زال يدخل من باب إلى باب إلى أن دخل البيت الذى فيه الصنم، فنظر القناديل توقد بأطيب الادهان، ونظر الصنم معلقا فى الهواء لا يرفعه عمود من تحته ولا علاقة من فوقه، فحار جميل واندهش وأعطاه ناقد خاتما من الحديد الصينى كبيرا، فأخذه جميل بيده وتقدم إلى الصنم، فلما شم الصنم رائحة المغناطيس جذبه بالقوة المركبة من الحديد، فلما نظر جميل إلى ذلك حار، فعلم ناقد ذلك منه فقال: يا ويلك أسجد فإن الإله قد قربك إليه، فعند ذلك سجد جميل لعنه الله وسجد معه جميع القوم، فأقبل الشيطان اللعين الموكل بالصنم فدخل جوفه وجعل يهذى بكلام التضليل، (قال الراوى) فصاح به الخدم من كل جانب ومكان يقولون: يا جميل ابشر بالخير الجزيل، فقد جاد عليك المنيع بالكرم والتفضيل، وقد خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك، فرفع رأسه ورفع الناس رؤوسهم، فلما فرغ تمسح القوم به تبركا وهنوه على ذلك وقبلوا يديه وكذلك ناقد، ولم يزالوا من حوله محدقين إلى أن وصلوه الجنة التى يزعمونها، فلما دخلها استقبلته صاحبته الطاغية بكأس من خمر وقالت له: خذ هذه الكأس فهى تمام الفرح وزوال العمر، ولم يبق بعد يومنا هذا ولا نصب، فتناول الكأس من يدها وتجرعها وأبعده الله تعالى عن بابه وطرده عن نبيه ونام مع صاحبته وكفر بالله العظيم، ثم أتى ناقد إلى أبيه وأخبره بذلك، ففرح الهضام فرحا شديدا وقال: وحق المنيع لو وصل إلينا على بن أبى طالب لفعلنا به مثل هذا، وكان يصير إلى ما صار إليه صاحبه وينسى ابن عمه، وهل يرى هذا النعيم والعيش السليم ويتباعد عنه؟، وما زال الملك فى كفره وطغيانه.
صرخة الصنم
قال: فلم يمض إلا يومين أو ثلاثة بعد أمر جميل والقوم فى لهوهم وسرورهم والسدنة(السادن: الخادم والحاجب) من حول الصنم، قد هجع (نام) القوم فى بعض الليالى، إذ صرخ الصنم صرخة عظيمة فازدحم على الأبواب، وقام الملك من على سريره وأولاده حواليه، فقال الملك لولده الأصغر: وكان اسمه غنام انظر يا بنى المنيع، ولا شك أنه وقع بنا أمر فانظر ما هذا الخبر؟، فمضى غنام ورجع وهو طائش العقل فقال: يا أبت إنه صراخ المنيع ولا شك أنه وقع أمر، فركب الملك من وقته وركب أولاده من حواليه، وسار بهم الملك حتى دخل الصنم بعد سكوته، فلما دخل عليه الملك صاح واضطرب ونطق الشيطان من جوفه ينشد ويقول: قد حل فى ساحتكم ليث بطل، ورمى شجعانكم كلا بالخيل هذا على قريب قد وصل فأدهموه بالسيوف والنبل، ثم اقطعوا منه بعزمكم الأمل فهو لكم وفى يديكم قد حصل، (قال الراوى) وكانت هتفة الصنم قبل أن يصل الإمام إلى حصن الوجيه، حين قتل المغضب وخلص السائقة (الماشية) وردها، وتعوق بعد ذلك حتى فتح الحصن، فلما سمع الملك من صنمه هذا الكلام قال: يا إلهى ويا سيدى لا وقفته بين يديك ذليلا، ثم إن الملك التفت إلى ولده ناقد، وكان أكبر أولاده فقال له: يا ناقد اسجد لإلهك فإنك لعدوه قاصد وله قائد وعن قريب تأتى به حقيرا ذليلا، فخر ناقد ساجدا للصنم فسمع عنده ضاحكا واستبشارا وفرحا وسرورا من الصنم: يا ناقد ارفع أمرك وأسرع بالاستعجال وجمع الأبطال، وتأتى به فى القيد والأغلال منكّسا فى أسوأ حال، فلما سمع ناقد قام مسرعا ووقف مع أبيه إلى منزله، فقال الملك: يا بنى إنك وافر العقل تام الفضل، وإن إلهك لا يحذر إلا من أمر عظيم، وهذا الغلام المذكور على بن أبى طالب، وأنه قد شاعت بين العرب أخباره، وقد ظهر أنه فارس صنديد وقرم (سيد) عنيد، إلا أن إلهك وعدك النصر عليه، وأخبرك أنه وحيد فريد، فامضِ إليه وخذ من تختاره من قومك وعشيرتك، وأوصيك إذا لقيته فحذّره من نارى وشوقه إلى جنتى، فإن ركن فجُد بالعفو عليه، وابسط جناح الإحسان، وإن أبى فاغتنم انفراده بأنك آمن من ناصر ينصره ومعين يعينه، ولا شك أنك تجده عند حصننا الأقصى وهو حصن الوجيه نازلا مع الرعيان.
ألف فارس لمحاربة الغلام
(قال الراوى) فعند ذلك قام ناقد على قدميه، وجعل يخترق الصفوف ويتصفح وجوه الرجال وينتخب الأبطال، واختار أن يأخذ من صناديد (الصنديد الشجاع) القوم ألف فارس، فلما لاح ضياء الفجر خرج ناقد وقومه وقد تزينوا بزينتهم المدخرة عندهم، ولبسوا فوق رؤوسهم التيجان المرصعة باليواقيت والجواهر المثمنة وركبوا الخيول العربية، وناقد بن الملك الهضام أكثر منهم زينة وله ذوائب تبلغ مؤخرة سرجه، وهو مقلد بسيفين عن يمينه وعن شماله وبيده رمح خطى، فلما تكامل أصحابه وعزموا على المسير ركب أبوه يشيعه ويوصيه ويحرضه على الإمام رضى الله عنه إلى أن بعد عن الحصن، فرجع الملك إلى حصنه وصار ناقدا وهو يجد المسير، فبينما هو سائر إذ لاحت غَبرة عظيمة فتأمّلها وقال لقومه: ما تكون هذه الغبرة العظيمة؟، فقالوا: لعل أن تكون غبرة رمال أو ظباءً شاردة أو زوابع عاقدة، فقال لهم ناقد: لو كانت كما تقولون لكانت منفرجة وهذه عقدة معنقدة، فتأمّلوها جميعا فقال بعضهم: وحق المنيع إن هو إلا جيش، وقال بعضهم غير ذلك، فتحير القوم من ذلك ووقفوا جميعا، فبينما القوم واقفون متحيرون إذا انكشف الغبار ولاحت الأسنّة (أسنة الرماح) ولمعانها وهى تبرق كالبرق وكواكبها زاهية، فذُهل القوم من ذلك ولم يعلموا أنه جيش الإمام على (رضى الله عنه)، وكان الإمام قد نظر من بعيد فقال لقومه: يا قوم ألا ترون ما أرى؟، فقالوا: يا ابن عم رسول الله ما ترى؟، قال: أرى جيشا كبيرا، فتأمل القوم فنظروا جيش ابن الملك، فقال: يا معشر المسلمين لا شك أن أصحاب الحصون قد بلغهم خبرنا، فهل منكم من يسرع إليهم فتقدم إليه جنبل بن ركيع (من الشخصيات الخيالية)، وقال له: يا مولاى أنى لكلامك سامعا ولأمرك طائعا، أؤمرنى بما تشاء وتختار فإنى وحق ابن عمك محمد لا أخالف لك أمرا، فجزاه الإمام على ذلك خيرا وقال له: أنت لها يا جنبل فأسرع إليهم، فإن كانوا من أعدائنا فلا بأس أن تخدعهم بخديعتك، وأذكر لهم أنكم ظفرتم بى وأمسكتمونى، وأنكم سائرون بى إلى الملك الهضام لتأخذوا منه الجزاء والإكرام، ثم قال له الإمام: بادر وفقك الله إلى مسيرك.
يهوى كالبرق
فمشى جنبل ابن ركيع إلى أن قرب من جيش ابن الملك الهضام، فوجدهم قد جردوا السيوف وعزموا على القتال والحرب، فنظر جنبل إليهم، وإذا هو ناقد بن الملك وكان أعرف الناس، وكان جنبل صاحب خديعة وكثير المكر والحيل، فلما عرفه وتحققه وعرف أنه ناقد بن الملك، ترجل جنبل عن جواده وأقبل يسعى على قدميه، فلما قرب من ناقد خرّ ساجدا لله تعالى، فلما نظر إليه ناقد عرفه وظن أنه ساجد إليه فقال: يا جنبل ارفع رأسك فقال: يا مولاى عبدك وابن أمتك، فقال ناقد: اركب جوادك فركب جواده، فقال له ناقد: يا بن ركيع ما وراءك؟، وما الذى بلغك من خبر هذا الغلام كثير الانتقام على بن أبى طالب؟، فقال جنبل: اسمع يا مولاى بينما نحن فى سرحنا وغنمنا على ما جرت عادتنا ونحن فى الظل مجتمعون نرتع ونلعب، إذ حضر إلينا غلام من أعلى الوادى وهو يهوى كالبرق ويهرول فى مشيه ويوسع فى خطواته، ثم اجتمع ووثب وثبة عدى النهر يثب كالأرنب ويخطو كالأسد، يقصر الليث عن وثبته فى عظم خلقته وكبر جثته، كبير الساعدين بعيد ما بين المنكبين، فتحققناه وتقربنا منه وتصايح أهل الحصن، ونزل إليه سيدنا المنتقم فنازله فى ميدان الحرب، فلم يزل به ومعه حتى تعثرت رجله فى حجر فوقع على وجهه، فترامى عليه الرجال والأبطال فأخذوه باقتدار أسيرا وملكوه، وصار فى أيديهم حقيرا ذليلا، ثم كتفناه وحملناه بعد أن جندل منا جماعة كثيرة من الرجال والشجعان والأبطال، فأجمعنا على قتله فمنعنا من ذلك سيدنا المنتقم، وأمرنا بحمله إلى الملك المكرم ليحكم فيه بما شاء ويمضى فيه ما أمره المنيع الإله الرفيع، فلم نجسر أن نسير به إلا فى عدة من الأبطال والرجال الفوارس، وهذا يا مولاى جملة أمرنا وغاية خبرنا.
الخطاف
(قال الراوى) فلما سمع ناقد ذلك ما قاله جنبل تهلل وجهه فرحا وسرورا ثم قال: وحق المنيع لقد فرحتم بهذا الغلام واستوجبتم فعلكم الإكرام، وما خرجت من مكانى لهذا الغلام الكثير الانتقام فحصل لكم بلا ملام، لكن يا جنبل أرعبنى وصفك لهذا الغلام، فعد إلى قومك وأمرهم أن يسرعوا إلينا ويقدموا بهذا الغلام علينا، فعاد جنبل راجعا، وقال: يا أبا الحسن لقد أتيتك بطير سمين، وهو ابن الملك فى ألف فارس، قال: فسار الإمام حتى وصل إلى عسكرنا، فقال ناقد: وجبت لك البشارة يا جنبل، فأين هذا الغلام المسمى عليا؟، فلم يتم كلامه حتى تقدم الإمام إلى ناقد وأسفر عن لثامه وقال له: ها أنا معدن المواهب، أنا المشهور فى المناقب، أنا على بن أبى طالب.
(قال الراوى) فلما سمع ناقد كلامه قمح جواده بالسوط وصرخ فى قومه وقال: يا قوم إن جنبلا خدعكم ولم ينجيكم من القوم إلا القتال الشديد فأقرنوا المواكب وصفوا الصفوف فنفرت الرجال للحملة، فقال الإمام لأصحابه: احملوا بارك الله فيكم وعليكم، وبقى ينظر لعلى أن يقع نظره على ناقد فيقبضه، قال: فحملت الرجال على الرجال واختلط الجمعان ووقفوا السيف بينهم، قال: فبينما الإمام ينظر ناقد، فإذا هو قد وجده حسن الوجه صغير السن، فلما نظره الإمام أشفق عليه أن يقتله، وكان لا يرحم كافرا قط غيره، فبينما الإمام وناقد حملا على بعضهما وإذا بصياح عالٍ، فإذا هو صاحب حسن الرامق ويسمى الخطاف وكان قد أرسل إليها أصحاب ناقد، وقالوا له: الحق بن الملك فإنه مع على يشد القتال، فلما أشرف عدو الله الخطاف على ناقد قال: يا مولاى ما يكون للملوك قتال، ارجع ودعنى مع هذا الغلام، ثم تقدم الخطاف إلى الإمام وهو ينشد ويقول:
مالى أرى القوم فى كرب وفى حرج قد مر بلواجمهم بالويل والكفر
وكلهم جزعوا من خوف سيف على نسل الكرام المسمى من ذوى مصر القوم قوم إله يعرفون به من الحديد ومن جزع ومن صفر
لا تركن عنا تحت ذلته حتى أطوف به فى البدو والحضر
(قال الراوى) ثم حمل عدو الله وجعل يخوض المعمعة بسيفه وقاتل فى ذلك اليوم قتالا شديدا، فبينما هو يكر على المسلمين وإذا بصوت الإمام (رضى الله عنه) وهو يقول: أنا ابن الأبرار من نسل هاشم المختار أنا ماحق الأشرار، فلما سمع عدو الله صوت الإمام ونهراته وزجراته ومهارته فى الحرب، وهو يخطف الفارس من سرجه ويضرب به الثانى فيقتل الاثنين فهابه القوم، ولم يزل السيف يعمل والدم ينزل إلى وقت العصر فافترقوا وقد ملئت عرضا الوادى بالقتلى وتراجع الفريقان فى أماكنهم، ورجع الإمام إلى عسكره يترنم ويقول شعر:
حرمة الحرب بغيتى ومرادى وطريقى إلى فنا الأوغاد
يا ابنة الطهر لو رأيت حروبى وشهودى وشدتى وجلادى
وولوج الحسام فى منهل النقع لا شفى من اللئام فؤادى
هل من مبارز؟
(قال الراوى) فاستبشر به وفرحوا وهنئوه بالسلامة، فرجعت الطائفة الأخرى إلى موضعها خاسرة، فلما أصبح الصباح تراجع الفريقان وقام الحرب والطعان، ثم قال الإمام: إن القوم أكثر منا عددا وأقرب منا ديارا، وأنى أخاف من نجدة تنجدهم فيكثر علينا الأمر ويكثر علينا الشر، وأنى أرى من الرأى أننا نبادرهم قبل أن يبادروننا، وذلك أهيب لنا فى قلوبهم وارهب فى نفوسهم، ثم قال لأصحابه: قفوا مكانكم حتى أسير بين الصفين واطلب البراز فعسى أن يخرج عدو الله الخطاف بلا تعب، فقالوا: يا سيدنا إن فى القوم أسدين أحدهما ناقد بن الملك، والآخر الخطاف فأخذوهما وقد عرفتهما بالأمس، قال الإمام: حسبنا الله ونعم الوكيل، ثم خرج الإمام منفردا بنفسه وأخذ رمحه وغير حلته، فلما تمثل بين الصفين قال الخطاف لناقد: من هذا الذى تعرض للقتال وطلب المبارزة؟، قال ناقد: هلا تعرفه؟، قال: لا، قال: هذا على ابن أبى طالب، فقال الخطاف: إنى أراك يا ناقد كثير الوصف له لعلك كثير الارتعاد منه، قال: نعم، فبينما هم كذلك إذ زحف الإمام عليهما حتى قاربهما ثم نادى: هل من مبارز؟، هل من مناجز؟، فلم يبرز إليه أحد فحمل على الميمنة فقلبها على الميسرة، وقال: ما شاء الله تعالى ورجع إلى مكانه ونادى: هل من مبارز؟، هل من رواح إلى قابض الأرواح؟، فلم يجبه أحد، فحمل على الميسرة فقلبها على الميمنة وقال: ما شاء الله ورجع صوب القلب ونادى: أين من زعم أنه كريم، فلم يتم كلامه حتى انقض عليه ناقد وهو على جواد أشقر وبيده رمح طويل حتى صار بين يدى الإمام ونادى: يا غلام الرفق بالمرء يوصله إلى مناه، فاكشف لنا عما تريد فلعل أن تكون الإجابة عندنا والأنعام، والآن قد كشفت لنا عتابك ولعمرى قد كنت متطاولا لرؤيتك، فقل ما أنت طالب وما مرادك؟، فأعجب الإمام من كلامه وقال له: مرادى أن تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإذا قلت ذلك وأقررت لله بالوحدانية فلك مالنا وعليك ما علينا، وأما صنمكم الذميم فسوف تظهر فيه العبر وأكسره أمامكم كسرة الحجر، وترجعون إلى عبادة الرحمن فتكونوا شركاء لنا وإخواننا فى الإسلام، فقال له ناقد: يا ابن أبى طالب دونك إلى أم خاطر وموت باتر، فقال له الإمام: دونك والقتال، قال فوقف ناقد يتكلم فى نفسه ويقول: وحق المنيع وزجراته لو تركناه حيا لغشنا فى منزلنا وطرقنا فى مرقدنا، ولعمرى أنى أجد فى كلامه حلاوة ولمنطقه مرارة، أنى أرغب وأخشى أن يفعل ربى الأعظم ما يشاء، فقال الإمام: يا ناقد أطلق لسانك بالوحدانية لله تعالى، وأشهد بالرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم يمحُ عنك ما سبق، قال ناقد: ما أنا بالذى يفعل ذلك ويبقى له العار والشنار (العيب).
علاء عريبى يكتب: الحصون السبعة «الحلقة الثالثة»
علاء عريبى يكتب: الحصون السبعة «الحلقة الخامسة»
علاء عريبى يكتب: الحصون السبعة «الحلقة السابعة»
علاء عريبي يكتب: الحصون السبعة «الحلقة الثامنة»
علاء عريبي يكتب: الحصون السبعة «الحلقة التاسعة»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.