روَّج البعض لعدد من المقولات بخصوص تيار الإسلام السياسى، وفى القلب منه جماعة الإخوان المسلمين، ومن بين هذه المقولات أن جماعة الإخوان المسلمين مجرد فصيل مصرى، صحيح جزء من تنظيم عالمى، لكن ولأن التنظيم الأم يوجد فى مصر، فإنه ينطلق من كونه تنظيما مصريا، يمكن أن يختلف ويتنافس مع تنظيمات أخرى، لكنه وباعتباره تنظيما مصريا فسوف يكون حريصا على أمن مصر وسيادتها. روَّجوا أيضا لمقولة أن التنظيم فى مصر يرتبط بتنظيمات الجماعة فى دول عديدة، ولكن عندما يتعرض الأمن القومى المصرى للخطر تتقدم المصرية على ما عداها من اعتبارات. تعددت أسماء ووجوه المروجين لهذه المقولات، تقدموا الصفوف وادعوا الوطنية والحكمة أيضا، ولكنهم مَن شوَّهوا القوى المدنية ووجهوا لها الاتهامات حتى يبدون موضوعيين ووطنيين أيضا. عموما جاء سقوط نظام مرسى والجماعة ليكشف بوضوح وهم هذه المقولات وخرافة ما يقول منظرى دمج تيار الإسلام السياسى، فقد بدا واضحا من سلوك الجماعة أن همها الأساسى هو السيطرة على مقاليد السلطة فى البلاد، وفى سبيل ذلك فالجماعة مستعدة لحرق مصر والمصريين، هددوا المجلس العسكرى السابق بحرق مصر فى حال عدم إعلان فوز مرشحهم فى الانتخابات الرئاسية، وعندما وصلوا إلى السلطة استخدموا أساليب الفاشية والنازية فى تعذيب المخالفين لهم فى الرأى، فعلوا ذلك فى الاتحادية فى ديسمبر من العام الماضى، وفى الغارات التى كانوا يشنونها على تجمعات القوى المدنية، وبدا واضحا كل ذلك فى ترسانة السلاح التى كان يجرى تخزينها فى مقار الحزب والجماعة. وعندما اتسع نطاق الاحتجاجات ضد مرسى وبدأ الاستعداد للخروج الكبير فى 30 يونيو، عادت الجماعة لتهدد الفريق أول عبد الفتاح السيسى بحرق مصر فى حال سقوط مرسى، قالوا له هناك جماعات مسلحة وعناصر جهادية لن ترضى عن سقوط مرسى وسوف تمارس العنف. الأخطر من كل ذلك هو أن إسقاط مرسى على يد المصريين فى الثالث من يوليو 2013 كشف شبكة العلاقات الإقليمية والدولية التى أقامتها الجماعة، شبكة تتجاوز قضية الدولة واعتبار الدين، فهذه الشبكة أقيمت على قاعدة واسعة من المصالح تضم الدول التى يحكمها فصيل تابع للجماعة (تركيا، تونس، السودان) أو للجماعة نفوذ قوى على السلطة الحاكمة وأيضا دول غير إسلامية تلاقت معها الجماعة على قاعدة المصلحة (الولاياتالمتحدة، ألمانياوفرنسا) فقد كشفت لقاءات وتحركات السفيرة الأمريكية فى القاهرة والسفير الأمريكى فى تركيا أن واشنطن تتعامل مع مرسى والجماعة باعتبارهم رصيد استراتيجى للسياسة الأمريكية فى المنطقة، وأن سقوط مرسى يمثل خسارة ضخمة لا يمكن تعويضها، وإضاعة لاستثمار هائل تم توظيفه لمصلحة وصول مرسى والجماعة للسلطة فى مصر. عملت الإدارة الأمريكية بكل قوة حتى تصف الإطاحة الشعبية بحكم مرسى على أنه انقلاب عسكرى، الأمر الذى دعا الفريق أول عبد الفتاح السيسى إلى أن يطلب من المصريين الخروج فى السادس والعشرين من يوليو، كى يثبت للعالم أن ما حدث هو ثورة شعبية. رغم ذلك لم تتوقف المحاولات ولم تنقطع الجهود، سعت السفيرة الأمريكية فى القاهرة للقاء مرسى فى محبسه، وفشلت كما فشل مساعد وزير الخارجية ويليام بيرنز فى تحقيق ذات الهدف، ونجحت ممثلة السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبى فى مقابلة مرسى، وهناك معلومات تشير إلى خطة أوروبية لتقديم الدعم المادى للجماعة كى تواصل الإنفاق على المعتصمين، أى أن الاتحاد الأوروبى وخدمة للسياسة الأمريكية مستعد لتمويل اعتصامات تشارك فيها عناصر جهادية وإرهابية، منها من هو مرتبط بتنظيم القاعدة، ومن ثم ليس مستغرَبًا أن تصدر تصريحات من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تطالب بإطلاق سراح مرسى، هكذا دون أن تطالب بتحقيق نزيه وشفاف وأن يحاكم أمام قاضيه الطبيعى، ولحق بها وزير الخارجية الفرنسى الذى أطلق ذات التصريحات. السؤال هنا ماذا كانت جريمة مبارك؟ ولماذا لم يطلب مسؤول أوروبى واحد زيارته والإفراج عنه حتى لاعتبارات السن؟ لقد ارتكب مرسى جرائم التخابر بحق البلد الذى يحمل جنسيته، وارتكب جرائم قتل متظاهرين سلميين، والتحريض على قتلهم، كما أن هناك عشرات الاتهامات الموجهة إليه والتى لا بد من التحقيق فيها، كما أن نفس الاتهامات تطول قادة جماعته، ورغم ذلك تطالب دول غربية بالإفراج الفورى عنه وعدم محاكمته، عدم تطبيق القانون عليه، وهى طلبات غير مبررة على الإطلاق وتُفهَم فقط فى إطار التحالفات التى أقامتها الجماعة مع الولاياتالمتحدة والتى تعهدت فيها الجماعة بحل معضلة إسرائيل فى المنطقة عبر منحها غالبية أراضى الضفة الغربية وتعويض الفلسطينيين بجزء من أرض سيناء (توسيع قطاع غزة جنوبا على حساب أراضينا فى سيناء) وإقامة الدولة الفلسطينية عليها، وهى قضية محورية للولايات المتحدة، وتمثل خلاصا لألمانيا من عقدة ذنب تاريخية تجاه اليهود، وتشاركها فرنسا الرؤية، فوجود مرسى والجماعة على رأس السلطة فى مصر يمثل فرصة تاريخية للدول الغربية، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة كى تعيد ترتيب شؤون المنطقة على نحو يحقق مصالح إسرائيل من ناحية ويفتح المجال أمام صفقات جديدة مع الجماعة على حساب الأوطان، وفى المقدمة مصر التى نعرفها!