لا يمكن لأحد حتى الآن أن يحدد بدقة ما هى بالضبط أهداف وأسباب قيام مجموعة من قادة وضباط الجيش التركى بالتحرك لإعلان إنقلاب عسكرى على حكم رجب طيب أردوغان فى تركيا ، وهى المحاولة التى ربما تكون الأكثر بؤسا وفشلا فى تاريخ حافل من الإنقلابات العسكرية فى تركيا خصوصا وفى العالم عموما ، ورغم تعدد وتنوع الأسباب التى قد تكون دافعا لمثل هذا التحرك فى ظل الخلافات العديدة مع سياسات أردوغان داخليا وخارجيا ، لكن المؤكد أن محاولة الإنقلاب العسكرى لم تكن أبدا تهدف لصيانة الديمقراطية فى تركيا ، والحقيقة أنه لا يمكن الرهان أبدا على حكم عسكرى يبنى نموذجا ديمقراطيا جادا ، وبنفس القدر فإنه لا يمكن أبدا إعتبار رد الفعل الذى يقوم به أردوغان وحكومته وحزبه من إجراءات شديدة التعسف والتوسع هى نوع من الحفاظ على الديمقراطية ولا صيانتها ولا حتى حفظ تماسك الدولة ومؤسساتها ، فلا يمكن أيضا الرهان على حكم دينى متشدد حتى لو اتخذ أثوابا متغيرة فى الحفاظ على ديمقراطية فى أى بلد .. وهذه هى المعادلة الصعبة ، التى لا تواجه تركيا وحدها ، بل فى الحقيقة غالبية دول المنطقة ، التى تقع بين براثن العسكريين المستبدين والدينيين الذين لا يقلون إستبدادا . (1) بالتأكيد لا يمكن لأحد أن يلوم أى نظام سياسى فى أى دولة بالعالم يسعى لمواجهة ومحاسبة ومحاكمة من تورطوا فى محاولة إنقلاب عسكرى ضده ، لكن لا يمكن أبدا لأى صاحب ضمير وبصيرة أن يعتبر ما يقوم به أردوغان من تصفية واسعة النطاق لكل من قد يعتبرهم خصوما أو معارضين له ولسياساته أو تهديدا مستقبليا يناوئ مساعيه للهيمنة الكاملة على مؤسسات الدولة التركية ، هو نوع من المحاسبة للمتورطين فى محاولة الإنقلاب الفاشلة ، فقد شملت إجراءات أردوغان كافة القطاعات والهيئات ، من توقيف وإعتقال وفصل وإحالة للتحقيقات ، ومنع من السفر ووقف الإجازات ، إلى غيرها من الإجراءات التى كانت لتكون مفهومة لو تركزت على القادة العسكريين المتورطين فى الإنقلاب وحدهم ، أو حتى بعض من أعوانهم فى بعض المؤسسات الأخرى ، لكن إمتداد ذلك لأعداد كبيرة للغاية تقدر بالآلاف ، داخل الجيش ، والقضاء ، ومؤسسات الدولة بما فيها قطاع التعليم وموظفين بالبرلمان وغيرها ، وحتى الشرطة والمخابرات اللذين كانا داعمين أساسيين لأردوغان ونظامه فى مواجهة محاولة الإنقلاب .. والحقيقة أنه لو كان صحيحا أن نصف من يلقى القبض عليهم أو تتخذ إجراءات تعسفية ضدهم الآن شاركوا فى الإنقلاب أو فى التخطيط له ، لكان مصير هذا الإنقلاب الآن مختلفا دون شك عن كونه مجرد محاولة بائسة وفاشلة لم تستمر سوى لساعات ولم تتخذ الحد الأدنى من إجراءات توفير فرص نجاح أى انقلاب عسكرى جاد . ربما هذا تحديدا ما يدفع البعض لتصور أن الإنقلاب مجرد (مسرحية) قام بها أردوغان وشركائه لتهيئة الأجواء له لتحقيق أمنياته وتصوراته ، التى تحوله إلى بطل أنقذ النظام الديمقراطى فى تركيا ، وحظى بتأييد شعبى وسياسى وإقليمى ودولى فى مواجهة هذا الإنقلاب ، وتمكنه فى الوقت ذاته من تصفية كل من يتصور أنه بؤر لمعارضيه وخصومه فى مؤسسات الدولة ، ثم تهيئ له الظرف الملائم للمزيد من الإستبداد داخليا والتغول خارجيا .. لكن متابعة تفاصيل ساعات محاولة الإنقلاب وردود الفعل الداخلية والخارجية خلالها ، تنفى بطريقة قاطعة مثل ذلك الإحتمال أن الأمر كان بترتيب وإعداد مسبق من أردوغان ، لكنها لا تنفى أبدا إحتمال قائم ومتزايد فى ظل ما يتوارد من معلومات وأنباء وتصريحات ، أن يكون أردوغان وأجهزته على علم مسبق بوجود تحرك ما داخل قطاع من الجيش التركى ، لكنه سمح بترك المجال له مع إتخاذ كل الإجراءات اللازمة لإفشاله إذا ما وقع بالفعل ، ليستفيد من ذلك سياسيا ، لا لصالح النظام الديمقراطى فى تركيا بالتأكيد ، بل لصالح رؤى وتصورات أردوغان وحزبه حول نظام الحكم وطبيعة الدولة والهيمنة على المؤسسات . وربما الطرف الوحيد الذى بدا منحازا حقا للديمقراطية ومدافعا فعلا عن الدولة التركية ورافضا بشكل مبدئى لعودة الإنقلابات العسكرية مجددا ، هو أحزاب المعارضة ، وقطاعات من الشعب التركى التى نزلت إلى الشوارع لا دفاعا عن أردوغان وحكمه ، بل حماية للديمقراطية .. وهذين الطرفين وحدهما ، هما من قد يستحقا رهانا على دورهما فى المرحلة المقبلة من صياغة المشهد التركى داخليا ودورها إقليميا ودوليا .
(2) لا يستطيع أحد أيضا أن يؤكد أو ينفى بطريقة قاطعة ومؤكدة فى الوقت الراهن حقيقة المواقف الدولية والإقليمية لكثير من الدول بخصوص محاولة الإنقلاب فى تركيا ، فقد تأخرت ردود فعل الكثير من الدول حتى بدأ يظهر أن الإنقلاب فى طريقه للفشل فتسارعت الإدانات له والتأييد لنظام أردوغان ، وجانب من هذا ربما يكون فى إطار العلم المسبق لبعض الدول وتوافر معلومات لديها بوجود إنقلاب فى تركيا ، وهو ما تتزايد التفاصيل والمعلومات عنه يوما بعد الآخر .. لكن المشهد الكاشف فى هذه الزاوية ، هو أن غالبية الدول بنت مواقفها على مصالحها بأكثر من مبادئها فى الحقيقة ، فتبلورت مواقف كل طرف وتسارعت أو تأخرت بحسب نظرتها وعلاقاتها مع نظام أردوغان .. والإستثناءات فى ذلك تبدو محدودة للغاية . آثار هذه المواقف الدولية والإقليمية ستنعكس بالتأكيد على طبيعة العلاقات التركية خلال المرحلة المقبلة ، وهى واحدة من الدول المهمة والأساسية والفاعلة فى المنطقة دون شك فى ظل تداخلاتها وتشابك أدوارها فى كثير من الملفات والقضايا ، بدءا من سوريا والعراق ، ومرورا بقضية الأكراد ، وليس إنتهاءا بعلاقة أردوغان بجماعة الإخوان وفروعها التى يعد حزبه نفسه واحدا منها حتى لو أخذ صبغة أكثر تطورا أو بمعنى أدق أكثر ملائمة للواقع التركى .. لكن ربما الإجراءات والخطوات الجارية الآن فى تركيا تحت شعار مواجهة الإنقلاب والمشاركين فيه هى أبلغ دلالة ورد على من يفرقون بين أردوغان وحزبه وبين جماعة الإخوان من حيث المنهج لا التفاصيل . فى هذا السياق ، فإن خيارات تركيا الدولية والإقليمية تبدو لاحقة على إعادة ترتيب وضعها الداخلى وما سيؤول إليه ، لكن هناك ثلاثة ملامح رئيسية تبدو واضحة من الآن .. الأول أن العلاقات الأمريكية التركية المتوترة بالأساس منذ فترة رغم شراكات وتحالفات رئيسية فيها ، إلا أنها ستمر بمرحلة أكثر توترا فى الحقيقة خلال المرحلة المقبلة، لا فقط على خلفية الموقف من عبد الله كولن المقيم فى أمريكا والذى يتهمه النظام التركى بالوقوف وراء محاولة الإنقلاب، وسواء كان ذلك صحيحا أو لا رغم نفى كولن نفسه علاقته بالأمر بل ورده بأن أردوغان نفسه قد يكون من خطط لهذا الإنقلاب، إلا أن هذه المسألة ستكون واحدة من أمور متعددة سيتحدد على أساسها مسار العلاقات الأمريكية التركية فى المرحلة المقبلة، ومن بينها مدى القدرة على الوصول لتفاهمات تقدم فيها أمريكا تنازلات لصالح الموقف التركى بخصوص سوريا وتحديدا فى قضية الأكراد.. الأمر الثانى أن التوجه التركى بخصوص العلاقات مع روسيا وإسرائيل ، والذى يبدو الآن أنه كان جزءا من تغير مهم فى السياسة الخارجية التركية يمثل فى جانب منه سعيا لإرضاء قطاعات داخل الجيش التركى أو قواه السياسية والمجتمع بشكل عام كى لا تكون شريكة أو داعمة فى حال حدوث إنقلاب عسكرى أو ما شابه ، ويبدو أن هذا الإتجاه مرشح للتزايد خلال المرحلة المقبلة ، فتركيا ستبحث عن منافذ أخرى لعلاقاتها الدولية والإقليمية غير الولاياتالمتحدة وأوروبا ولن تظل أسيرة لإرادتهم .. أما الأمر الثالث والذى يبدو حتميا ، فهو أن الدور التركى إقليميا ودوليا سيتراجع دون شك ولو نسبيا خلال المرحلة المقبلة ، فى ظل ما هو مرئى من حالة إنقسام حقيقى داخل صفوف الجيش التركى بما سيقوض قدرته على الفعل الخارجى ، وهو ما سيكون له إنعكاساته أيضا فى الداخل التركى بحكم وزن الجيش فى المعادلة السياسية الداخلية وفى ظل ما يتعرض له الآن من محاولة تحييد وهيمنة نهائية وكاملة على وقع فشل الإنقلاب الأخير ، كما أن مشاهد إعتداء بعض أنصار أردوغان على جنود بزى الجيش، والتى يجرى تبريرها من البعض بمنطق أن هؤلاء (إنقلابيين) ، رغم أنهم أنفسهم يرفضون مشاهد مماثلة من إعتداءات على مواطنين بدعوى أنهم (إرهابيين) ، لكن بعيدا عن هذه التناقضات، فإن مثل هذه المشاهد، وطبيعة التغيرات التى يجرى الإعداد لها الآن فى صفوف الجيش التركى وطبيعة دوره وقدر السيطرة والهيمنة عليه، سوف تزيد بشكل كبير من حجم الأزمات السياسية الداخلية فى تركيا، فضلا عن غيرها من القضايا المتعلقة بما يفعله أردوغان مع باقى مؤسسات الدولة، وكذلك العلاقة مع الأحزاب السياسية الأخرى، وفضلا عن هذا كله الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية فى تركيا، ومن ثم فإن الأرجح هو أن نظام أردوغان سيجد نفسه مضطرا للإنكفاء فى الداخل بأكثر من قدرته على زيادة النفوذ والتأثير والدور التركى فى الخارج. (3) فى ظل كل هذا الذى يجرى ، بدت مصر فى مواقفها الرسمية أقرب للحياد ، رغم أن مواقف إعلامها كانت أقرب للتهليل والتطبيل لصالح الإنقلاب العسكرى قبل أى تأكيد لنجاحه ، ومفهوم ضمنا طبعا مصلحة السلطة المصرية فى رحيل أردوغان عن الحكم فى تركيا ، لكن لم يكن مفهوما أبدا ألا يعلن أى موقف مصرى رسمى حتى الآن ، وبحجة عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول ، على الرغم من أهمية هذا الحدث الجلل وتأثيراته لا على تركيا فحسب بل على الإقليم والعالم فى الحقيقة .. لكن ما لم يكن مفهوما ، هو الموقف المصرى فى مجلس الأمن ، الذى أشارت أنباء وتقارير ومواقف متعددة إلى أنه عطل صدور بيان من المجلس بخصوص ما جرى فى تركيا ، ثم جاءت تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية لتزيد الطين بلة ، فأوضح أن مصر وافقت على أول بندين من مشروع البيان الذى قدمته الولاياتالمتحدة وأيدته أغلبية الدول بينما تحفظت مصر على البند الثالث الذى كان يتحدث عن (دعم الحكومة التركية المنتخبة ديمقراطيا) والمطالبة بإستبداله بنص آخر يدعو لإحترام كافة الأطراف للدستور والقوانين والديمقراطية.. ربما هذا الموقف فى جانب منه قد يحتمل الصواب من حيث أن تشمل الدعوة أردوغان ونظامه لإحترام الدستور والقانون فيما يتخذ من إجراءات ، لكن الحقيقة أن هذا موقف صرح به وأعلنه كثير من قادة وممثلى الدول نفسها التى وافقت على مشروع البيان ، وبصياغات واضحة ولهجة حاسمة فى بعض الأحيان، وبالتالى فالمؤكد أن هذا لم يكن منبع الخلاف، وكان يمكن جدا لمصر أن تطلب إضافة هذا المعنى سواء فى بيان مجلس الأمن أو فى مواقف رسمية لها بشكل منفرد لو كان هذا هو المضمون الذى تريد الإشارة له فعلا، ودون أن يعنى ذلك أبدا التحفظ على دعم الحكومة المنتخبة ديمقراطيا فى مواجهة الإنقلاب العسكرى بطريقة تمثل إدانة واضحة لمحاولة الإنقلاب.. بل وربما كانت مكاسب مصر ، من زاوية المبادئ والمصالح معا ، أكبر كثيرا فى الموافقة على مثل هذا النص ، بدلا من إثارة الإحتمالات والإلتباسات التى دفعت مجددا بعض الألسنة للحديث عن 30 يونيو بإعتباره إنقلابا ، أو تعاملت مع الموقف المصرى بإعتباره أقرب لطريقة (كيد النسا) بدلا من المواقف السياسية والدبلوماسية المعتبرة والمتزنة، التى ظلت تميز السياسة الخارجية المصرية فى كثير من المواقف فى عهود سابقة، وجعلتها واحدة من أهم المدارس الدبلوماسية إحتراما وإتساقا فى الكثير من الأحداث ، لكن الإنحدار والتدهور ومنطق الشخصنة يبدو أنه صار مهيمنا على إدارتنا للملفات الخارجية بنفس القدر من سيطرته على إدارة الأوضاع الداخلية. لا يمكن لأحد أن يدعو مصر لتحسين علاقاتها مع تركيا ونظامها الحالى أن تفاهمات وتسويات واضحة للمواقف سواء الثنائية أو الإقليمية ، فسياسات تركيا الحالية تجاه مصر وتجاه العديد من القضايا الإقليمية وبالذات سوريا ، لا يمكن القبول بها بالتأكيد .. لكن فى ذات الوقت ، إهدار فرص إتخاذ موقف يرسخ المبادئ ويضمن المصالح فى ذات الوقت ، لا يعد بأى شكل نوعا من الحصافة والذكاء فى إدارة العلاقات الخارجية ، وهو موقف لا يبدو مختلفا كثيرا عن الموقف المصرى من المشاركة فى مؤتمر للمعارضة الإيرانية مؤخرا فى باريس ، بحضور وفد برلمانى برئاسة وكيل مجلس النواب ، وبعيدا عن مدى كفاءة مثل هذا الوفد بالأساس وإدراكه لطبيعة الملف الإيرانى وتداخلاته والعلاقات معه، فإن هذا الموقف فى ذاته يبدو ملفتا ومثيرا للدهشة، ليس فقط لأنه الأول من نوعه، وإنما لأن رد الفعل المصرى تجاه أى موقف مشابه سواء من إيران أو غيرها كان سيكون عنيفا وقاسيا من حيث التصريحات السياسية والدبلوماسية ، ولأن الرد المصرى على إستدعاء إيران للقائم بالأعمال المصرى فى طهران جاء ليعلن أن الوفد لا يمثل مصر رسميا لأن مجلس النواب سلطة مستقلة، وكأن إستقلال السلطات يعنى أن وفود برلمانية لا تمثل الدولة المصرية ، بل وكأن مثل هذا الوفد كان يمكن أن يقوم بمثل هذه الخطوة دون مشاورات سابقة مع مؤسسات وأجهزة رسمية فى مصر إذا لم تكن توجيهات مباشرة منها.. لكن الأخطر، هو أن تكون مصر قد اختارت وقررت بشكل مستقل فعلا ووفقا لإرادتها المشاركة فى هذا المؤتمر لا تقديما لفروض الطاعة ولا حصولا على صكوك الرضا من الأخ الأكبر ! والسؤال هنا ، فى العلاقة مع إيران كما فى العلاقة مع تركيا ، هل لدى مصر وسلطتها السياسية تصور واضح ومحدد للعلاقة مع هاتين الدولتين، اللتين بغض النظر عن رأينا فى أنظمة حكمهما ، لا يمكن لنا إنكار حقائق أنها دول رئيسية وفاعلة ومؤثرة فى المنطقة وقضاياها، وأن العداء الدائم والمستمر معهما ليس عمليا ولا مفيدا ؟! (4) دروس المشهد التركى متعددة وفارقة ، والتعجل فى إستخلاصها الآن يبدو ساذجا فى ظل إستمرار التطورات اليومية ، وهى للأسف سذاجة لا تقل أبدا عن محاولات البعض المقارنة بينه وبين ما جرى فى 30 يونيو ، وربما عامل التشابه الوحيد كان فى الموقف الشعبى والوطنى العام الذى كان حاسما فى كلاهما ، وهو ما يؤكد مجددا أنه لا تغيير جاد إلا بحسب الموقف الشعبى .. طبعا لا يمكن إعتباره وحده حاسما ومرجحا ، لا فى مصر ولا فى تركيا ولا فى غيرهما ، فتداخل الحسابات بحسب مواقف أجهزة ومؤسسات الدولة ، والمواقف الإقليمية والدولية ، وغيرها من العوامل تصبح دون شك جزءا من الحسم ، لكن سيبقى دائما وأبدا ، أنه لا رهان على تغيير جاد وحقيقى لا يحظى بالقبول والدعم الشعبى. وربما كما يستخلص البعض آثار ما كان يمكن أن يحدث فى حال نجاح الإنقلاب العسكرى لتطبيقها على مصر ، فى محاولة ساذجة تتجاوز الفروق الجوهرية بين الحالتين ، ودون أن يعنى ذلك أبدا عدم التوقف أمام أخطاء كبيرة لا يمكن إنكارها ولا تجاهلها سواء من القوى السياسية فى مصر ، فيما بعد 30 يونيو وليس أثناءها ، أو خطايا للسلطة سواء الإنتقالية أو الحالية ، فإن عليهم أيضا التوقف لإستخلاص دروس ما كان يمكن أن يحدث لو استمر حكم الإخوان ومنهجهم فى السلطة .. وهنا يبقى الدرس الجوهرى المؤكد ، أنه لا رهان على حكم عسكرى ، ولا رهان على حكم دينى ، يمكنه أن ينجح إذا كنا جادين فى الحديث عن الديمقراطية كقيمة ومبدأ لا كمجرد وسيلة للوصول للحكم ، فكلاهما فى الحقيقة ليس الإختيار الأصح لتحقيق أهداف وأحلام الشعوب.