"أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"، صدق رسول الله صل الله عليه وسلم، نهل صحابة رسول الله العلم ونور الهداية من منبعه، فتشبعت قلوبهم بالنور، واستحقوا وصف رسولنا الكريم لهم ب«النجوم» الهادية وسط ظلام الباطل والتخبط بين شهوات الحياة، ونعرض فيما يلي جانبًا نورانيًا لأحد أعظم صحابة رسول الله وهو أبو الدرداء عويمر بن مالك الأنصاري رضي الله عنه. أسلم أبو الدرداء في غزوة بدر، وشهد غزوة أحد مع رسول الله، وكان قبل الإسلام يعمل بالتجارة إلا أنه تركها بعد الإسلام وتفرغ للعلم والعبادة وفي ذلك يقول أبو الدرداء "أسلمت مع النبى وأنا تاجر، وأردت أن تجتمع لي العبادة والتجارة فلم يجتمعا، فتركت التجارة وأقبلت على العبادة، وما يسرني اليوم أن أبيع وأشتري فأربح كل يوم ثلاثمائة دينار، حتى لو يكون حانوتي على باب المسجد، ألا إني لا أقول لكم: إن الله حرم البيع، ولكني أحب أن أكون من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله". عرف بشجاعته وإنه لا ينطق إلا بالحكمة، فلقب بحكيم الأمة، فكان من أشد الصحابة حرصًا على تحصيل العلم ومن أقواله في هذا الصدد: "لن تكون عالمًا حتى تكون متعلمًا، ولن تكون متعلمًا حتى تكون بما علمت عاملًا، إن أخوف ما أخاف إذا وقفت للحساب أن يقال لي: ما عملت فيما علمت؟، وقال: ويل للذي لا يعلم مرة، وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات"، كما عرف بزهده في الدنيا، حيث إنه عندما زاره أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في منزله لم يجد غير فراش من جلد وكساء يكاد لا يحميه من البرد، ولما تعجب أمير المؤمنين من الحال التي يعيش عليها أبو الدرداء أجابه بحديث رسول الله "ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب". ومما يروى في قصة إسلامه أنه كان لديه صنمًا في منزله وذات يوم دخل عليه عبد الله بن رواحة ومحمد بن مسلمة، فشاهدا الصنم فكسراه إلى قطع صغيرة، فبدأ أبو الدرداء يجمع القطع المتناثرة من أحجار الصنم، وهو يقول للصنم: "ويحك! هلا امتنعت ألا دافعت عن نفسك؟" فقالت زوجته أم الدرداء: "لو كان ينفع أو يدفع عن أحد لدفع عن نفسه ونفعها"، فذهب إلى النبي صل الله عليه وسلم ليعلن إسلامه بين يديه.