في كتاب "خريف الغضب" وضع الكاتب الصحفي الراحل، محمد حسنين هيكل، عدة فوارق بين الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات، لكنه فارق وحيد اعتبره جوهريًّا بين الشخصيتين، "إنه الفرق بين رئيس يقرأ حتى ما ليس هناك ضرورة لقراءته (عبد الناصر)، ورئيس لا يقرأ حتى ما تقتضي الضرورة قراءته (السادات)". في الولاياتالمتحدةالأمريكية، تقليد سائد في البيت الأبيض، بأن يقوم أحد المتحدثين باسم البيت الأبيض بإبلاغ وسائل الإعلام بقائمة الكتب التي سيقرأها الرئيس خلال العطلة الرئاسية، يسمى هذا التقليد «لائحة كتب الرئيس»، وتقوم وسائل الإعلام بفرد مساحات طويلة للنقاد لتحليل هذه الكتب، بل وتظهر دراسات ومقالات وكتب تتناول تلك الكتب، فتظهر دراسات ومقالات عناوينها مثلا «أفضل 20 كتابًا قرأها كلينتون» و«أهم الكتب التي سيقرؤها الرئيس أوباما هذا الصيف» وغيرها من العناوين التي تكشف كم ونوعية الكتب التي يقرؤها ساكن البيت الأبيض. هذه الكتب في العادة تصل إلى قائمة الأكثر مبيعًا، بعدما يلهث وراءها الناس ليعرفوا كيف يفكر رئيسهم. أوباما قال خلال أول مقابلة أجريت معه بعد انتخابه، في برنامج "60 دقيقة"، إنه يقرأ كتاب "المئة يوم الأولى للرئيس روزفلت" وهو كتاب ل"د.جين سميث"، أستاذ متقاعد في جامعة مارشال وله أكثر من عشرة كتب عن التاريخ الأمريكي، ولم تكن كتبه مشهورة للمواطن العادي. حتى قال ما قاله أوباما فقفزت مبيعات الكتاب في موقع «أمازون» لبيع الكتب على الإنترنت، وأصبح من أكثر الكتب مبيعًا. ليس هذا أمرًا متعلقًا بالرؤساء الأمريكيين وحدهم، بل يبدو أنه أمر عادي جدًّا في بلاد تبعد عنا كثيرًا. فعندما سُئل توني بلير رئيس الوزراء الأسبق لبريطانيا عن أهم الكتب التي قرأها، أبدى إعجابه بكتاب "الطريق الثالث: تجديد الديمقراطية الاجتماعية"، لأنطوني جيدنز، وكان واضحًا اعتماد توني بلير على سياسة الطريق الثالث، ومكنته بالفعل من تطوير حزب العمال البريطاني واحتفاظه برئاسة الوزراء لثلاث مرات متوالية. هل لاحظت فى ما سبق أن الصحافة والمواطنين مشغولان أولاً بالسؤال عن الذي يقرؤه الرئيس، وثانيًا بقراءة ما يقرؤه الرئيس، فلماذا؟ تحاول الإجابة على هذا الاستفهام دراسة أعدها الكاتب الصحفي الأمريكي هارولد إيفانز، وحولها بعد ذلك في عام 2004، إلى كتاب سماه "الرؤساء والقراءة" وضع فيه الكاتب معيارًا مختلفًا لتقييم 42 رئيسًا أمريكيًّا شملتهم الدراسة، المعيار كان العلاقة بين نجاح الحاكم في إدارة البلاد ومدى ميله نحو القراءة. خلصت الدراسة إلى نتيجة واحدة مفادها بأن "الحكام الناجحين هم من كانوا أكثر حرصًا ودأبًا على القراءة بمختلف أنواعها". وفي الدراسة اُتخذ بيل كلينتون كمثال أخير، يقول عنه هارولد أإنه وبرغم الفضائح التي تعرض لها في أثناء حكمه، فإن فترة رئاسته كانت من أزهى الفترات التي مرت على الولاياتالمتحدة، يقول هارولد: "السبب أن كلينتون كان قارئًا نهمًا". في هذا الكتاب سجل الكاتب عدة ملاحظات عن علاقة الرؤساء بالقراءة، منها مثلاً عدد الكتب في مكتبات الرؤساء الأمريكيين، فرصد أن أضخم مكتبة كانت من نصيب الرئيس فرانكلين روزفلت وبها 15 ألف مجلد، بينما اقتنى الرئيس توماس جيفرسون نحو 6500 كتاب، ومكتبة ميلارج فيلمور كان بها 4000 كتاب، وجورج واشنطن شكلت مكتبته ب1000 كتاب. هل هذا معناه أن الرؤساء العرب لا يقرؤون؟ دعنا نتحدث عن الشأن المصري، ولدينا خمسة رؤساء جمهورية، المؤكد الوحيد أن جمال عبد الناصر كان أكثرهم انشغالاً بالقراءة العامة، يقول الموقع الإلكتروني للرئيس جمال عبد الناصر على الإنترنت إنه "قرأ عن الثورة الفرنسية وعن روسو وفولتير وكتب مقالة بعنوان (فولتير رجل الحرية) نشرها بمجلة المدرسة. كما قرأ عن نابليون والإسكندر ويوليوس قيصر وغاندى، وقرأ ل(فيكتور هوجو) ول(شارلز ديكنز). ويضيف الموقع بأن ناصر كان "معجبًا بأشعار أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وقرأ عن سيرة النبي محمد وعن أبطال الإسلام وكذلك عن مصطفى كامل، وقرأ مسرحيات وروايات توفيق الحكيم، خصوصًا رواية عودة الروح التي تتحدث عن ضرورة ظهور زعيم للمصريين يستطيع توحيد صفوفهم ودفعهم نحو النضال في سبيل الحرية والبعث الوطني". وربما كان عبد الناصر هو أول وآخر رئيس يعرف عنه نهم القراءة، فالسادات لم يعرف عنه القراءة المتنوعة كعبد الناصر، وكان يحب أن يكتب عنه في الصحف أنه يقرأ القرآن، كونه الرئيس المؤمن للبلد المؤمن. ولم يعرف عن مبارك أنه يوما قرأ كتابًا، بل ولم يستعن يومًا في خطبه أو حتى في لقاءاته بأي مقتطفات أو اقتباسات من كتاب أو رواية، ومرسي كان قارئًا لأدبيات جماعة الإخوان كواجب عليه، ولا يعرف عنه أيضًا اطلاعه على كتب غير تلك التي كانت مقررة على الأعضاء، والسيسي أيضًا لم يُعرف عنه ميله إلى القراءة، ولم يسأله صحفي أو إعلامي يومًا عن الكتاب الذي يقرؤه، أو الذي قرأه فيما مضى. بشكل عام لا يتجه الرؤساء إلى القراءة، فقط يكتفون بالتقارير التي ترفع إليهم، هم حتى لا يقرؤون الصحف بل يقرؤون -إن اهتموا- ملخصات لما فيها، تلك الحالة من العزوف عن القراءة أسبابها كثيرة، هو إما أن هذا الرئيس لم يكن مهتمًّا بالقراءة أصلًا طوال حياته، أو أنه بالفعل مشغول بالقدر الذي لا يجعله يستطيع القراءة، لكن هناك رؤساء يلهثون وراء الكتب، إما لتعودهم على ذلك قبل الرئاسة، وإما لرغبتهم في إدارة جيدة ومختلفة، فالمهم أن يكون لدى الرئيس تنوع في القراءة، يقرأ الكتب السياسية والاقتصادية. عليه أيضًا أن يقرأ الرواية والقصة القصيرة والشعر. فالقراءة تثري الخيال، وتفتح أمام القارئ عوالم مختلفة غريبة، وجديدة، يقول الفيلسوف والروائي الإيطالي أمبرتو إيكو "مهمة الرواية هي التعليم عن طريق التسلية".