الإنشاد الديني أو الصوفي كما يلقبه البعض، أو فن المديح يعد أحد الفنون التي ظهرت مع بدايات العصر الإسلامي وذلك عندما كان أول مؤذن في الإسلام "بلال" يرفع الأذان. ويعد فن المديح من الفنون الشعبية التي ظهرت في مصر وزاد انتشاره على يد المتصوفة في عصر الدولة الفاطمية التي كانت معنية آنذاك بالاحتفال برأس السنة الهجرية وأوائل الليالى من شهر رجب وشعبان وغرة رمضان وليلة الإسراء والمعراج وغزوة بدر، وكذلك الموالد كمولد الإمام الحسين والسيدة زينب وعائشة وغيرها من الموالد التي تحتفل بها الطرق الصوفية حتى الآن ويرجع تاريخها إلى عصر الدولة الفاطمية. وظهر الإنشاد الديني مؤخرا بأسلوب شبابي يصطحبه مختلف الآلات الموسيقية، الأمر الذي زاد من شعبية الإنشاد بين أبناء المجتمع المصري ودخول فئة الشباب من الجنسين إلى مستمعي الإنشاد بعد أن تغلغل المدح في قصص الحب والعشق بين الشاب والفتاة إلى جانب قصص مدح الرسول صلى الله عليه وسلم والعشق الإلهي، فكل تلك العوامل ساعدت على انتشاره الكثيف بين أوساط الشباب وتسارع القنوات الفضائية على المنشدين خاصة في شهر رمضان المبارك. شيخ المداحين وكبير المنشدين الشيخ ياسين التهامي يؤكد أن الإنشاد الديني موروثًا شعبيا لدى أبناء المجتمع المصري، حيث تربى الكثير من أبناء المجتمع خاصة في الصعيد على فن الإنشاد والمدح، فالصعيد احتضن المنشدين في كثير من مناسباته واحتفالاته، لافتا إلى أن الإنشاد الديني بدأ ينتقل من حيز الصعيد إلى القاهرة ومحافظات الوجه البحري، خاصة في الأونة الاخيرة مرجحا السبب في سرعة انتشار الانشاد الصوفي راجعا إلى عوامل عدة منها دخول فئة الشباب على الإنشاد الديني واستخدامهم لمختلف الآلات الموسيقية بعيدًا عن الربابة والدف التي كانت هي آلة الإنشاد في البداية، فاستخدام الموسيقى والتغني بقصص حب الشباب بأسلوب يتماشى مع طبيعة الإشاد ساعد في زيادة شعبية فن الإنشاد ودخول الشباب من الجنسين إلى قائمة المستمعين. يشير شيخ المداحين فى تصريحات خاصة ل"التحرير" إلى أن شهر رمضان المبارك وما في هذه الأيام المباركة من روحانيات عالية والاقتداء بسنة النبى صلى الله عليه وسلم يجعل منه موسم رزق للمنشدين، حيث تكثر خلال شهر رمضان المبارك الليالي الرمضانية التي تستضيف المنشدين والمبتهلين، وكذلك تزداد الحضرات وجلسات الذكر في المساجد عقب صلاة التراويح، وأيضا تقام مختلف الأناشيد في الأماكن العامة من قبل المنشدين وفرقة الإنشاد الموسيقية إلى جانب ظهور الكثير من الفرق والمنشدين والمبتهلين على مختلف القنوات الفضائية في برامج عدة وغيرها من العوامل التي تجعل من الشهر المبارك موسم رزق وخير على المنشدين كما هو الحال بالنسبة لجموع المسلمين في شتى بقاع الأرض. يضيف التهامى الأب أن الكثير من الشخصيات العامة تحب أن تقيم مختلف السهرات الرمضانية بفرق الانشاد الدينى، نظرًا لطبيعة فن الإنشاد التي تتوافق مع قداسة وحرمة الشهر المبارك فجموع المسلمين في الشهر الكريم تحب أن تستمع إلى الإنشاد الديني خلال المجالس الرمضانية، الأمر الذي يجعل من فن المديح الفن الوحيد الذي ينال المحبة والإعجاب من الصائمين في شهر رمضان كذلك يعد رمضان المبارك فرصة للتعارف بين شباب المنشدين، وهم كثرة مع جمهور الشعب وذلك من خلال الأستماع والحضور اليهم في مختلف المجالس والحضرات والليالى الرمضانية خاصة وأن الشعب المصري يميل ويكثر من السهر وجلسات الأحتفالات في شهر رمضان المبارك. وحول تأثير استخدام شباب المنشدين للالات الموسيقية واجتذاب الشباب على مستقبل كبار الإنشاد الصوفي، يشير التهامي إلى أن كبار المنشدين يحبون من داخلهم تغلغل هؤلاء الشباب في الوسط، وأن مستقبلنا بيد الله جميعا وأن تطور شباب المنشدين في الإنشاد لا يهدد عرشنا وإنما يدخل الشباب إلى فئة المحبون للإنشاد الصوفي. من جهته، يقول التهامى الابن الشيخ محمود ياسين نقيب المنشدين، إن شهر رمضان المبارك يعد من الأشهر الوحيدة التي تحرص فيه أغلب القنوات الفضائية خصوصا المشهورة منها على استضافة المنشدين في برامجهم رغبة منهم في تقديم سهرة دينية تليق بروحانيات الشهر الكريم، الأمر الذي يجلب في طياته الكثير من المنافع للمنشدين وفرق الإنشاد وكذلك المبتهلين من شهرة عالية من خلال ظهورهم على التليفزيون كذلك جلب الأموال من خلال المشاركة في البرامج. ويوضح نقيب المنشدين، في تصريحات ل"التحرير"، أن هناك الكثير من العقبات التي تحاط بالمنشدين، وأن الإنشاد يحتاج إلى كثير من الدعم المعنوي والمادي، وأن النقابة تقدم العديد من الخدمات إلى المنشدين منها توفير كافة البيانات عن المنشد، الأمر الذي يساعد على توفير فرص عمل لهم وذلك من خلال قيام النقابة بالحجز لهم في مناسبات عدة، وذلك عن طريق اتصال صاحب الحفل أو الحضرة أو معدين البرامج بالنقابة، على عكس قبل إنشاء النقابة كان الأمر صعب بالنسبة لراغبي أقامة حفل بالإنشاد الديني كان يجد صعوبة بالغة في الحصول على رقم المنشد أو عنوانه وإنما الآن تقوم النقابة بتلقى الاتصالات وتبليغ المنشدين بالحفلات. وأردف التهامي أن النقابة تسعى بشكل مستمر إلى تطوير فن الإنشاد الديني من خلال مدرسة الإنشاد التي تنتمى للنقابة وتقدم لشباب المنشدين دروس الإنشاد الصحيح ونرحب بجميع الفرق السورية للانضمام إلينا. وعن أسعار حضرات وحفلات المنشدين ولقاءاتهم التلفزيونية في رمضان يصرح التهامي بأن شهر رمضان تختلف فيه الأسعار، فمن حيث الحضرة يصل سعرها بالنسبة للطرق الصوفية 700 جنيه أما خارج الصوفية يصل سعرها إلى ألف جنيه، أما السهرة الرمضانية فتختلف على حسب صاحب الدعوة فقد يكون شخصية عامة ويريد منشد معروف ففي هذه الحالة يصل سعرها من خمسة إلى عشرة وتصل إلى عشرون ألف جنيه في بعض الحالات، وفيما يخص احتفالات الأوبرا فتكون بالتذكرة وسعر التذكرة 50 جنيه، أما التليفزيون فيختلف على حسب القناة والبرنامج وغالبا تصل إلى عشرة آلاف جنيه. من جانبه، يؤكد المنشد على الهلباوي أن الإنشاد الديني موهبة من قبل الله، وأن فن الإنشاد الصوفى أصبح ينال قبولا كثيرًا عند البعض خاصة من فئة الشباب من الجنسين على عكس السنوات الماضية التي صاحبت ظهور فن الإنشاد، حيث كان الأمر قاصرا على جيل الآباء وذلك لأنهم كمنشدين قاموا بتطوير أنفسهم وفن الإنشاد بإدخال جميع الآلات الموسيقية الحديثة. وحول مستقبل المنشدين خلال شهر رمضان في صعيد مصر، يشير المنشد الشاب شيبة الحمد والملقب ب"بلبل الصعيد" إلى أن شهر رمضان الكريم خصوصا في هذا العام بعد هدوء البلاد من أكثر مصادر رزق وكسب المنشدين للاموال والشهرة.