- مناورة سياسية لتفزيع الغرب وإجبار واشنطن على تخفيف ضربات تحالفها على معاقل التنظيم بالعراق وسوريا - محاولة أخيرة لتخويف تل أبيب وإجبارها على التراجع وعدم السماح بمخالفة «كامب ديفيد» مجددًا بشأن الوضع الأمنى بسيناء ليس سرًا أن الضربات المكثفة للجيش فى سيناء قد أجهزت إلى حد بعيد على القوة الفاعلة لتنظيم داعش الإرهابى هناك، ومن ثم تصل علامات الاستغراب مداها الأقصى، مع إصرار الأبواق الإعلامية والدعائية لدولة أبو بكر البغدادى الإسلامية المزعومة، على بث دعوات حشد لتقوية ودعم رجالها وما تبقى من مقاتليها بشبه الجزيرة.. فى الأسابيع الثلاثة الماضية فقط، تم بث ما يزيد على دستة فيديوهات مصورة لحكام وولاه يزعمون الانتماء لداعش فى بقاع شتى من الأرض، تحرض فى مجملها ضد الدولة المصرية، وسلطة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتصف الجميع على أرض الكنانة بالمرتدين وأعوان اليهود والصليبيين، وبمستحقى القتل والسحل والصلب، والأهم أنها تدعو أنصار الدواعش حول العالم إلى مد يد العون للمقاتلين بسيناء.. بالطبع هناك أسباب منطقية، وفق مراقبين، لمثل تلك الدعوات، لعل أبرزها التغطية على الخسائر المتسارعة للتنظيم فى معاقله الأساسية والحصينة بالعراق وسوريا، فضلًا عن احتمالية استخدام الفيديوهات لرفع المعنويات ومحاولة تجنيد مزيد من المصريين استغلالًا للأوضاع السياسية والاقتصادية المتراجعة فى البلاد فى الوقت الراهن، أو من أجل تدشين إشارة بدء لتحرك استراتيجى جديد للدواعش بشمال إفريقيا انطلاقًا من سيناء كممر للعبور.. بيد أن المعنيين بالقصة، سواء على مستوى الأمن المصرى، ناهيك بالفصائل والدول المرابطة على الحدود مع سيناء كحماس وإسرائيل، قد تعاملوا مع تلك الفيديوهات بجدية كبيرة للغاية.. الجيش المصرى كان قد شدد من ضرباته الموجعة لعناصر التنظيم بسيناء، بالتزامن مع حملات أمنية واسعة شنتها حركة حماس بغزة التى تسيطر عليها منذ العام 2007، لضرب حلقات الوصل وعرابى تهريب المقاتلين السلفيين والجهاديين من القطاع إلى شبه الجزيرة، كما لا تترد الحركة فى إبلاغ الجهات السيادية المصرية عن أى تسلل لأى عنصر تفشل هى فى إعاقته قبل العبور لأرض الفيروز، كما حدث مؤخرًا فى حالة قيادى كتائب عز الدين القسام السابق والمكنى ب«أبو شاويش».. الحركة الفلسطينية تضرب بذلك أكثر من حجر، منها التأكيد على فتح صفحة جديدة مع القاهرة وسلطة الرئيس السيسى، فى أعقاب التفاهمات التى كانت قد تمت بينها وبين المخابرات المصرية قبل أشهر قليلة، ومن جهة أخرى تسكين القوى والعناصر الجهادية النشطة فى القطاع، حتى لا يورطونها فى حرب مثلًا مع إسرائيل بصاروخ طائش هنا أو هناك.. بدورها تتعامل تل أبيب مع التهديدات الداعشية لإعادة تفجير الأوضاع بسيناء بتوتر أمنى شديد ومعتاد، وعليها تحرك وحداتها العسكرية وفرقها المعلوماتية بنشاط على الحدود المصرية لاستطلاع الأمور.. غير أن الأوقع فى قصة الفيديوهات الجاهرة بإعادة استيطان سيناء داعشيًا فى أعقاب الخسائر الفادحة التى تكبدها أتباع البغدادى هناك، أن الأمر لا يتعدى مساحات المناورة السياسية، فيما أن المقصود هو الغرب بصفة عامة والولايات المتحدةالأمريكية بصفة خاصة، وليست مصر على وجه التحديد.. التنظيم يلقى برهانه هذه المرة ليس فقط على تهديد شمال المتوسط وغرب الأطلسى بخلاياه النائمة وانتحارييه المتسربيين مع موجات المهاجرين المتدفقة وحسب، ولكنه يزيد على ذلك بتوجيه بصلته ولو بشكل استعراضى فقط صوب الابنة المدللة لواشنطن وحلفائها بالقارة العجوز.. يراهن على أن تل أبيب لن تصمت على أى تهديد يوجه إليها.. فوبيا الأمن تسبق أى شيء على أراضيها.. ومن ثم يمنى الدواعش أنفسهم أن يستثمروا حالة الهلع الإسرائيلية خوفًا من هجماتهم، فى إجبار التحالف الأمريكى على تهدئة ضرباته ضد معاقل الدولة الإسلامية فى سوريا والعراق، وفى دفع الدولة الدولة العبرية على التراجع عن موافقتها السابقة على التوغل العسكرى للجيش المصرى فى مناطق متقدمة من سيناء بالعتاد والأسلحة الثقيلة والجوية، بالمخالفة لاتفاقية كامب ديفيد تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وعليه يمكن لأتباع البغدادى أن يلتقطوا أنفسهم مجددا.. فى تلك اللحظة، ورغم تواصل مواجهات الدم لداعش فى بقاع شتى من العالم، إلا أن التنظيم يلعب ايضًا سياسة، وينتهج المناورة، بل وبات يلجأ إلى فزاعة حيوية للغاية، هى إسرائيل.. ذلك هو حل فزورة استنهاض الجهاد العالمى من جانب داعش صوب سيناء، رغم أن تفاعلات الأرضى تكشف بجلاء أنها قد ضاقت عليهم كثيرة فى الفترة الماضية، إلا من بعض الضربات الطائشة لفلول التنظيم وخلاياه المستترة..