كتب -علاء عزمي: دخول إيران ومليشياتها الشيعية على خط تحرير الفلوجة بالعراق و"تطييف المعارك" يولد حالة ثأرية لدى الكوادر الأصغر بدولة الخلافة المزعومة - رجال البغدادي لن يتركوا المدينة إلا وهي «خرابة» على طريقة هتلر للتشكيك في أي انتصار عسكري عليهم - مواجهة داعش يجب ألا يتخللها أي هدر لحقوق المدنيين أو دولة القانون تجنبًا لتأسيس دولة انتحاريين جديدة عمليًا تدور الآن عجلة تصنيع جيل جديد أو ثانٍ من الدواعش المحملين برغابات عارمة في الثأرية. ما يجري حاليًا في العراق على وجه التحديد، من جهود مجابهة عناصر تنظيم دولة الخلافة المزعومة، على يد القوات المسلحة الوطنية المدعومة ببعض الغطاءات الجوية من قبل التحالف الدولي الأمريكي، والأهم بمشاركة فعالة من جانب ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية، إنما هو أقرب لعملية إجهاز مُحكمة على الجيل الأول من مقاتلي التنظيم الدموي، ولكن بتبعات مكلفة للغاية. للقصة وجوه أخرى معتمة، تتجاوز أحاسيس النشوة بقهر تنظيم الفزع والترويع، لعل أسوأها ما يرتبط بارتكاب جرائم تشفي وتنكيل وانتهاكات مريعة لحقوق الإنسان، حسب مراقبين محليين ودوليين، من جانب الفصيل الشيعي المقاتل، سواء تجاه سكان المدن السنية المحررة أو تلك التي في طريقها للخلاص، أو في حق عناصر التنظيم الداعشي. أنباء متواترة خلال اليومين الماضيين، على هامش العملية الضخمة الدائرة لتحرير مدينة الفالوجة الاستراتيجية بالنسبة لداعش، تتحدث عن أن الحشد الشعبي غير أمين بالمرة في مسالة إدخال المساعدات الإنسانية للقرى والمناطق المحاصرة جنود الخلافة، ناهيك بمخاوف استخدامه أسلحة بيولوجية في المواجهات لتحقيق انتصار حاسم في المعركة، على أن يلصق برجال الدولة الإسلامية مسؤولية إنزال تلك الوسيلة المحرمة إلى ساحة المواجهة.. في البدء كان الاتفاق على حصر دور ميليشيات الحشد الشعبي في حصار مدينة الفالوجة فقط، غير أن الأمر تطور على الأرض لتصبح مشاركتها في الأعمال القتالية علانية، لتلحق بعشرات المدنيين أضرار كثيرة من قبلهم، وسط أحاديث عن إقدام مسؤولي الفصيل الشيعي المسلح على إعدام البعض دون محاكمات أو خارج مظلة القضاء ودولة القانون، فضلًا عن سلب ونهب ممتلكات بعض السكان والتعدي على مساجد سنية واستهداف مصالح حكومية حيوية بهجمات تخريبية متعمدة.. تطييف وتسييس معارك تحرير الأرض من قبضة داعش بالعراق تصاعد على نحو كبير.. الحشد الشعبي يصدر ذلك علنًا في معاركه ضد داعش، بيد أن فصائل على شاكلته تنفذ الهدف نفسه، لكن من الباطن.. عناصر فيلق بدر وحزب الله العراقي المدعومون من طهران صراحة، ارتدوا ملابس الجيش النظامي ليشاركوا في معظم معارك تحرير محافظة الأنبار وصولًا إلى مدينتها الحصينة الأكبر، الفلوجة.. بدورهم يجد الدواعش في تلك التصرفات ذرائع جديدة على يقينية فقه التكفير والتفزيع الرهيب، الذي يمارسونه ضد كل من يخالفهم الرأي ويضن عليهم بالطاعة من جهة، ومن جهة أخرى ضد الشيعة على وجه الخصوص.. من أدبيات واستراتيجيات فقه الدولة الإسلامية المزعومة، وعلى عكس تنظيم القاعدة مثلُا، يصنف الدواعش الشيعة في مقدمة المستهدفين بالنحر من جانبهم، باعتبار أن "الصفويين والروافد ومظلتهم إيران الملالي"، أشد خطرًا على الإسلام حتى من الصهاينة والأمريكان.. صانع السياسة والأمن في طهران يعي ذلك تمامًا.. بيد أن سياسة الأذرع التي تخترق بها دولة الفقيه، بل وتسيطر بها على مشهد التفاعلات العامة في عدد من دول المشرق العربي، وعلى رأسها العراق، تصر على تطييف المواجهة مع الدواعش، وهو ما يتكرر كذلك في سوريا واليمن، ليتم استخدام ذلك في ما بعد كورقة ضغط على النظم السنية بالمنطقة، تحت ذريعة أن بلاد النيروز لها أيد بيضاء في تخليصها من كابوس البغدادي ورجاله.. معارك النفوذ الخسيسة تتواصل على حساب الشعوب، ومن ثم فتبعاتها تكون على الدوام فادحة.. في الفلوجة، تبدو النتائج مفزعة، صحيح تسير عملية تحرير المدينة نحو خاتمة النجاح، إلا أن الأمور بطيئة ومكلفة للغاية لعدة اعتبارات.. أولها، تشبث الدواعش وهم قلة للغاية، يقال أن عددهم بالمئات فقط، بالأرض في المعارك، متسلحين بفتاوى شرعية تبيح الاستشهادية ضد الصفويين الشيعة وحلفائهم من السنة الخونة/ الجيش العراقي الوطني في تلك الحالة.. وثانيها انتهاجهم أساليب قتالية مفاجئة ومربكة، كتحزيم المدينة بأنفاق طويلة دقيقة لإعاقة تقدم القوات المغيرة، مع انتهاج سياسة هتلرية شهيرة بتفجير الأخضر واليابس والمصالح المدنية والجسورومحطات المياه والكهرباء وخطوط المواصلات وما شابه لإعاقة أي محاولات اختراق عسكرية، مع عمليات شديدة الدموية تقودها فرق الانتحاريين، بما يمنح إحساس، من منظور خادع في الأغلب، أن المتحكم في الأرض هم رجال البغدادي.. بل وحتى في أعقاب السقوط الوشيك للفلوجة في يد الجيش العراقي وحلفائه من الحشد الشعبي، ستبدو المدينة خرابًا لدرجة قد تشكك في الانتصار العسكري الكبير على الدواعش والذي يوشك على التحقق فعليًا.. المحصلة الفادحة، أن التخلص من عناصر داعش في الفلوجة لن يكون نهاية المطاف، إذ أن دخول السياسة عبر حسابات طهران المستترة، والطائفية من خلال تصرفات الميليشيات الشيعية المشينة، في حال إن صحت، سيولد شعورًا رهيبًا بالثارية في نفوس الأجيال الثانية الأصغر أو الجديدة ضمن صفوف الدولة الإسلامية، أو حتى بين المتعاطفين معها في شتى بقاع الأرض، ما يعني آلاف الانتحاريين وكوادرالخلايا النائمة تحت الطلب، وبعضهم بات يملك خبرات قتالية كبيرة، سيكونون تحت الطلب ورهن الإشارة لأي دعوة دموية عمياء.. حرب داعش، لا بد ألا ترتكب نفس أخطاء المعارك التي دارت ضد جماعات جهادية مسلحة سابقة، أي أن الحلول العسكرية يجب أن يغلفها التزام تام بعدم خرق المعايير الإنسانية الدولية، ومن ثم لا تتولد أي رغبات بالانتقام لدى فصائل أو افراد، والأهم ألا تخترق تلك الحلول سياسات التطييف والمصالح الانتهازية، فساعتها لن يتم القضاء فعليًا على أخطار الإرهاب، وإنما وبدون أية مبالغة سيتم تغذيته والنفخ في تأثيره..