الهوس الطائفى يبدو واضحاً إلى حد كبير فى التفاعلات القتالية التى تشهدها مدينة الفلوجة حالياً. الأخبار المتداولة عبر وسائل الإعلام تقول إن قوات الجيش العراقى تقوم الآن بتحرير وتطهير المدينة من عناصر تنظيم «داعش «الإرهابى»، لكن هل تتوقف المسألة عند هذا الحد؟ المعلومات الآتية من هناك لا تمنحنا القدرة على الحكم على الأمر، وإن كانت صور النازحين السنّة من هناك، والأخبار التى تتواتر عن قيام ميليشيا الحشد الشعبى باختطاف الشبان والرجال من النازحين، بهدف تصفيتهم، تؤشر إلى ما يمكن أن نصفه ب«حملة تطهير عرقى». الأرجح أن ما تشهده الفلوجة هو حرب ميليشيات لا علاقة للجيوش النظامية بها، والحديث عن قوات الجيش العراقى ما هو إلا محاولة للتمويه على واقع يعلمه الجميع حول الأوضاع التى شهدها العراق بعد الغزو الأنجلوأمريكى له عام 2003. فثمة مواجهة بين ميليشيا الحشد العشبى الشيعية، وميليشيا «داعش» السنية. وما تنقله وسائل الإعلام من هناك يؤشر إلى تقدم الميليشيا الشيعية، وأن وضعها أفضل على الأرض، لكننا لا نستطيع الرهان على ذلك خلال الأيام المقبلة، فمن الممكن أن تتبدل الأوضاع على الأرض، لسببين أساسيين. أول هذه الأسباب الدعم الإيرانى ل«الحشد الشعبى»، فالكل يعلم أن هذه الميليشيا تعمل من وراء ستار إيرانى، وأنها تخوض المعركة لحساب إيران. هذا الأمر لن يُرضى بعض الأطراف التى قد تكون فى عداوة مع تنظيم داعش وترغب فى التخلص منه، لكنها فى الوقت نفسه تخشى التمدد الإيرانى فى المنطقة، وخصوصاً داخل سوريا واليمن والعراق. من المحتمل أن تتدخل هذه الأطراف لتعيد تشكيل المشهد على الأرض، وعدم تمكين إيران من التمدد إلى أرض جديدة. وربما قدّم لنا هذا الأمر تفسيراً لاستمرار تنظيم «داعش» حتى الآن، وعدم حلحلته من فوق الأراضى التى استولى عليها، بل وعودته فى بعض الأحوال إلى الأراضى التى يتم طرده منها! ثانى الأسباب الطبيعة الطائفية للحرب المندلعة فى الفلوجة. فأداء ميليشيات الحشد الشعبى تؤشر إلى أننا لسنا بصدد حرب تحرير أرض من سيطرة تنظيم بل بصدد حرب انتقامية، ولجوء تنظيم «داعش» إلى الرد على هجمات «الحشد» بعمليات انتحارية فى تجمعات الشيعة ببغداد وغيرها يؤكد أيضاً حضور فكرة الانتقام، وليس مجرد الرد. ولا خلاف على أن الممارسات غير المسئولة التى تقع من جانب الحشد الشعبى ضد سُنّة الفلوجة، دون تفرقة بين داعشى ومواطن عادى، تصب المزيد من الزيت على الفتنة المذهبية المشتعلة، وتمنح إرهاب داعش قدراً من الوجاهة أمام أهالى الفلوجة العاديين، خصوصاً أن المدينة تتمتع بأكثرية سكانية تنتمى إلى المذهب السنى، وإذا كان أهلها قد ضاقوا بتنظيم «داعش» فإن خشيتهم مما ينتظرهم على يد «الحشد الشعبى» أكبر، وهو الأمر الذى قد يسهم فى تعديل الموقف على أرض المدينة، رغم ما حققته ميليشيا الحشد الشعبى من انتصارات. كذلك الحروب المذهبية، وكذا طبعها دائماً، لا يوجد فيها منتصر ومهزوم، فكل الأطراف المنخرطة فيها تخسر، ولا ينتصر سوى من يقف وراءها ويريد حرق البلاد والمدن بأيدى أهلها!.