كما تصارع الأجداد عبر مجموعة من الميليشيات المسلحة، يتصارع الأحفاد من السنة والشيعة اليوم باستخدام نفس الأداة. وقد أصبح ما يبذل من مال ومساعدات متنوعة لهذه الميليشيات والجماعات من الأطراف الداعمة لها يتفوق كثيراً على ما يتم إنفاقه على الجيوش. فى العراق يدعم الكثيرون تنظيم «داعش»، سواء على مستوى بعض الدول الخليجية، أو على المستوى الأمريكى. قد يبدو هذا الكلام مرسلاً ولا دليل عليه، لكن القدرات التى يتمتع بها تنظيم «داعش» على الأرض تؤكد أن وراءه من يدعمه بالكثير، ومؤكد أن ثمة أهدافاً مشتركة يمكن أن تتجمع عليها بعض دول الخليج مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، من أجل تنمية وتقوية «غول داعش» بهدف توظيفه فى مواجهة «الغول الإيرانى». الخليج يخشى من التمدد الإيرانى، وتخشى الكثير من أنظمته السنية أن تمتد نيران الطائفية إلى أطرافها التى تحتشد بشيعة -على ساحل الخليج العربى- يعتبرون «إيران» قبلتهم الأولى، الأمر الذى قد يهدد بإرباك الأوضاع داخلها. والخوف من تصدير الزخم الإيرانى إلى الخليج يعود بجذوره إلى عام 1979، عندما نجح «الخمينى» فى الإطاحة بشاه إيران «محمد رضا بهلوى»، وأسس لحكم الأئمة فى إيران، وكانت الحرب العراقية - الإيرانية فصلاً من فصول الصراع الذى نشب بين الطرفين السنى والشيعى منذ هذا التاريخ. الدعم الخليجى ل«داعش» يبدو طبيعياً فى ظل التمدد الإيرانى، ورغم أننى أنتقل بك سريعاً من الخليج إلى القاهرة، فإنه قد يكون من المفيد فى هذا السياق أن أذكرك بأن شيخ الأزهر -إمام أهل السنة- رفض تكفير تنظيم «داعش»!. ودعنى أزيدك من الشعر بيتاً وأقول لك أن دعم الخليج لتنظيم «القاعدة» أمر وارد أيضاً وبشكل كبير، لا بل قل إن هذا الدعم قد بدأت علاماته تلوح فى الأفق، ولعلك تابعت الخبر الذى ركزت عليه الكثير من وسائل الإعلام مؤخراً حول مقتل عدد من الحوثيين فى اشتباكات مسلحة مع بعض أبناء القبائل اليمنية المدعومين من تنظيم «القاعدة». ومن الوارد أن تشهد الأيام المقبلة تمدداً فى هذه المواجهات التى لا يستطيع أحد أن ينفى أن المملكة العربية السعودية تنحاز فيها إلى الطرف المضاد للحوثيين. والأمريكان من جهتهم يرون فى «داعش» حلاً عبقرياً لأزمتهم مع الإرهاب الذى دق بابهم بقوة عام 2001، على يد تنظيم القاعدة. ف«داعش» تنظيم محلى الصنع ومحلى الرؤية، وأداؤه على الأرض يؤشر إلى أنه لا يضع الغرب فى حسبانه، على الأقل فى الفترة الحالية. وإليه ينزح الإرهابيون من كل حدب وصوب، بما فى ذلك الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول أوربا. بذمتك هل يريد الغرب أكثر من ذلك، أن يهرع الإرهابيون من هناك إلى هنا، بمن فيهم تنظيم القاعدة الذى سيغرق هو الآخر فى مستنقع الحرب الطائفية؟ إن المشهد الحالى يقبع وراءه المهندس «الأمريكى» الذى تمكن أخيراً من إعادة الإرهاب إلى دول المنشأ أو المصدر، وجمع الإرهابيين من شتى أنحاء العالم فى بؤرة جغرافية واحدة، متلمساً شعار «بضاعتكم ردت إليكم»!