يوم الجمعة كنت فى إسكندرية مع صديقى. قبلها بليلة سألت صديق إسكندرانى: هو الترام بيشتغل الساعة كام؟ قال لى: من خمسة ونص. أقنعت أيمن، رغم أن الوقت متأخر، أننا نصحى الساعة 6 وناخد الترام من محطة الرمل (مكان إقامتنا) لحد آخره رايح جى، نستمتع بالهوا ونتفرج على بطن إسكندرية والجو رايق والناس نايمة يوم الإجازة. الساعة ستة ونص كنا فى المحطة، ماكانش فيه غيرنا. ركبنا وابتدت رحلة من المتعة، كان الواحد بيتأمل عمارات الإسكندرية القديمة وبلكوناتها وشبابيكها، ونوع الناس اللى بتطل منه فى الوقت ده، ست كبيرة بتنشر قميص وبتسرق مشبك من قميص تانى متنشر قررت إنه كفاية عليه مشبك واحد، الراجل الكبير اللى بيشرب شاى الاصطباحة من البراد ومولع سيجارة، حتى القهاوى الصغيرة اللى فاتحة كان منظر الرجالة الكبيرة اللى قاعدة عليها بتشرب الشاى بحليب أو القهوة ومستخبيين ورا جرنال "الأهرام" كان منظر ملهم. ما استمرش الوضع كتير. بعد كام محظة ظهرت عمارات التسعينيات القبيحة، وبعد محطتين عمارات الألفية الجديدة البشعة، ابتدت الحلاوة تروح وتظهر الزبالة اللى بايته من ليلة الخميس ولسه ماحدش جمعها، مع تلوثات بصرية عظيمة. قلت لصاحبى كده تمام.. كفاية علشان ما نقفلش اليوم، هاننزل نتمشى على البحر ولما نتعب ناخد تاكسى. خرمنا لحد البحر. لكن فين البحر؟ بحر إسكندرية مش موجود.. على مدى نص ساعة ماشي ماشوفتش غير ترع صغيرة .. حواجز خرسانة فى قلب المية قدام كل بلاج حاجزة الموج وسايبه منفذ تدخل منه ميه عاملة بركة المية فيها نايمة، المشهد الوحيد اللى كان لافت راجل معاه كلبين كبار شكلهم حلو كانوا بيعوموا وهو قاعد يلاعبهم على الصخر. قلت لصاحبى: إسكندرية اللى نعرفها ماجتش النهارده.. الواحد فاكر إنه لحد قريب إنه كان بيبتسم لا إراديا أول ما يعدى الكيلو 50 فى طريق إسكندرية الصحراوى.. السعادة كانت بتنزل على الواحد بدرى.. لكن المرة دى كان الواحد بيسأل نفسه إيه اللى حصل؟ وقفنا تاكسى.. عربية لادا قديمة شبه معظم تاكسيات إسكندرية. كنا جُعنا وطلبنا من الراجل ينزلنا عند محمد أحمد نفطر. وصلنا وكان تقديرى للمشوار عشرة خمستاشر جنيه، يعنى من بعد ستانلى لمحطة االرمل.. طلعت للراجل عشرين. سواق التاكسى فوق الخمسين نحيف وأسمرانى وعيونه خضرة وعصبى.. رفض المبلغ و قال لى عايز 35 جنيه. قلت مستحيل إنت كده بتشتغلنى. قال هو كده.. قلت له مش هادفع. قال لى نروح القسم. كان التهديد مستفز.. إما الدفع أو أوديك القسم. قلت له يلّا بينا. أول مرة أعرف إن فيه نقطة شرطة فى محطة الرمل. نزلنا ودخلنا وصاحبى مش مصدق إنى باعمل فيه كده.. قلت له: نفسى فى حد يقول لى إنت غلطان والمشوار يستاهل كده بس مش لاقى حد فى الشارع.. مافيش غير النقطة. مش موضوع فلوس.. الواحد طول الوقت بيدفع لخدمات ماتستاهلش ربع اللى بتاخده، إنترنت وموبايل ومطاعم. لكن التثبيت باستخدام تهديد القسم وإصرار الراجل على مقابل مش منطقى كان غريبا وكان الواحد عايز يعرف الراجل بيعمل كده ليه؟ أمين الشرطة كان لوحده فى النقطة وقاعد فاتح المصحف. سلامو عليكو.. حضرتك المشوار الفلانى يستاهل كام أجرة؟ قال أمين الشرطة: 10 جنيه. بصيت للسواق لقيته مصرّ على موقفه عايز 35. مش هاخد غير 35. لا حول ولا قوة إلا بالله. ابتسم أمين الشرطة. أمين الشرطة قالى لو سمحت إنت وصاحبك برة دقيقة. وقفنا قدام الباب. كان واضح إن الأمين بيقول له بالراحة. بعدين ندهلى وقال لى إدى له خمسة وعشرين. قلت له: لا أنا هاديله الخمسة وتلاتين بس بمزاجى المرة دى. إديته ورقة ب100 جنيه قال مش معايا فكة والناس قافلة كلها. قلت له طيب نزلنا عند محمد أحمد ونفك لك هناك. فى السكة كان صامت وسرحان ومابصش ناحيتنا. فكّينا.. وخرجنا له وهو بياخد الفلوس لقينا دموعه على خده. حصل ارتباك شبه اللى شوفته فى إسكندرية كلها من ساعة ما صحيت. قبل ما حد يتكلم كان الراجل جرى بعربيته. لمينا شنطنا أنا وأيمن واتحركنا على القاهرة فى ساعتها.