تحل اليوم الاثنين، الذكرى ال100 لاتفاقية "سايكس -بيكو"، و التي كانت تهدف إلى تقسيم المنطقة العربية لتسهيل إحتلالها من قبل الدول العظمى . ففي مثل هذا اليوم من عام 1916، وقعت كل من فرنسا و بريطانيا اتفاقًا سريًا بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنساوبريطانيا، لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الدولة العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة، في الحرب العالمية الأولى. وأكد الكاتب البريطاني الكاتب "ديفيد بلير" أن اتفاقية "سايكس بيكو" التي وُقعت عام 1916، ليست مسؤولة عن المشاكل والصراعات التي تعيشها منطقة الشرق اﻷوسط. وأضاف "بلير" في مقال له نشر بصحيفة "الديلي تليجراف" البريطانية، في الذكرى المئوية للاتفاقية، أن تحميل مسئولية سفك الدماء في الشرق الأوسط للاتفاقية لم يعد ممكنًا، خاصة أن خريطة المنطقة اليوم تختلف جوهريًا عن تصور سايكس وبيكو. وأوضح "قبل قرن من الزمان، كشف رجل إنجليزي وآخر فرنسي عن خريطة للشرق الأوسط، إنهما السير مارك سايكس، وفرانسوا جورج بيكو، اللذان قاما بإنشاء الدول الحديثة في المنطقة وأشعلوا بلا مبالاة آلاف الصراعات التي لازالت تشتعل حتى اليوم، عن طريق رسم خط من العراق الحديثة لمنطقة البحر الأبيض المتوسط، فقد تجاهلوا الانقسامات العرقية والدينية المتفجرة، بهذه الطريقة، و تصارعت بريطانياوفرنسا على الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى، وقاموا بارتكاب خطيئة مشتركة تقف وراء المآسي التي تحدث اليوم. و مع نشر اتفاقية سايكس بيكو - و التي تحل ذكراها المائة اليوم الاثنين- ذاع صيتها بقوة في الثقافة الشعبية، بسبب "ديفيد لين" المعروف ب "لورنس العرب"، ولكن حتى الإدانة القوية لهذه الاتفاقية يمكن أن تكون مخطئة، ففي الحقيقة النسخة الشعبية من سايكس بيكو يساء فهمها تقريبًا في كل جانب من جوانبها. وبعد مرور 100 عام، فإن تحميل مسئولية سفك الدماء في الشرق الأوسط للاتفاقية التي أعدها النائب المحافظ (سايكس)، والدبلوماسي الفرنسي (بيكو) لم يعد ممكنًا. ووفقًا للكاتب "أن الخط يفصل بين الطوائف العرقية والدينية، ولكن كيف يمكن أن يفعل ذلك؟ بدون حدود و بالرغم من إنها حيلة بارعة، لقد كانوا في طريقهم لخلق دول متجانسة في منطقة متنوعة بالشرق الأوسط، فالهلال الخصيب يمتد من نهر دجلة إلى البحر الأبيض المتوسط، منذ حينها و إلى الآن، حيث يتداخل العرب، والأكراد، والسنة، والشيعة، والمسيحيين، والدروز، والعلويين". و تابع "الدول الجديدة التي كانت ستنشأ من الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، دائمًا ما تكون متعددة الأعراق والطائفية، وهذا كان حتميًا بشكل كبير". و أكمل "بلير" أن نقد سايكس بيكو يفترض ضمنًا أن هناك حلًا لمشكلة كيف كانت تحكم الدولة العثمانية الشرق الأوسط؟ قد تكون الحقيقة أسوأ، ربما لم يكن هناك حلاً، والصراع كان محتومًا. وأوضح الكاتب أن خريطة اليوم في المنطقة تختلف جوهريًا عن تصور سايكس بيكو، حيث سرعان ما تخلت قطاعات واسعة عن الاتفاقية، فمثلاً الموصل - المدينة الثانية اليوم في العراق - لم تكن في العراق على الإطلاق، فقد كانت الاتفاقية تنص على أنها تتبع سوريا، وبالتالي استبعاد عدد كبير من العرب السنة والأكراد من العراق، مما يجعل البلاد أكثر تجانسًا، ومهمة حكومة بغداد أكثر راحة مما هي عليه اليوم، مضيفًا أنه عندما دمرت جماعة داعش الإرهابية في العراق والشام نقطة الحدود قرب الموصل عام 2014، أعلنت مسؤوليتها عن إلغاء حدود سايكس بيكو. ونوه إلى أن "سايكس" مات من الإنفلونزا الأسبانية، في الوقت الذي تم إصلاح هذا الجزء من الحدود بين العراقوسوريا في مؤتمر باريس للسلام عام 1919، ومع ذلك، فإن نقد اتفاقية سايكس بيكو، لا تقوم على فكرة أن الحدود كانت في المكان الخطأ، أو أنها لم تأخذ في الحسبان التعقيدات العرقية، وبدلاً من ذلك، فإن الانتقادات تتلخص في أن بريطانياوفرنسا ليس لديهما الحق في فرض حدود على منطقة الشرق الأوسط على الإطلاق. و أوضح "الكاتب" أن هذا الاستنكار يستمد قوته من حقيقة أن اتفاقية سايكس بيكو كانت سرية، ويفترض أن بنودها خيانة لوعود بريطانيا السابقة التي قدمتها للعرب، مضيفًا أن حتى هذا الجانب من لائحة الاتهام أقل قوة مما تظن، فهل بقيت سايكس بيكو سرية؟ نعم، ولكن فقط لمدة عام، فكثير من المؤرخين كتبوا أن روسيا كشفت عن الاتفاق بعد الثورة البلشفية في أكتوبر 1917. و تابع "سافر سايكس وبيكو إلى جدة قبل خمسة أشهر في مايو 1917، للقاء حسين، شريف مكة، وقائد الثورة العربية، ﻹطلاعه على الاتفاقية، ولعل الغريب، لم يبد الشريف حسين أي إعتراضات معينة، و لكن أشار سكرتيره فؤاد الخطيب، في وقت لاحق إلى أن "حسين كان موافق تمامًا على بنود الاتفاقية". أما بالنسبة لفكرة أن سايكس بيكو خالفت وعود بريطانيا السابقة للعرب، فقد ظهرت هذه التعهدات في المراسلات بين الشريف حسين، والسير هنري مكماهون المندوب السامي البريطاني في مصر. و استطرد واحد من عدد قليل من المؤرخين الذين أطلعوا على هذه المراسلات والتي يرجع تاريخها بين عامي 1915 - 1916، كان الراحل "إيلي كيدويري" أستاذ العلوم السياسية في جامعة لندن، الذي قال في إحدى كتبه: "لقد صيغت اتفاقية سايكس بيكو على وجه التحديد حتى لا يكون هناك صراع، ولتتناسب بالضبط مع تعهدات بريطانيا للعرب". و اختتم الكاتب بأن خطيئة سايكس بيكو هي أسطورة أكثر منها واقع، وبعد مرور قرن من الزمان عليها، يجب على العالم العربي أن يبحث في أي مكان آخر لتفسير مشاكله.