منذ أيام شاهدت فيلم كولونيا، الذي يروي قصه بشعة من التاريخ الإنساني. شيلي كانت محور الأحداث على الصراع بين اليسار الماركسي المدعوم سوفيتيا واليمين الإقطاعي المدعوم أمريكيًا. تزايدت الاحتجاجات الشعبية في تشيلي ضد الرئيس الماركسي سلفادور الليندي، لأدائه الاقتصادي غير المرضي لتطلعات تشيلي. الدعم الفكري الغربي لبينوشيه تمحور حول كونه ديكتاتورًا عسكريًا متصالحًا مع الرأسماليين الإصلاحيين و يحارب الخطر الشيوعي في أمريكا اللاتينية و لا سميا شيلي. بداية فيلم كولونيا تعيد رسم الصورة الذهنية لتشيلي في السبعينيات. مجتمع مضطرب اقتصاديًا واجتماعيًا، ويواجهه رئيس البلاد الماركسي معارضة واضحة من جماعات المصالح القديمة ومراكز القوى المؤسساتية، وعلي رأسها وزير دفاعه بينوشيه. نري الثائر الألماني الأممي دانيال، الذي يأتي من بلده الأوروبي ليقاوم الإقطاع والإمبريالة والهيمنة الغربية علي مقدرات البلد اللاتيني. قصه حب تقليدية بين مضيفة الخطوط الجوية الألمانية لينا والثائر الأممي دانيال". أجواء من الحممية والرومانسيه الثورية، التي تدور في أحد البلاد الفقيرة في أوساط مجموعات الثوار السرية. صورة سلفادور الليندي في قلب علم تشيلي، ورمزية الزعامة في تراث حركات التحرر الوطني، التي اتخذت من رؤساء كعبد الناصر وكاستور وتشافيز رموزًا لتحرر بلادهم من النزعات الاستعمارية. يتغير إيقاع الفيلم على تليفون صباحي يخبر بحدوث انقلاب عسكري بقيادة بينوشيه، وأن جيش تشيلي يعتقل المجموعات الماركسية واليسارية الداعمة للرئيس سلفادور الليندي. دانيال يتجول بكاميرته لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها قوات بينوشيه. يعتقل دانيال وينقل إلى مركز احتجاز وتعذيب في جنوب البلاد. بعد مرحلة من التعذيب البدني المستمر لدانيال، ينتقل من مركز الاحتجاز والتعذيب في كولونيا، إلي عضوية طائفة دينية تابعه لنازي هارب من ألمانيا يدعي بول شافر. شافر الذي تعامل مع أتباعه علي اعتباره مرسولا من الإله لنقل رسالته لأتباعه في كولونيا. ركز الفيلم علي رابطة الحب بين دانيال ولينا، التي دفعت لينا للانضمام لطائفة "شافر" الدينية. أثناء مشاهدتك للفيلم تتمكن من أن تستوعب مدى فعالية سياسات العنف وغسيل المخ في هندسة طائفة كولونيا اجتماعيًا. كيفية تقبل عنف السلطة تجاهك من أجل إرضاء الإله ورسوله النازي "شافر". طائفة كولونيا قائمة علي شافر كرسول للإله، وفصل مطلق بين الرجال والنساء وإبقائهم تحت تأثير المخدرات، وانتزاع الأطفال من أمهاتهم. تكوين مجتمع "نازي" خاضع للقائد "شافر" بدون تشكيك في سلطته، وانعدام أي نزعة عاطفية تجاه الآخر. أهمية "شافر" وطائفته الدينية لنظام بينوشيه، هي تعذيب أعداء نظامه لاستخلاص المعلومات أو تجريب عدة أسلحة كيميائية علي أعضاء الطائفة لضمان كفاءة أسلحة بينوشيه. معادله تاريخية عتيقة قائمة على الأرض في مقابل القمع. "كولونيا" تقف مانعًا أمام الصورة الحضارية، التي حاول المفكرون الغربيون بناءها حول ديكاتورية بينوشيه الحضارية، وكونها ساعدت على تقدم تشيلي اقتصادية بمساعدة جامعة شيكاغو وبناء قدرات الخبراء الاقتصاديين من تشيلي على يد صاحب نوبل في الاقتصاد ميلتون فريدمان. ظلت الولاياتالمتحدة دائمة الادعاء أن نموذج الديكتاتور المتحضر، الذي مثله بينوشيه هو الأمثل في حكم بلدان أمريكا اللاتينية. فيلم "كولونيا" رسالة اعتذار سياسي في صورة سينمائية، تعلن عن ندم الولاياتالمتحدةالأمريكية عن دعمها لبينوشيه وسياساته القمعية في تشيلي التي أنتجت آلاف القتلى والمعتقليين. ذلك الأسف الذي عبر عنه وزير الخارجية الأسبق كولن باول- إدارة الرئيس جورج بوش الابن- بأسفه الشديد لدعم بلاده لبينوشيه في انقلابه عام 1973 علي سلفادور الليندي.