السؤال واضح جدًّا... متى تسقط الأنظمة السياسية تحديدًا، وليست أجهزة الدولة؟ كما لا يفوت عليك أن سقوط الأنظمة لا يعني بالضرورة سقوط الطبقة الاجتماعية التي تمثلها تلك الأنظمة، فنظام الرئيس مبارك سقط بثورة شعبية، لكن الطبقة أو التحالف الطبقي الذي كان يمثله هذا النظام البائس لم يسقط بعد، إذ ما زال يحكم مصر حتى هذه اللحظة، وعليه سنحاول الإجابة عن سؤال العنوان بعد أن ترددت في فضاء الحياة السياسية المصرية إشارات عن قرب سقوط نظام الرئيس السيسي، أو أن ما يحدث في مصر حاليًّا من خلل واضطراب يهدد استمرارية هذا النظام ويعرضه للانهيار. في ظني أن الأنظمة تسقط إذا فقدت شرعيتها الشعبية في المقام الأول، أي إذا شعر الشعب أن هذا النظام لا يمثله، ولا يصح أن يظل في السلطة يحكم ويتحكم، هذا الشعور ينتاب الملايين عندما يضغط على أعصابهم أمران: الأول... ارتفاع متزايد في الأسعار تعجز الطبقات الفقيرة والمتوسطة عن احتماله ومواجهته، وفي الوقت نفسه تلمس هذه الطبقات الموجوعة الثراء الفاحش يتكدس لدى قلة قليلة من المصريين، أما الأمر الثاني الذي يسهم في إسقاط الأنظمة فيتجلى في تفاقم الشعور بالظلم المقترن بانسداد نوافذ الأمل في مستقبل أفضل. إذا تضافر هذان السببان انبثقت إشارات قوية تدل على قرب سقوط النظام، ومن أبرز هذه الإشارات صراعات الأجهزة الأمنية... اضطراب الحكومة... تغيير متسارع للوزراء... إهانة كرامة الناس وتعذيبهم في أقسام الشرطة والسجون... التضييق على الحريات العامة والسياسية... صعود الأوغاد إلى المنصات الإعلامية... إلهاء الناس بقضايا تافهة... إلى آخره. للأسف... هذه الأسباب والإشارات كلها متوافرة بقوة في مصر المحروسة حاليًّا، الأمر الذي يشير إلى أننا أمام مفترق طرق حقيقي وخطير للغاية، لأن سقوط النظام لا يعني إصلاح الأحوال بالمرة، فقد سقط مبارك ومرسي ولم نتقدم إلى الأمام، والأغلب أن أحد الأقوياء سيقفز على السلطة السياسية في لحظة ضعف مواتية. لكن استمرار النظام أيضًا يهدد الجسد المصري المعطوب أصلًا، ولن ينصلح حاله إلا إذا تمكن الشعب من الوصول للسلطة عبر ممثليه الحقيقيين، وهو أمر صعب جدًّا في الوقت الراهن، لأننا لم نعرف كيف ننظم أنفسنا في حزب سياسي يمثل مصالح الغالبية، وأنت تعرف جيدًا أن الحزب السياسي هو أكثر الأسلحة مضاء في تغيير الأنظمة والسياسات. معنى هذا أننا أمام مأزق تاريخي، وأن مصرنا الحبيبة قد تتعرض لمشكلات لا حصر لها؟ نعم... المأزق بالغ الصعوبة، والأمل معقود على تدارك الأمر من قبل الرئيس قبل فوات الأوان، كما أنه معقود أيضًا على السياسيين والمثقفين المحترمين الذين ينحازون إلى الغالبية العظمى من هذا الشعب، والذين يعرفون قيمة مصر وتاريخها... وهم قلة قليلة على أية حال.