على طريقة أكياس شرائح البطاطس المقلية التى يتناولها الناس بطعم الكباب والفراخ المشوية، يطرح الشباب المصرى المدهش الآن بالأسواق استمارات تمرد بطعم الثورة، ليعيد إلى الناس الأمل فى استعادة أحلامهم المسروقة فى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. لا أحترم التفسير التآمرى للثورات العربية لأسباب كثيرة، أولها أنه يهدر حق الشهداء الذين تقدموا الصفوف بنبل نادر وشجاعة مذهلة، وثانيها أنه تفسير يستخدمه البعض لإثارة تعاطف الناس مع الأنظمة القديمة التى أزاحوها بدعوى أنها كانت أفضل من الأنظمة الحالية الفاشلة عديمة الإبداع التى تقودهم إلى مستقبل غامض فى طريق يمتلئ بالجوع والعطش، ويدمى أقدامهم وقلوبهم بأشواك غياب الحريات وحقوق الإنسان. السبب الثالث المهم أن الثورة ليست مؤامرة بقدر ما هى عمل حتمى تقوم به الجماهير استجابة لظروف قاهرة، ولضرورات موضوعية تدفعها للقيام بتلك المخاطرة غير مضمونة العواقب. قبيلة الأرانب لا تجد مفرا من مواجهة الخرتيت البليد السميك الجلد، عندما يحاصر جحورها ويمنع عنها الطعام والماء ليحرمها من حق الحياة. مرسى بقدراته المحدودة، وبقلة وطنية التنظيم السرى الذى ينتمى إليه، يسير على خطى مبارك الذى حاصر المصريين وأذلهم وجوَّعهم فكان لزاما عليهم أن يخرجوا عليه استجابة لدعوة الشباب التى جعلتهم يحلمون بحياة عصرية نظيفة كغيرهم من الشعوب المتقدمة. النضال الشعبى السلمى ليس تآمرا. المؤامرات المخابراتية يمكنها أن تصنع انقلابا مدبرا بعناية ضد رئيس وطنى مخلص يعمل لمصلحة شعبه الذى يحبه ويحترمه، كما حدث ضد سلفادور آليندى فى التشيلى، بتدبير من المخابرات المركزية الأمريكية عام 1973. لكن من رابع المستحيلات أن تنجح تلك المؤامرات المخابراتية فى تدبير ثورة شعبية ضد زعيم وطنى محبوب. الأنظمة العربية الديكتاتورية العسكرية الرديئة (التى يحلم البعض الآن بعودتها مرة أخرى) لم تقدم لنا سوى أشباه دول مدنية غير ديمقراطية ترتدى قشور الحداثة، وتعتمد فى بقائها على قبضة حديدية تهدر كرامة المواطن وتسحق إنسانيته. كان هذا هو حالنا مع صدام ومبارك وبن على والقذافى وبشار وأشباههم من الملوك والرؤساء. انظروا إلى ما يحدث فى سوريا من تخبط وعك يجعل الواحد منا يقف حائرا وعاجزا عن اتخاذ القرار: هل يساند ديكتاتورا مثل بشار الأسد، كما يفعل حزب الله، باعتباره يرأس نظاما مدنيا يزعمون أنه يقاوم إسرائيل؟ أم أن الأصح هو مساندة حركة سنية (إخوانية) مسلحة هدفها إضافة دولة دينية فاشلة جديدة إلى المنطقة؟ بالله عليكم ألا يذكركم هذا الاختيار المر بمأزق المفاضلة بين شفيق ومرسى؟ ثنائية الدولة المدنية الزائفة مقابل الدولة الدينية الفاشلة هى أسوأ اختيار يمكن أن يواجهه شعب قام بثورة وقدم الشهداء من أجل الحصول على دولة عصرية تحترم آدميته، يقودها موظفون عموميون يقوم باختيارهم لكى يعملوا على رفع مستوى معيشته وتلبية حاجاته الأساسية. القبضة الأمنية التى صنعها الطغاة فى تلك الدول المدنية الزائفة لتذل شعوبهم وتفتك بمعارضيهم وبأى تيار سياسى ينافسهم على السلطة، لا تختلف كثيرا فى صورتها ومضمونها عن أولئك الإرهابيين الملتحين وألاضيشهم من الغربان الآدمية الذين يصدعون رؤوسنا بنعيقهم ليل نهار قائلين إنهم سيحملون السلاح فى وجوهنا، لو تطلب الأمر، كى لا يسمحوا بحدوث انتقال سلمى للسلطة يؤدى إلى دولة مدنية حقيقية حتى وإن حكمت بذلك الإرادة الشعبية أو صناديق الانتخاب! توقيعكم على استمارة تمرد ضد مرسى وإخوانه صار مصلحة وطنية عليا بعد أن اتضح للجميع هوان الوطن على أيديهم، بإدارتهم البليدة العاجزة الكارثية لكل الملفات المثقلة بمشكلات مصيرية، على رأسها ملف مياه النيل التى تمت إدارة أزمتها بطريقة هزلية مبكية بقيادة رئيس فاشل ينتمى إلى تيار كسيح تفتقر كوادره إلى الخيال والإبداع. حجم الرعب الذى تبثه حركة تمرد فى قلب نظام الإخوان الفاشى المترنح يتضح لنا جيدا عندما نعرف مثلا أن التحسن النسبى الأخير فى معدلات انقطاع التيار الكهربائى فى القاهرة والمدن الكبرى ليس إلا محاولة يائسة لترضية الطبقة الوسطى (التى لا تتأثر بالرشاوى الانتخابية من الزيت والسكر) لكى تتوقف عن التوقيع لحملة تمرد. توفير المحروقات اللازمة لتشغيل محطات تلك المدن بأقل توقف ممكن جاء على حساب زيادة معدلات انقطاع الكهرباء فى الريف لأكثر من ست ساعات فى اليوم الواحد! السبب أن سخط مواطن الريف المهمش لا يفرق معهم مطلقا، لأنهم يعتقدون أن صوته الانتخابى محسوم لصالحهم بالرشوة! هل رأيتم كيف وصل بهم التدنى الأخلاقى حتى فى توزيعهم غير العادل للمعاناة الاجتماعية التى نحترق بنارها بسبب خيبتهم الثقيلة وانهيار قدرتهم على إدارة الدولة؟! أيضا محاولة رشوة المسيحيين المصريين الأرثوذكس بالتصريح لهم ببناء كنيسة جديدة هى محاولة فاضحة أخرى تسعى لتحييد قطاع مظلوم من المجتمع حتى لا ينضم إلى حشود 30 يونيو التى ستطالب بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. التمرد ضد الإخوان قد يكون الآن بطعم الكاتشاب مثل شرائح البطاطس المقلية، ولكن طريق التغيير الحقيقى قد يجعله تمردا بطعم الدم والتضحيات فى المستقبل القريب. لا نريد دولة دينية فاشلة يقودها ديكتاتوريون عديمو الموهبة وأنصاف جهلاء مثل الذين وصفهم أمل دنقل العظيم فى قصيدته «لا تُصالح» قائلا: لا تُصالح ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ/ والرجال التى ملأتها الشروخ/ هؤلاء الذين يحبون طعم الثريد/ وامتطاء العبيد.. إلى أن اختتمها بوصفه للمواطن المتمرد بقوله: أنت فارس هذا الزمان الوحيد وسواك المسوخ. كن فارس هذا الزمان الوحيد وتمرد ضد مرسى وإخوانه، لأنهم لا يستحقون شرف قيادة الوطن.