انتشر بسرعة رأىٌ غريبٌ يقول إن المهم هو التخلص من المستشار أحمد الزند من منصبه الوزارى بما يُرَجِّح انعدام فرصه المستقبلية فى العمل العام، وإنه ليس مهماً إطلاقاً الطريقة التى تمّ بها الأمر، كما أنه ليس مهماً أن يكون السلاح الإجرائى قانون إزدراء الإديان سيئ السمعة، الذى ثبت منذ زمن أنه يُستغل من قوى الرجعية والتطرف الدينى أسوأ استغلال ضد حريات الفكر والإبداع والبحث العلمى، التى توهمت النخب السياسية المنتمية للثورة أنها نجحت فى تأصيلها بمجرد إقرار نصوص متطورة فى الدستور، ثم اتضح للجميع أن سلاح الازدراء قائم وفاعل وأنه جرى استخدامه مؤخراً وأنه سوف يُستخدَم مرات أخرى. وكان غريباً أن يتوافق المختلفون من تيارات يواجه بعضها بعضاً على انتهاز نفس الفرصة بذات الحجة للتخلص من الزند. برغم أن البداهة لا تقبل أن يكونوا جميعاً على نفس الدرجة من الصواب. أو بالقياس السياسى العملى: لا يمكن أن يكسبوا جميعاً بنفس الدرجة من التخلص من الزند! وكان حرياً أن يتوقف المشاركون فى المعركة من اليساريين والليبراليين قليلاً، وأن يتساءلوا عن الأسباب المشتركة التى تجمعهم مع الإخوان والسلفيين، وعن من هو الأكثر استفادة من تحقيق هذا الهدف. وكان حرياً على هؤلاء اليساريين والليبراليين أن ينتبهوا إلى خطورة أن تكون قاعدة ازدراء الاديان هى المرجعية الناجزة للإطاحة بخصمهم، فى وقت لم يتوقفوا فيه عن إدانة الإدانة بالازدراء، وعن الصراخ بضرورة إلغائها لخطورتها الشديدة على حريات الفكر والإبداع والبحث العلمى. وكان عليهم أن يدرسوا التبعات الآتية بعد انفضاض المعركة، وهل سيكون موقفهم المبدئى والأساسى ضد قانون ازدراء الأديان أقوى أم أضعف. وكان غريباً أن تأتى سعة الصدر من الأزهر فى شأن يخصّ سمعة الإسلام وصورة النبى، وأن يعتبر رجاله أن اعتذار الزند يُسقِط مساءلته ما دام أنها كانت مجرد زلة لسان. وكان الأغرب أن يأتى التشدد من هؤلاء اليساريين والليبراليين، بما وضعهم فى صورة التكفيريين الذين يطلقون الأحكام العامة المطلقة القاطعة ضد شخص على رأى واحد أو موقف واحد وينتهون إلى وجوب التخلص منه. وأما أن يقال إن أخطاء الزند قد كثُرت وإنها تراكمت خلال الفترة التى تولّى فيها الوزارة، وإنه قد أصبح عبئاً على الحكم، فهذا مدعاة للتساؤل عن تبرير التشدد فى الواقعة الأخيرة بالذات، وقبول أن تكون هى السبب المعلَن للإطاحة به، بما يعنى أن أخطاءه السابقة إما أنها كانت أقل خطراً، أو أنه لا يهم أن يسود مبدأ اللجوء لسلاح الازدراء، أو أنه لا يهم أن تكون صورة الحكم بعد الإطاحة بالإخوان وحلفائهم صورة الخائف من الاتهام بعداء الإسلام وبالتفريط فى سمعة الإسلام والنبى. الخلاصة أن المستفيد الأول من التخلص من الزند هو قوى الرجعية المتمثلة فى الإخوان وحلفائهم، وأيضاً من السلفيين الذين يُشاع بالخطأ أنهم مختلفون فى الفكر عن جبهة الإخوان. وذلك لسببين رئيسيين، الأول أن الزند كان لهم جميعاً خصماً عنيداً، لم يدار خصومته يوماً، وأنه كان شديد المراس فى مواجهتهم. وأما السبب الثانى، فهو أن لجوء القوى الأخرى إلى سلاح الإدانة بازدراء الأديان، الذى يتمسك به الرجعيون، هو أقوى دعم لاستمرار العمل به، لأن المعركة الأخيرة سوف تُضعِف موقفَ اليساريين والليبراليين الذين كانوا يطالبون بإلغائه، خاصة بعد أن قبلوا على أنفسهم أن يلجأوا لاستخدامه فى واقعة الزند. ومن الغرائب الكثيرة الجديرة بالوقوف أمامها، أن بعض أنصار الحريات الذين تشددوا فى وجوب الإطاحة بالزند، والذين قبلوا على أنفسهم اللجوء للإدانة بسلاح ازدراء الإسلام، كانت حجتهم ضد الزند المطالبة بمساواته بضحايا القانون الذين ألقى بهم وراء القضبان، وبالآخرين الواقعين تحت نفس التهديد. وتأتى الغرابة من أنه كان حرياً بهم، إذا كانوا يطالبون بإعمال المساواة بما يكون أكثر جدوى، أن يُصرّوا، بدلاً عن ذلك، على إعفاء الزند من المساءلة فى هذه الواقعة وان يطالبوا بالمساواة معه لضحاياهم، بإطلاق سراح المحبوسين منهم وبإسقاط التهمة عن المهددين، وبإلغاء القانون تماماً، ثم يستمرون فى معركتهم السياسية ضد الزند، مع ضرورة أن يحرصوا دائماً على أن يُظهِروا اختلافهم عن الإخوان والسلفيين فى خصومتهم معه، سواء فى الأفكار والمواقف، أو فى السلاح المستخدم فى الخصومة. كما أن هؤلاء لم يدركوا التناقض الواضح فى موقفهم، الذى أرادوا له أن يبدو كما لو كان مبدئياً، ذلك لأنهم فى الوقت الذى أصروا فيه على حماية صورة الإسلام والنبى، يتغاضون عن التطاول اليومى على مقدسات غير المسلمين! ولم ينتبهوا إلى تطابق موقفهم هذا مع المتطرفين الإسلاميين! وكان حرياً بهم أيضاً أن يحسبوا المكاسب والأضرار فى المعركة الكبيرة ضد الإخوان وحلفائهم، وهل هنالك أشخاص بعينهم يمكنهم أن يُعوّضوا فقدان دور الزند فى هذه المواجهة فى هذه اللحظة. وأما الزند، الذى يبدو للوهلة الأولى أنه خسر المعركة، فالحقيقة غير ذلك، وهى سوف تنجلى على المدى القريب بعد أن يهدأ الغبار، لأنه خرج من الوزارة وهو يبدو أكثر مبدئية من كثيرين غيره. فهو أخطأ وزلّ لسانه، مثلما يمكن أن يخطئ ويزلّ لسان أى إنسان، ولكنه اعتذر مباشرة، ثم كرر اعتذاره أكثر من مرة، وقد أجاد حساب الاحتمالات التى سوف تترتب على وضعه الضعيف أمام الهجوم الضارى، فقرر أن يخرج مرفوع الرأس، بأن يرفض أن يتقدم باستقالته، لأنه، كما يرى، ليس هناك ما يبررها، ورضى أن يُقال، لتبقى صورته قوياً متعففاً عن السعى لنيل رضا رؤسائه على حساب ما يراه صواباً.