خمرية طويلة القامة، ترتدى جلبابًا منقوشًا داكن اللون، وجهها يعكس نضارة وطيبة، لم تمسها التجاعيد، لكن يفزعك إن كنت أقصر منها قامة أن ترى شيبها في مفرق جبينها تحت طرف حجابها المشدود، تمرق جوارك برفق، لتدلف إلى مكتب سكرتارية محكمة الأسرة بمصر الجديدة، لتسأل عن الموعد الذي تأجلت إليه قضيتها لخلع زوجها. لا تجد مبررًا حين تعرف أنها ابنة الثامنة والأربعين من العمر، لبياض شعرها التام، لتحكم في قرارة نفسك، لابد أنه الشقاء الذي أبلغها ذلك، وبمجرد أن تسألها عن قضيتها، تجدها تسرد وكأنها تخاطب نفسها، تتحدث بكل ما في قلبها عن قضية الخلع التي أقامتها وسط رفض كل المحيطين بها حتى أشقائها، خاصة أنها من سكان عزبة النخل بالقاهرة، تحكمها تقاليد ريفية وشعبية. وفى مواجهة لمحيطها تقول "وفاء": "كان لازم أرفع قضية خلع، ملقتش حل تاني، جوزى نايم في البيت لا شغلة ولا مشغلة، ممكن ينام يومين وثلاثة، زهقت اتخانق وأغضب عند بيت أختي، حتى أنني ظللت عندها في إحدى المرات 15 يومًا، وكما ذهبت وهو نائمًا، عدت لأجده نائمًا أيضًا". وتضيف محاولة أن تبتسم، متذكرة الماضي حين كان ميسرًا، "تزوجنا منذ 16 سنة، ولدينا بنت وولد، عشت معه في حجرتين وصالة تحت الأرض في بيت على قد حاله في عزبة النخل، وكان بيشتغل استورجي شنط حريمي، صنايعي لوكس اللوكس مش أي كلام، يعمل أجدعها شنطة أحلى من دي بكتير". وشاحت بنظرها بعيدًا متابعة: "مبيثبتش في شغل، وبقى يتعاطى مخدرات، وبقيت ألف وراه في الورش على أمل يديني قرش، وكل لما يقعد في البيت، وأقوله إنزل اشتغل، يقولي أنا هفتح مشروع، بيقول كدا وهو بطل شغل خالص، وبقيت أنزل أنا أشتغل، حتى العيال كنت بسيبهم معاه، أرجع ألاقيهم في الشارع وهو نايم، واستحملت 10 سنين". وبسؤالها عن سبب طلبها الخلع بعد هذه السنوات، فتجيب بحدة لم تنل من ملامحها المسالمة: "مبقتش قادرة استحمل شغل البيوت، وقولت أشترى ذرة وأشويها وأبيعها، حتى اشتد بي المرض في أحد الأيام، فطلبت منه النهوض من نومه لشراء الفحم، مرضيش وأنا مكنتش قادرة أمشي فتعفنت الذرة، من ساعتها استكفيت، وقولت أطلب الطلاق يمكن يطلعي معاش، وأبقى ارتحت من مصروفه على الأقل". طلبت "وفاء" من زوجها الطلاق لكنه رفض بحجة المصاريف، فقررت جمع المال، وأوضحت: "بقى معايا فلوس أدفعهاله أجرة المأذون لكن برضوا مرضيش يطلقني، فرفعت قضية خلع، الكل معارضها، وإخواتي بيتخانقوا معايا بسببها، بس خلاص فاض بيا، اتفه حاجة مش راضي يقوم من نومه يعملها، ماعدش فيه منه رجا". وعن قضيتها، تُخرج "وفاء" حقيبة أوراقها، وبها عقد إيجار مسكنها الذي ينتهى خلال عام ونصف، بقيمة 75 جنيهًا شهريًا، وصور من دعاوى أخرى نفقة معيشة وأوراق قضية "الخلع"، وتشير: "كل القضايا دي رفعتها بنفسي، رحت لمحامي في شارعنا، قالي عايز ألف وخمسمائة جنيه، فقررت أرفعها بنفسي، وجيت المحكمة وبسأل المحامين والموظفين وبعمل كل خطوة بنفسي، وجاية النهاردا أسأل على قرار آخر جلسة ليا، هما بيقولولي اصطلحي واتنازلي، وهو بيقولي اتنازلي وأنا هشتغل، لكنه لسا نايم في البيت، وأنا رافعة عليه قضايا كتير، ولسه عايشين في نفس البيت".