المتابع لأخبار الاقتصاد في الصحف الأوروبية يجد بين سطورها ما لا يبشر بالخير، فالأسواق المالية بالقارة العجوز لم يعد لديها ثقة بالبنوك والذعر يسيطر على البورصات، إذ إن أسعار المصارف في فرنساوإيطالياوألمانيا، فقدت أكثر من ربع قيمتها منذ مطلع العام الجاري. وتلوح في الأفق أجواء يطلق عليها الفرنسيون déjà-vu.. أجواء ما قبل إشهار إفلاس البنك الأمريكي الشهير ليمان براذرز Lehman Brothers عام 2008، على وقع أزمة الرهن العقاري بالولاياتالمتحدةالأمريكية والتي أغرقت معها بنوك أوروبا والعالم في أزمة مالية-اقتصادية مزدوجة هي الأعنف منذ أزمة الكساد الكبير التي ضربت العالم عام 1929. مع أزمة 2008 تعالت الأصوات في أوروبا بتعزيز رؤوس أموال البنوك وفرض قيود على المضاربات، ونقل الإشراف للبنك المركزي الأوروبي، ولكن يبدو أن لا شيء تحقق من ذلك، وحقيقة الأمر أن العاصفة الحالية لها ثلاثة تفسيرات: اقتصادية، نقدية، وحالة إنكار. اقتصاديًّا تعاني البنوك الأوروبية من تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي خصوصًا الاقتصاد الصيني ثاني أقوى اقتصاديات الكوكب، وهو ما تأثر به بنك مثل "HSBC" الذي تلقى ضربات موجعة بفعل استثماراته في الصين. وفي الولاياتالمتحدة كان انخفاض أسعار النفط لأقل من الثلث بمثابة الطامة الكبرى لشركات التنقيب عن البترول الصخري، الأقل تكلفة من البترول الأحفوري، وكانت النتيجة إفلاس ما يقرب من خمسين شركة أمريكية وبالتالي عجزها عن رد ما اقترضته من أموال للبنوك، والشيء ذاته ينطبق على البنوك الأوروبية، ففي بنوك إيطاليا وحدها على سبيل المثال 200 مليار يورو قروضًا معدومة لم يعد بوسع شركات التنقيب عما كان يُعرف بالذهب الأسود ردها. نقديًّا، فإن البنوك المركزية في أوروبا حاولت إنعاش اقتصاديات منطقة اليورو، على مدار السنوات الثماني الماضية، بتبني سياسة الزيرو فائدة، حتى للأجل البعيد، بهدف التشجيع على الاقتراض، وهو ما قلص أرباح البنوك لأدنى مستوياتها. وأقل ما يمكن به وصف ذلك هو شيزوفرينيا البنك المركزي الأوروبي، فهو من جهة يطالب البنوك باتباع قواعد تحافظ على تماسكها بينما من جهة أخرى هو نفسه يُضعفها بسياساته النقدية. حالة الإنكار يعيشها الكثير من البنوك الأوروبية التي تؤكد أنها تشهد فترة غير مسبوقة من الصلابة المالية، وأن ما يحدث الآن لا علاقة له بما حدث في 2008، وربما يكون ذلك صحيحًا في جانب منه، حيث كانت قيمة القروض العقارية في 2007 بما يوازي 1500 مليار دولار، ولكن لا تتجاوز القروض لشركات البترول ما قيمته 540 مليار دولار، غير أن «ديوتش بنك» البنك رقم 1 في ألمانيا ظل ينكر أنه يواجه صعوبات إلى أن استيقظ المتعاملون معه على خبر فقدان سهمه 9% من قيمته، حيث أصبح ب13,92 يورو بعدما كان ب22,525 يورو، كما أن عددًا غير قليل من البنوك الأوروبية ما زال يمارس أنشطة معُقدة شبيهة بتلك التي أدت إلى أزمة 2008. في مصر وبعد كسر الدولار حاجز ال9 جنيهات في السوق السوداء، بينما هو ب8,25 قرش في الميزانية الجديدة، وفي ظل غياب مناخ حقيقي من الشفافية وحرية تداول المعلومات، ومع وجود محافظ للبنك المركزي يدهس كل ما هو متعارف عليه عالميًّا بظهوره على شاشات التلفاز، بل والحديث علنًا عن طبع العملة، لا شك أن تهاوي أسعار النفط لهذا المستوى المرعب، من 110 دولارات إلى 27,5 دولار، سيكون له عدة آثار سلبية وربما أثر إيجابي وحيد. سلبًا لا شك أن عام 2016 سيشهد تغيرات دراماتيكية على خريطة العاملين بدول الخليج، حيث يعمل ما يقرب من 4 ملايين مصري تفوق تحويلاتهم بالعملة الصعبة ما تجلبه قناة السويس، لا سيما أن السعودية والكويت بدأتا بالفعل في تصفية وترحيل الكثير من العمالة الأجنبية عمومًا، وربما يمتد التأثير للبنوك الخليجية التي استحوذت على أسهم البنوك الأوروبية والأمريكية التي تخارجت من مصر على مدار السنوات الخمس السابقة. أما الشق الإيجابي الوحيد فهو توفير، ولو بشكل جزئي، ما يقرب من 5 مليارات دولار كانت ترهق الموازنة العامة دعمًا للمحروقات، ولكن يبقى السؤال الأهم كيف ستوفر الحكومة مصادر دولارية بديلة في ظل كساد حركة التجارة العالمية، وتراجع عائدات السياحة واختفاء الاستثمارات الأجنبية المباشرة وانقطاع خطوط الإمداد والتموين مع دول الخليج؟ نتمنى أن لا تكون الإجابة ما تشير إليه تقارير صحفية، عن توجه لفرض مزيد من الضرائب وبيع أراضي الدولة وأسهمها فيما تبقى من بنوك أجنبية، وذبح المواطنين برفع تعريفات الغاز والمياه والكهرباء، بعد استجدائهم بالتصبيح على مصر بجنيه!