تخلو حجرة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية من أي مكاتب أو طاولات.. فقط مقعد من الجلد المتواضع وسجادة إيرانية تستوعب على الأكثر 10 أشخاص، يجلسون أرضًا ويستمعون للرجل الذي يحدد لمؤسسات الدولة كل النهج الذي يجب أن تسير عليه داخليا وخارجيا. الحجرة لم يشغلها سوى شخصين فقط، الأول هو مؤسس الجمهورية الإسلامية وقائد ثورتها روح الله الخميني، المتوفى عام 1989، والثاني هو خليفته الحالي آية الله علي خامنئي الرجل صاحب ال76 عاماً، والذي يتهامس البعض عن مصيره في ظل انتخابات التجديد بالبرلمان، وبجمعية خبراء نظام تلك الهيئة المستقلة المكونة من 88 رجل دين، والتي من صلاحياتها اختيار خليفة للمرشد، لا سيما أن رئيسها محمد يازدي صرح في مطلع فبراير الجاري بأن خامنئي طلب منه «الاستعداد لذلك». على مدار 27 عامًا، قاد خامنئي إيران في ظروف بالغة الحساسية والصعوبة والتعقيد، فهو من رسم نهج إعادة بناء الدولة عقب موت الخميني وبعد حرب الثماني سنوات مع العراق 1980-1988، وكان نقطة النظام في مطالب الإصلاح الاجتماعي التي تعالت أصوات المنادين بها في فترة الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي (1997-2005)، وهو الداعم الأول للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، المحسوب على المحافظين المتشددين، في المواجهة مع الغرب بسبب أزمة الملف النووي الإيراني، وهو أيضا من ساعد نجاد في الفوز، بشكل مثير للجدل، بفترة رئاسية ثانية عام 2009 على حساب المرشحين الإصلاحيين مهدي كروبي ومير حسين موسوي، حيث تدفقت ملايين الدولارات من مكتب خامنئي على نجاد وبأمر مباشر من مرشد الجمهورية الإسلامية سحقت عناصر الحرس الثوري وميليشيا الباسيج عظام كل من اعترض على إعادة انتخاب نجاد. علي خامنئي هو أيضا صاحب إطلاق شرارة البدء لمفاوضات سرية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية في عام 2011 من أجل تسوية أزمة الملف النووي لطهران، كما كان صاحب القول الفصل في توقيع اتفاق التسوية بخصوص ذلك الملف مع الغرب بالعاصمة النمساوية فيينا في أغسطس من العام الماضي. خامنئي كان رئيسا للجمهورية حينما مات المرشد المؤسس، الذي تنصل قبل موته بعدة أشهر من أقوال نُسبت إليه بأن يُعين آية الله علي منتظري خليفة له، وبالتالي طُرح اسم خامنئي تلقائيا ليتولى مكتب الإرشاد، وإن كان ذلك قوبل بكثير من الانتقادات من رجال الدين حيث إن خامنئي يفتقد للكثير من المقومات الدينية من وجهة نظرهم، كما أن الخميني لم يُسبغ على الرجل لقبًا سوى «حجة الإسلام»، وهي مرتبة علمية دينية يملكها المئات في إيران، ولكن في النهاية نجح خامنئي في فرض نفسه بما يملكه من حنكة سياسية وعلاقات وطيدة مع جنرالات الجيش الأكثر تدينًا، وهو كذلك دائم الحضور في الأوساط السياسية، وفي القرى والأقاليم حيث إنه عقد قران المئات من الشباب في أنحاء متفرقة بالبلاد. الأزمة الحالية في إيران تكمن في المركزية الشديدة التي صنعها خامنئي، وهو ما يعبر عنه حامد رضا تاراغي، ممثل المرشد في مؤسسة الخميني الخيرية، من خلال تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية قال فيه «إذا كان الإمام الخميني فوض عنه من يتعامل مع قادة الجيش وأفرعه المختلفة، فإن خامنئي جعلهم تابعين لمكتبه مباشرة، فضلاً عن لجان متخصصة لإدارة الاقتصاد والسياسة داخليا وخارجيا، فأصبح بمكتبه 1000 موظف يبلغون عنه تعليماته للجميع بعدما كانوا 200 فقط في عهد الخميني». تلك المركزية انتقدها الرئيس الأسبق على أكبر هاشمي رفسنجاني، وهو المقرب من الرئيس حسن روحاني. من يحكم إيران؟ هو عنوان كتاب ألفه ويلفريد بوشتا، الباحث في معهد دراسات الشرق الأدنى بواشنطن، وسؤال كثيرا ما ردده كل الدبلوماسيين الغربيين وقادة أركان جيوش أوروبا، الذين تفاوضوا على مدار سنوات مع نظرائهم الإيرانيين حول برنامج طهران النووي. ويفرض السؤال نفسه الآن في ظل الاحتمالات التي تتحدث عن إمكانية استبدال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في أثناء حياته، ويستدعي السؤال قراءة في الدستور الإيراني لنكتشف أن الإجابة عليه تبدو في غاية البساطة: إنه الله. - طبقًا للمادة الثانية من الدستور الإيراني :«الله يمارس السيادة المطلقة في إيران ويشرف على إعداد القوانين». -بالنسبة للسلطة على الأرض فإن من يمارسها طبقا للمذهب الشيعي الاثني عشري، هم الأئمة المنحدرون من نسل الإمام علي بن أبي طالب ابن عم النبي محمد، وآخرهم الإمام المهدي المنتظر الملقب ب«الحي الغائب» أو«معلم الزمان» الذي اختفى حينما كان عمره خمس سنوات ويقول الشيعة إنه سيظهر آخر الزمان ليخلص البشرية مما هي فيه من تخبط وضلال، وعلى مدار قرون كان كل أئمة الشيعة يحرمون على رجال الدين ممارسة السياسة، لأن ذلك من وجهة نظرهم بمثابة اغتصاب لسلطة الإمام المهدي المنتظر، غير أن الإمام الخميني استطاع تغيير هذه الفكرة بعد مئات السنوات، وأفتى بأنه يتعين على رجال الدين المتفقهين فيه ممارسة دور الإمام المهدي المنتظر حتى يظهر ذلك الأخير، ومن هنا أنشأ الخميني مذهبه الشهير المعروف باسم «ولاية الفقيه». وبناء عليه أصبحت المادة الخامسة من الدستور الإيراني تنص على: «في ظل غياب معلم الزمان -عجل الله بظهوره- فإن السلطة تؤول لإمام عالم عادل زاهد فقيه ولديه قدرات إدارية». - من هو الإمام الفقيه في إيران حاليا؟ هو بلا شك علي خامنئي الذي يتمتع بصلاحيات شبه إلهية. - طبقا للمادة 110 من الدستور الإيراني، التي تمت إضافتها في عهده، فإن المرشد الأعلى هو من «يعين مدير عام التليفزيون والراديو المحليين وكل قادة أسلحة الجيش» - لا أحد يمكنه أن ينازع الرجل فيما يملكه من سلطات و صلاحيات، فقوات «الباسدران» (الحرس الثوري الإيراني) تقسم بالولاء والطاعة العمياء للمرشد ولا أحد غيره، والشيء ذاته يفعله القضاء والبرلمان ومجلس حراس الثورة وجمعية الخبراء، وقبل كل هؤلاء مؤسسة الرئاسة والسيد رئيس الجمهورية. - النصوص الدستورية معقدة ومتشابكة لدرجة تجعل من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية رجلا بحصانة وبصلاحيات لم يعرفهما أي حاكم في تاريخ البشرية، فمن الناحية النظرية فإن جمعية خبراء النظام التي تضم 88 من رجال الدين يمكنها عزل المرشد واختيار خليفة له، ولكن الأعضاء ال88 يتم اختيارهم بمعرفة مجلس الحرس الثوري البالغ عدد أعضائه 12 فردا، يقوم المرشد بتعيين نصفهم فيما يتم اختيار النصف الآخر بأصوات أعضاء البرلمان بناء على توصية من وزير العدل الذي يعينه المرشد!