حسن روحانى الفائز بانتخابات الرئاسة الإيرانية يمكنك أن تتحدث، أو تتجاهل الحديث، عن انتخابات الرئاسة في إيران، يمكنك أن تتذكر موعدها أو تنساه ، يمكنك أن تتتبع أخبارها أو لا تلقي لها بالا، بل يمكنك أن تخالف المثل الروسي الشهير "لا تبع جلد الدب قبل صيده"، فمحصلة ما قبل الاستحقاق الرئاسي لا يختلف عما بعده، اللهم في اسم الرئيس ففوز حسن روحاني ، رجل الدين المعروف عنه الاعتدال بنسبة 51٪ من مجموع الأصوات لايعني الشييء الكثير، فالسياسات والرؤي والتخطيط والتنفيذ والتنظير ، في يد رجل واحد تقسم له كل مؤسسات الدولة بالطاعة العمياء وولاء غير مشروط، هذا الرجل هو المرشد الأعلي للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي ذو ال74 عاما، وثاني مرشد في تاريخ إيران منذ قيام ثورتها الإسلامية عام 1979، ويشغل منصبه منذ 24 عاما، خلفا لمؤسس الجمهورية الإسلامية وقائد ثورتها "آية الله الخوميني". لا أحد يمكنه أن ينازع الرجل فيما يملكه من سلطات وصلاحيات، فقوات "الباسدران"(الحرس الثوري الإيراني) لا تقسم إلا باسم المرشد، والشيء ذاته يفعله القضاء والبرلمان ومجلس حراس الثورة وجمعية الخبراء، وقبل كل هؤلاء مؤسسة الرئاسة والسيد رئيس الجمهورية أيا كان شخصه أو توجهه. إذن، من يحكم إيران؟ ذلك السؤال، الذي يحمله عنوان كتاب للباحث »ويلفريد بوشتا«، الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني، يسأله كل الدبلوماسيين الغربيين وقادة أركان جيوش أوروبا، الذين يتفاوضون منذ سنوات ، مع نظرائهم الإيرانيين، حول برنامج طهران النووي، وتبدو الإجابة علي هذا السؤال في غاية البساطة: إنه الله. فطبقا للمادة الثانية من الدستور الإيراني: »الله يمارس السياده المطلقة في إيران ويشرف علي إعداد القوانين«. بالنسبة للسلطة علي الأرض فإن من يمارسها، طبقا للمسلمين الشيعة، هم الأئمة المنحدرون من نسل الإمام علي بن أبي طالب، ابن عم النبي محمد ([)، وأخرهم الإمام المهدي المنتظر الملقب ب"الحي الغائب" أو"معلم الزمان" الذي اختفي حينما كان عمره خمس سنوات، ويقول الشيعة إنه سيظهر آخر الزمان ليخلص البشريه مما هي فيه من تخبط وضلال، وعلي مدار قرون كان كل أئمة الشيعه يحرمون علي رجال الدين ممارسة السياسة لأن ذلك من وجهة نظرهم بمثابة اغتصاب لسلطة الإمام المهدي المنتظر، غير أن الإمام الخميني استطاع تغيير هذه الفكرة بعد آلاف السنوات، وأفتي، خلال فترة نفيه بفرنسا وقبيل سقوط نظام الشاه مباشرة، بأنه يتعين علي رجال الدين المتفقهين فيه ممارسة دور الإمام المهدي المنتظر حتي يظهر ذلك الأخير، ومن هنا أنشأ الخميني مذهبه الشهير المعروف باسم "ولاية الفقيه"، وبالمخالفة لمعتقدات ظلت راسخة عند المسلمين الشيعه لعقود من الزمان، جاءت المادة الخامسة من الدستور الإيراني لتنص علي:" في ظل غياب معلم الزمان-عجل الله بظهوره-فإن السلطة تؤول لإمام عالم، عادل، زاهد، فقيه ، ولديه قدرات إدارية". من هو الإمام الفقيه في إيران حاليا؟ هو بلا شك علي خامنئي، الذي يتمتع بصلاحيات شبه إلهية، ذلك الرجل الذي وضعته مجلة "فوربس"، عام 2012، في المرتبة الحادية والعشرين في قائمة أقوي وأكثر الشخصيات تأثيرا في العالم، عند توليه منصبه كمرشد أعلي عام 1989 لم يكن سوي »حجة الإسلام« (إحدي الدرجات الدينية فوق المتوسطة عند أئمة الشيعة)، ولكنه بين عشية وضحاها حصل علي لقب "آية الله" وهي درجة عليا، كان من المفترض ألا يحصل عليها قبل عشر سنوات من التعمق في الدراسات القرآنية، وخلال فترة توليه منصبه تعاقب عليه ثلاثة رؤساء هم: هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي والرئيس المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد، وبالرغم مما شهدته سنواته الأربع والعشرين من تغيرات وأحداث دراماتيكية، فلا أحد يحمله مسئولية أي شيء مما حدث: تضاعف سعر الخبز مرتين واللحم سبع مرات؟ فالمسئول عن ذلك هو الرئيس نجاد وسياساته الاقتصادية. سياسيون يتمتعون بشعبية كبيرة (مثل الرئيس الأسبق رفسنجاني) تم منعهم من الترشح للانتخابات؟ المسئول عن ذلك هو مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يعتمد أوراق المرشحين. مظاهرات تم قمعها بعنف وسالت دماء المتظاهرين؟ يسأل عن ذلك ميلشيا "الباستيج" الشعبية التابعة للحرس الثوري الإيراني (الحرس الثوري المعروف باسم الباسدران غير الجيش النظامي التابع للدولة). في يونيو 2009، بينما كانت الغالبية العظمي من الشارع الإيراني محتقنة ضد خامنئي بعد الانتخاب المثير للجدل للرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي تلقي دعما ماديا ومعنويا غير محدود من مكتب الإرشاد في مواجهة منافسه "مير حسين موسوي"، وما أعقب ذلك من احتجاجات واسعه عمت المدن الإيرانية وسقط فيها مئات القتلي والمصابين، ظهر خامنئي لأول مرة علنا عقب انتخاب نجاد بأسبوع، في صلاة الجمعة وصلي بالجماهير إماما، رغم تقارير أمنية حذرته من مغبة ذلك، وعلق باقتضاب علي فوز نجاد في ذلك الوقت بالقول:" لا يمكن إنكار أن فوزه أمر إلهي، ومن اعترضوا عليه يتحملون وحدهم مسئولية الدماء التي سالت"، وخرجت بعد تلك التصريحات موجة احتجاجية أخري ولكنها محدودة وتغير فيها الهتاف من "أين صوتي الانتخابي" إلي "الموت للمرشد"، وانتهي الأمر بعودة المتظاهرين إلي منازلهم، التي لاتشبه بأي حال من الأحوال منزل المرشد الأعلي، ذلك القصر المنيف الذي يعمل به آلاف الموظفين، وبه وحدات مراقبة سياسية تتتبع أداء الوزراء والمحافظين والبنوك ومسئولي المؤسسات الدينية، فضلا عن وجود مبعوث خاص من قبل المرشد الأعلي في كل مؤسسات الدولة، يرسل تقاريره أولا بأول لمكتب الإرشاد. "خامنئي" لا يجري أي مقابلات صحفية ولا يغادر إيران لأي سبب من الأسباب، ولم يلتق في منزله سوي بعدد محدود من رؤساء العالم، كان أبرزهم الروسي فلاديمير بوتين والرئيس البرازيلي السابق لولا دي سلفا، وفي ظهوره العلني أثناء صلاة الجمعة أو أي مناسبة دينية، يحظر علي الحضور توجيه أي سؤال للرجل، المعروف عنه قليل من المعلومات أبرزها متابعته للصحف الأمريكية وإعجابه بالمفكر الفرنسي"جان بول سارتر"، وأنه دائم التفكر في تجربة الحكم الشيوعي وانهيار الاتحاد السوفيتي عقب قيام آخر رؤسائه "ميخائيل جورباتشوف" باتباع سياستي "البروسترويكا" و"الجلاسنوست". وبخلاف ذلك فإن الكلمات الطاغية علي خطاب الرجل، تكشف عن شخص مصاب بعقدة نظرية المؤامرة، فهو دائم التحذير من أعداء الخارج المتآمرين علي إيران وغالبا ما يخص بالذكر إسرائيل والولايات المتحدة، ودائما ما يصفهما "بقوي العجرفة الشيطانية السرطانية الرجعية القمعية الإمبريالية التآمرية السامة". طبقا للمادة 110 من الدستور الإيراني، التي تمت إضافتها في عهده، فإن المرشد الأعلي هو من يعين مدير عام التليفزيون والراديو المحليين وكل قادة أسلحة الجيش"! ولكن المعضلة لا تكمن هنا فقط ولكن في النصوص الدستورية المعقدة والمتشابكه لدرجة تجعل من المرشد الأعلي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، رجلا بحصانة وبصلاحيات لم يعرفهما أي حاكم في تاريخ البشرية، فمن الناحية النظريه فإن جمعية خبراء النظام التي تضم 86 من رجال الدين يمكنها عزل المرشد واختيار خليفة له، ولكن الأعضاء ال86 يتم اختيارهم بمعرفة مجلس الحرس الثوري البالغ عدد أعضائه 12 فردا، يقوم المرشد بتعيين نصفهم فيما يتم اختيار النصف الآخر بأصوات أعضاء البرلمان بناء علي توصية من وزير العدل الذي يعينه المرشد! الباسدران والباستيج كثير من أعضاء "حركة الخضر" الذين راقبوا انتخابات الرئاسة الإيرانية عام 2009 تعرضوا للاعتقال، علي خلفية تقارير منسوبة إليهم تؤكد تزوير النتائج لصالح الرئيس المحافظ أحمدي نجاد التابع للمرشد ضد منافسه الإصلاحي في ذلك الوقت"مير حسين موسوي"، وتعرض أغلب من تم اعتقالهم لتجربة قاسية في سجن" إيفن"(شمال العاصمة طهران) سواء من ناحية المعاملة أو بسبب جغرافية السجن نفسه حيث إن زنازينه مبنية تحت الأرض، فضلا عن وسائل تعذيب تترك ألما جسديا ونفسيا لا يمكن محوه بسهولة. ما الذي حدث في 21يونيو 2009 موجة اعتقالات واسعة للنشطاء والسياسيين المعترضين علي إعادة انتخاب نجاد لفترة ثانية، ويقول الصحفي والناشط "مازيار بحاري" في مقال بصحيفة النيويورك تايمز:" اقتحمت مخابرات الحرس الثوري (تختلف عن المخابرات العامة) منزلي فجرا واقتادوني معصوب العينين إلي سجن "إيفن"، من خلال صوت المحقق وطريقته في توجيه الأسئلة أدركت أنه متقدم في السن وله خبرات واسعة في عملية التعذيب والضغط النفسي علي المعتقلين، وكان من الواضح أنه يعرف عني أدق تفاصيل حياتي"، ورفض "بحاري" الإفصاح عن أساليب التعذيب التي تعرض لها واكتفي بالقول "إنها غير آدمية ولم يسمع أو يقرأ عن شبيه لها طوال حياته". وتجدر الإشارة إلي أنه تم عزل أحد ضباط الجيش النظامي بعد رفضه تنفيذ أوامر إطلاق النار علي آلاف المحتجين، بينما لم تتوان ميلشيا "الباسدران" في فعل ذلك، فيما تولت ميلشيا "الباستيج" التابعة لها سحق عظام المتظاهرين بعصيانهم الغليظة، وكان أفرادها الملثمون يجوبون الشوارع علي دراجاتهم النارية، ويفتشون المنازل التي يشتبهون في أنها تؤوي معارضين، وتمكنوا في أيام معدودات من إخلاء الشوارع من المعارضين، بل وأقاموا معسكرات تعذيب مفتوحة لكل من وقع بأيديهم ، ومازال القضاء الإيراني ينظر قضايا رفعها ضحايا التعذيب علي قادة الباسدران والباستيج، الذين تمكنوا فعلا من حماية نظام خامنئي من تبعات زلزال سياسي كاد أن يطيح به. يتكون الحرس الثوري الإيراني" الباسدران" من 100 ألف مقاتل، ويتلقي قادته التعليمات من مكتب المرشد مباشرة، ويتمتعون بامتيازات وأسلحة أكثر تطورا عن تلك التي يمتلكها الجيش النظامي نفسه، ويتحكم "الباسدران" في ثلث الاقتصاد الإيراني، ويضم جناحا للعمليات الخارجية معروفا باسم "فيلق القدس"، يقوده الصارم الغامض "قاسمي سليماني" الذي يقال عنه إنه الحاكم العسكري الفعلي لسوريا حاليا وقائد العمليات الميدانية لميليشيا حزب الله والجيش النظامي السوري ضد قوات الجيش السوري الحر الساعي منذ عامين ونصف للإطاحة بنظام حكم بشار الأسد. "عباس ميلاني" أستاذ قسم الدراسات البريطانية بجامعة "ستامفورد" البريطانية يلخص الأمر لوكالة رويترز بتصريح مفادة لا داعي لكل هذه الجلبة.. فالمعادلة تساوي صفرا، والباسدران هي الجهة التي ستحسم نتيجة انتخابات الرئاسة في إيران"، ويعزز ذلك التصريح ما ذكره موقع "راحي سابز" المعارض بأن محمد علي جعفري قائد الباسدران، زار بنفسه المرشد الأعلي في منزله، قبيل الانتخابات للاتفاق علي الترتيبات النهائية، التي كان من ضمنها الإطاحة بهاشمي رفسنجاني خارج السباق، نظرا لأن البعض ممن يطلق عليهم إصلاحيون في إيران كانوا يعقدون عليه آمالا عريضة!.