بعد قطاع النقل، آلاف الأطباء يدخلون في إضراب لمدة 5 أيام بتونس    14 مليون جنيه حصيلة البيع بجلسة مزاد اليوم الخميس لبضائع الجمارك    لقاء بين مبعوث ترامب ورئيس الموساد غدا في أوروبا    الهلال يختتم تدريباته قبل السفر للمشاركة في كأس العالم للأندية (فيديو)    «السوبر الأفريقي».. عطية الله يكشف عن أصعب مباراة له مع الأهلي    انتشال جثمان طالب غرق في نهر النيل بقنا    مديحة حمدي تكشف الوصية الأخيرة للراحلة سميحة أيوب قبل وفاتها    محافظ الدقهلية يشهد المؤتمر السنوي الخامس لوحدات الكلى بالمنصورة..صور    رسميًا.. جالاتا سراي التركي يعلن التعاقد مع ساني    السفير الأمريكى فى إسرائيل يعلن انحيازه لبن جفير وسموتريتش بعد فرض عقوبات عليهما    "الشؤون الإسلامية" تكثّف جهودها التوعوية في مسجد التنعيم تزامنًا مع توافد المعتمرين    «القومي للإعاقة» يتقدم ببلاغ للنائب العام بشأن واقعة زواج عريس متلازمة داون    هيئة قصور الثقافة تكرم لاميس الشرنوبي رئيس إقليم القاهرة لبلوغها السن القانوني للتقاعد    بعد تعرضهما لوعكة صحية.. أحمد زاهر يوجه رسالة مؤثرة لابنته ملك ونجل تامر حسني    دعمهم لا يُنسى.. 3 أبراج لديها قدرة خارقة على مواساة الآخرين    الجيش الإسرائيلي يقول إنه حيد مقاوما فلسطينيا أطلق النار على نقطة تفتيش    «الصحة»: افتتاح 24 عيادة أسنان جديدة بعدد من الوحدات الصحية بالمحافظات خلال عام    متحور كورونا الجديد «NB.1.8.1».. تحت المراقبة العالمية    "أكسيوس": نتنياهو طلب من الولايات المتحدة التوسط في المفاوضات الإسرائيلية - السورية    القصة الكاملة لسرقة الدكتورة نوال الدجوي.. من البلاغ لحفظ التحقيقات    غودار وفلسطين.. حين عاد التجريبى الأكبر فى تاريخ السينما إلى «القضية» بعد صمت طويل    المتحف المصرى الكبير بوابة مصر إلى العالم.. كاريكاتير    شروط سحب مبلغ جدية حجز شقق (سكن لكل المصريين 5) (التفاصيل كاملة)    لترطيب الكبد- 4 فواكه تناولها يوميًا    عرض مالي ضخم يقرب سباليتي من تدريب النصر    فى زمن الانقلاب ..عامل يقتل 3 من أبنائه ويشنق نفسه في سوهاج    وفد عمل مصر الثلاثي يُشارك في منتدى «التحالف العالمي للعدالة الإجتماعية»    أشرف صبحي: نادي سيتي كلوب إضافة نوعية لخريطة المنشآت الرياضية بدمياط    وزير الري: مصر تقوم بإدارة مواردها المائية بحكمة وكفاءة عالية    إنارة رافد جمصة على طاولة التنفيذ بتنسيق مكثف بين الجهات المعنية    كوريا الجنوبية: بيونج يانج تعلق البث المناهض عبر مكبرات الصوت    وزير الاستثمار: الدولة تولي اهتمامًا كبيرا بتطوير قطاع التأمين    الأحد 22 يونيو.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن المرحلة الثامنة التكميلية بالعبور الجديدة    ضمن المسرح التوعوي.. قصور الثقافة تختتم عرض «أرض الأمل» بسوهاج    قافلة جامعة المنوفية توقع الكشف الطبي على 440 من أهالي «ميت أم صالح»    التحفظ على سلع غذائية ولحوم فاسدة في حملات تموينية موسعة ب قنا    حقوق الإنسان بمجلس النواب تستضيف رئيس الطائفة الإنجيلية وأعضاء الحوار المصري الألماني    عبد العاطي يؤكد ضرورة الحفاظ على السودان وصون مقدّراته    رسميًا.. رابط الاستعلام عن نتيجة مسابقة تعيين 20 ألف معلم مساعد للغة الإنجليزية    انخفاض تكلفة التأمين على الديون السيادية لمصر لأدنى مستوى في 3 سنوات    "دخل حسابي 1700 يورو؟".. أحمد حمدي يثير الجدل بمنشور جديد    ريال مدريد يحسم صفقة الأرجنتيني فرانكو ماستانتونو حتى 2031    حجز والدي عروس الشرقية على ذمة التحريات في واقعة زفاف عريس متلازمة دوان    عبد الخالق فريد مديرًا لمهرجان بورسعيد السينمائي الدولي    أهلي جدة ينتظر موقف ميسي    محافظ المنيا: إزالة 215 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة والبناء المخالف    مصر تعرب عن خالص تعازيها لجمهورية الهند في ضحايا تحطم طائرة غرب البلاد    انقطاع شامل للاتصالات والإنترنت في قطاع غزة    وزير البترول: مشروع إنتاج حامض الفوسفوريك تحرك هام لتعزيز الصناعات التحويلية    مدير تعليم القليوبية لمصححى الشهادة الإعدادية: مصلحة الطالب أولوية عظمى    تصادم دموي بوسط الغردقة.. إصابة 5 أشخاص بينهم طفل في حالة حرجة    20 مليون جنيه مخدرات وسقوط 5 خارجين عن القانون.. مقتل عناصر عصابة مسلحة في مداهمة أمنية بأسوان    إسرائيل.. المعارضة غاضبة لفشل حل الكنيست وتهاجم حكومة نتنياهو    أمين الفتوى يوجه رسالة لمن يفوته صلاة الفجر    مراد مكرم ساخرًا من الأوضاع والنقاشات في الرياضة: بقى شغل عيال    أنغام تدعو بالشفاء لنجل تامر حسني: «ربنا يطمن قلبك وقلب أمه»    حكم توزيع لحوم الأضحية بعد انتهاء أيام عيد الأضحى    آداب الرجوع من الحج.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ياسر بدون ياسر»
نشر في التحرير يوم 03 - 06 - 2013

رأس الأفعى الذهبية على يد كرسى الصالون المذّهب، أول مرة ألتفت إلى يد كرسى الصالون، وأن زراع كل كرسى أفعى تنتهى برأس أفعى أخرى عند قمة الكرسى تتقابل مع رأس الزراع الأخرى فى شكل وردة، سنين وهذا الطقم فى غرفة الصالون، وأنا أتعامل مع رؤوس الحيات فيه، على أنها ورود، أخجل كثيرًا من نفسى لأنه تم خداعى طول هذه الفترة..
أفتقد طفولتى التى ظننت فيها رأس الأفعى وردة، كنت أعد أوراق الورود وأتدرب على جدول الضرب، خمسة كراسى، كل كرسى فيه أربع ورود، كل وردة فيها ورقتان، إذن المحصلة عشرون أفعى!
دخلت على أمى فى المطبخ، عشرين تعبان يا ماما فى الصالون، كان لازم يحصل ده!
كانت أمى مخضوضة جدا علىّ، حزينة ككل الأمهات، بأن البائسة التى ستذهب لطبيب نفسى، تشتكى من قرض أظافرها والتفوه بكلام غير مفهوم عن تعابين وغيره ستصبح ابنتها، كانت أمى فى المطبخ تعد بخيالاتها المرات التى اعترفت فيها بالقضاء والقدر أمام قصص بائسة، لتعين نفسها على تحمل النهاية الحزينة لابنتها فى مصحة أو لدى طبيب نفسى، وربما أيضا كانت تشعر بالإحرج الإحراج الكافى لدرجة أنها شربت كوب الليمون، كوب الليمون (اللى قامت تعملهولى عشان أعصابى تهدى).
مثل أى عائلة أرستقراطية، عندما دخلت البيت بشنطة هدومى، سحبتنى أمى كعنزة إلى غرفتى، بهشش، هششش، كنت أسمع هشها وأشرب دموعى متعجبة أنها ليست ملحية كما كانت، وأن أمى تهشهش عليا بينما أنا لم أتكلم أصلا، بعد نوبة الهشش التى انتابت سعاد هانم، أخبرتها أن أحمد يخوننى وعندما اكتشفت واجهنى بذلك فى برود.
خرجت أمى إلى الصالة وعادت ومعها صالة أخرى غير التى دخلت عليها، لم يعد محمد أخويا رافعًا ساقيه على التليفزيون، ولم تعد بنت أختى تلعب مع أبى، كما كانوا. نشرت أمى حركة عسكرية تستعد لكآبتى واكتئابى ومواساتى وتهدئتى وتعقيلى فى مواجهة الكارثة.
ثلاثة أيام وأنا فى غرفتى، أستغل هوجة الطبطبة، وحجة الموجوع، كطالب يهرب من الامتحان بخدمة جسده المريض، ومسألة اقتناص الفرص هذه أجيدها منذ أيام الامتحانات، ثلاثة أيام من التهام الشيكولاتة والدليفرى والنوم على بطنى، وممارسة العادة السرية، والتمعن فى الفرق بين أنواع الأطعمة، واقتناص كاس ويسكى من عند بابا واختلاس تسامحه مع ذلك بسبب حالتى، ثلاثة أيام كان جسدى متخمًا متورمًا بالمتعة، كأنها إجازة مدفوعة الأجر، حيث لا أسأل نفسى عن سبب الأحلام الجنسية المتواترة -كأن لا وعيى لشخص آخر- ولا حتى عن تاريخ اليوم.
فى اليوم الذى قالت أمى فيه إن أحمد سوف يزورنا غدا حسب اتفاقه مع أبى -ليه يا ماما؟- عشان نتكلم يا حبيبتى. يومها محمد أخويا لم يستجب إلى نزواتى كالعادة لينزل يشترى لى عدة الاكتئاب، لا شيكولاتة ولا سجائر كثيرة، ولا أوراق المأكولات أرميها خلفى وتجمعها العائلة بعدى فى لطف ودون تذّمر كأنى ملكة ملكة بمصيبتى ملكة باكتئابى، فعرفت أنها إشارة لعودة الحياة العادية، لعودة الساعة كام؟ والشغل هيخلص إمتى؟ ووزنك بيزيد، واطفوا التليفزيون عايزة أركز، عودة للتمعن فى شكل الأحلام والخروج من جنة الخيانة.
لا أحد يعلم أن الحزين بسبب منطقى وواضح وصريح، ربما يكون ليس حزينًا كما يبدو، وربما يجيد الاستمتاع بالأكل والتمعن فى الشهوة، المكتئبين لأسباب لا يصدقها الناس، هؤلاء المتصوفة، بالنسبة لى الاكتئاب الكونى الرومانطيقى هو الاكتئاب المهلك، عندما فارقنى ياسر، ياسر زميلى فى تلاتة إعلام، لم يهتم أحد بذلك، ولم تتكاتف الجهود لمواساتى، إيه يعنى قصة حب وانتهت؟ كأن كسر القلب أهون كثيرا من كسر الجواز، لكن اكتئاب كسر القلب قاس وعنيد ويجوّف الجسد، لماذا لا يعرفون ذلك؟
كنت ممصوصة جافة الحلق طوال الوقت، شاردة العينين كأنى أؤكد بحركتهما المستمرة، أن هناك ما ضاع منى، ضاع ياسر لأسباب أصبح ذكرها سخيفًا، الحمد لله أنى لم أحب أحمد، غير أنه كان واجهة اجتماعية لطيفة، كنت أستمتع معه بالجنس أحيانًا ولا أسمح له بذلك إلا فى وقت إجازاتى، ما هو مش يبقى مفيش حب وتعطيل كمان! ثم أن مسألة ممارسته الجنس هذه مع أخرى، لا تهمنى فى شىء، لست ممتنة لجسده بارتباط روحى، ولا أشارك معه غير السرير للمتعة السريعة، ولا يدخل روحى ببصلة، لذلك أعتبره كائنًا منفصلًا بذاته، حرًا فى تقاسيمه وأعضائه، فليفعل ما يريد مع من يريد، ربما ربنا كرمه وأحب إحداهن كما كنت أحب ياسر، أنا أتمنى الخير لأحمد، لطالما فعلت ذلك، فهو طيب وهادئ وملتزم بحدوده معى، وليس معنى أنى استغليت فرصة ممارسته للجنس للتخلص منه، أنى أكرهه، لا بالعكس إننى أمل من أشياء تمتعتُ بها سابقًا، على سبيل المثال: لم أعد أحب التونة، التى عاملتها كباقى المأكولات بعد الزواج، طبق قليل عاقل، وليس مثل أيام الجامعة، نتجمع أنا وصاحباتى البنات كأننا نسرق، راحت أيام الجامعة، ومللت من التونة، ولم أعد أستمتع بها، لم أعد أجد لها بريقها الخاطف، ودقة قلبى عليها لأنجز المحاضرات، وأجرى على البنات على نجيلة كلية الإعلام، لم يعد لها أى رونق خاص، أو شغف، تمامًا كأحمد.
المهم أنه عندما وصل، كنت عند الكوافير، كنتُ أتألم ولا أعرف لماذا، لأنى أواجه الحياة؟ أن أعيش، هو ما اختارته، أخترت أن أتزوج، وأن أعيش ناسية الأحلام الرومانسية الخطيرة وغير المعترف فيها! وها أنا أختار أن أعيش أيضا بطلاقى، الساحة الكبيرة والقهوة اللذيذة ورقة العاملين معى فى الكوافير، جعلتنى أتعامل معهم بلطف، أحسست بالكلمات تخرج بصدق، كأنى أوافيهم حياتى، لم أكن أكذب، أحببتهم وارتاحت روحى لذلك كثيرا، وتذكرت ياسر من غير ياسر، وشعرت أن رضاى بالزواج والهروب السريع على الرغم من أنه ممتع فإنه غير مريح.
فى الصالون وأحمد وأمى يسود عليهم الحنق من شعرى الأحمر.
أحمد كان يجلس وعلى وجه لا مبالاة غير عادية، وكأن ما أفعله غير مبرر وغير واضح، أبى بعقلانيته وصرامته وكبريائه، أنهى كل شىء معه: سمع اعترافاته، وأهان كرامته بتوبيخ، ثم قال لى: جوزك عمل نزوات معترف بيها وعايزك تسامحيه والموضوع فى إيديك دلوقت.
ظللت متمعنة فى إيد الكرسى المذهب ووجدته أفعى وعرفت خديعتى الكبيرة، نظرت إلى وجوهم وكأنهم مشاركين فى جريمة ما، أشفقت عليهم من الثقل الذى سيتحملونه جراء الطلاق وإشكالياته الاجتماعية، وغضبت عليهم، لأنهم صدقوا أن هذا كان زواجًا، وصدقوا أن هذه خيانة وسيصدقون حالًا أنى غير متسامحة بينما لم يصدقوا حزنى على ياسر.
مش مسامحاه، اللى يخون مالوش أمان وقرفانة منه أصلا وعايزة أتطلق، ليه يا بنتى بس، مابحبوش يا يابا، لا إذا كان كده نخلص التهريج ده بسرعة، صدق أبى غياب الحب وآثاره الجانبية علىّ، وحاول حمايتى منى الاستمرار مع زوج لا أحبه، بينما لم يحاول حماياتى من عدم الزواج ممن أحب، لم يعد يهم ذلك الآن، أنا أخترت وقضيت وقتًا لطيفًا مع أحمد ولم أواجه أحد أننى كنت أتألم.
عدت إلى الأشياء التى أشعر فيها بالشغف، أبحث عن كل ما هو (ياسر بدون ياسر)، واستمتع فى حياتى، بمتع هاربة وصغيرة، فى محل جيم أفتتح بجوار بيتنا سأقضى فيه وقتًا لطيفًا، وقتًا لطيفًا دون توريط آخرين، (أحمد بدون أحمد)، ولتحتمل أمى نفسها محرجة وخائفة فى شربها لكل كوباية لمون، قامت تعملهالى عشان تهدى أعصابى. ربنا معاها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.