بعد يوم واحد فقط من تصريحات رئيس الوزراء الروسي دميتري مدفيديف، خلال مؤتمر ميونخ للأمن، بأن روسيا والناتو انحدرتا إلى حرب باردة جديدة، أكد قائد قوات حلف شمال الأطلسي الموحدة في أوروبا الجنرال فيليب بريدلاف أن الحلف لا يريد ولا يتوقع الانحدار إلى حرب باردة جديدة مع روسيا. وقال بريدلاف في مقابلة بثتها قناة "سي إن إن" الأحد ١٤ فبراير الحالي: "نحن في الناتو لا نريد نشوب حرب باردة، لا نتكلم عنها ولا نتوقعها". وأشار الجنرال الأمريكي إلى أن الناتو يعد حلفا دفاعيا يرى مهمته الأساسية في مواجهة التحديات الأمنية. وفي الحقيقة فقد استبق مندوب روسيا الدائم لدى الناتو ألكسندر جروشكو تصريحات الجنرال بريدلاف، حيث أعلن أنه ليس من مصلحة موسكو المواجهة مع حلف الناتو لكنها ستتخذ إجراءات، بما فيها العسكرية، للرد على تعزيز تواجده في شرق أوروبا. وقال جروشكو السبت ١٣ فبراير، خلال نقاش حول موضوع تكييف سياسة حلف الناتو مع الظروف الجديدة في مجال الأمن: "إن القضايا الحقيقية اليوم مثل الهجرة والإرهاب تتطلب من الناتو التعاون، بما في ذلك مع روسيا.. ولا يمكن أن تكون هناك أية نتائج في تحقيق أهداف الأمن الفعلي، دون المشاركة الروسية". وندد الدبلوماسي الروسي بسياسة "ردع روسيا" عسكريا والتي أعلن عنها حلف الناتو والولاياتالمتحدة، إذ قال: "من المستحيل الحديث بجدية عن ردع روسيا، دون أن يدرك المتحدثون أن هذه السياسة وهذا التخطيط العسكري يعدان محاولتين لفرض مشروع المجابهة الماضية علينا.. ليس من مصلحتنا مجابهة حادة مع الناتو، لكنه يجب أن يفهموا أننا سنقوم بتقييم التخطيط العسكري وسوف نتخذ جميع الإجراءات الضرورية لحماية أمننا، بما في ذلك باستعمال وسائل عسكرية وتقنية". من العروف أن عدد أفراد القوات التابعة للدول الأعضاء في الناتو يبلغ ٣ ملايين و ٤٠٠ ألف من الجنود والضباط، من بينهم مليونان و٢٠٠ ألف عنصر يتواجدون في أوروبا، بينما تبلغ ميزانية دول الحلف حوالي تريليون دولار، وهي ٥١٪ من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي، الأمر الذي يضع كل الأحاديث حول مخاوف الناتو من تعرضه للخطر، موضع الشك. إن نبرة "الحرب الباردة" التي يتحدث عنها الجانبان الروسي من جهة والأمريكي – الأطلسي من جهة أخرى تجدد كل المبررات على خلفية ما يجري بين روسياوالولاياتالمتحدة في العديد من مناطق النزاع في أوروبا والشرق الأوسط. بل ويرى الخبراء العسكريون ومراكز الأبحاث الأمنية والعسكرية أن هناك بالفعل حربا باردة جديدة ولكن بمعايير وشروط تختلف عن ما كانت عليه الحرب الباردة القديمة بين المعسكرين الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق، والغربي بقيادة الولاياتالمتحدة. ويعلن الكثير من المحللين أن الحرب الباردة الجديدة تدور منذ عدة سنوات ولكن روسياوالولاياتالمتحدة والناتو ينكرون وجودها. وفي نفس هذا السياق، تتصاعد نبرة الحرب الباردة عندما يتعلق الأمر بما يجري في أوكرانيا ودول البلطيق وبولندا وبعض دول البلقان الجديدة التي انفصلت عن يوغسلافيا السابقة. والمعروف أن بولندا هي التي تتزعم "حلف" ردع روسيا وضرورة توسع الناتو شرقا ونشر قوات إضافة على الحدود مع روسيا. فقد اقترح وزير الخارجية البولندي فيتولد فاشكوفسكي إلغاء بند في الوثيقة المؤسسة للعلاقات بين روسيا والناتو الموقعة عام ١٩٩٧، الذي يلتزم فيه الحلف بعدم نشر "عدد كبير من قواته" في الدول التي التحقت بالناتو بعد تفكك الاتحاد السوفيتي. الخطير في الأمر أن فاشكوفسكي صرح، في مقابلة مع صحيفة "فيبوراجيه"، بأن الاتفاقية بين روسيا والناتو عام ١٩٩٧ حملت طابعا سياسيا، وقانونيا غير ملزم للتنفيذ من قبل الدول الأخرى. وفي خطوة نوعية أخرى على طريق الصراع بين حلف الناتو وروسيا، أعرب وزير الدفاع البولندي أنتوني ماتشيريفيتش، في وقت سابق، عن أمله بأن يصبح وجود قوات أمريكية في بولندا في وقت قريب وجودا دائما، وأن بولندا تعول على توسيع وجود هذه القوات و"التعزيز الحاسم لجناح الحلف الشرقي"، معولا نشر مزيد من مستودعات المعدات العسكرية الأمريكية في أراضي البلاد. في هذا الصدد تحديدا حذرت موسكو حلف الناتو من المغامرة في بولندا. وأعلنت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن بلادها تأمل من الحلف أن يتحمل كافة العواقب، التي ستترتب في حال إنتهاء الاتفاق الأساسي مع روسيا، وما يترتب منه من أثر في تدمير نظام السلامة والأمن. وفي نفس السياق قال مدير معهد القضايا الإقليمية بموسكو دميتري جورافلوف إنه في حال وضعت الولاياتالمتحدةالأمريكية سلاحها النووي في بولندا، سيدفع ذلك روسيا إلى اتخاذ إجراءات جوابية. وقال جورافلوف في مقابلة مع تلفزيون LifeNewsإن هذا من شأنه أيضا أن يطلق سباق تسلح جديد، بعد حوالي نصف قرن من نهايته. كما أوضح الخبير أن ذلك لن يضيف الكثير لبولندا لأنه فقط سيدر قليلا من المال على وارسو وسيجعلها تظن أنها باتت آمنة أكثر. وأعرب جورافلوف عن أسفه من الفكرة التي أصبحت تسيطر على عقول النخبة البولندية التي تتصور أن روسيا تستعد لغزوها. جورافلوف أوضح أنه كلما اقترب السلاح النووي من الحدود كلما باتت مواجهته أصعب لأن زمن التحليق سيكون أقصر، ولذلك فسيتعين على روسيا اتخاذ إجراءات عسكرية أكبر. وقال إنه إذا كانت بولندا تخشى اليوم من روسيا فإن التواجد العسكري الروسي عند حدودها سيزيد من خشيتها، مشيرا إلى أن ذلك سيكون "مسارا لا نهاية له وهو ما رأيناه في الخمسينيات والستينيات" من القرن الماضي. وشدد جورافلوف على أن المستفيد من كل ذلك هي النخبة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، لأن ذلك سيجبر روسيا على زيادة نفقاتها العسكرية لاتخاذ إجراءات جوابية، وبالتالي ستتوفر علة لرفع واشنطن كذلك ميزانية الدفاع.