أبدى الأستاذ محمد حسنين هيكل دهشة شديدة من الرئيس المخلوع مبارك الذى يحضر جلسات محاكمته محمولا على نقالة بينما صحته جيدة ويستطيع المشى والجلوس.. وأزيد: بل يستطيع الركض والعدو ودخول بطولة اختراق الضاحية أيضا.. ومعروف أن مبارك الذى يخلو من أى مزايا إنسانية أو بشرية يتمتع بخاصية مهمة تميزه عن الآخرين هى أنه من الناحية البدنية فى قوة الوحش الأسطورى، ويعود ذلك إلى الأدوية والخلاصات والنخاعات التى كانوا يجلبونها له على حساب شعب مصر. وقال الأستاذ هيكل فى حديثه ل«الأهرام» الذى نشر الجمعة 16 سبتمبر إنه شاهد مبارك فى المحكمة ممددا ويداه معقودتان على وجهه معظم الوقت، يريد تغطيته قدر ما يستطيع، وعيناه تلتفتان خلسة للنظر إلى ما حوله. وتساءل هيكل: لماذا قبل الرجل لنفسه هذه المهانة؟ ثم لماذا رضى أن ينام على السرير؟ ولماذا رد عندما سألته المحكمة كأى متهم عادى، كموظف سابق متهم بالاختلاس مثلا، ولم يحاول والميكروفون فى يده أن يقول كلمة مشرّفة للتاريخ، يعتذر، يشرح، يسجل، ينطق بكلمة يحترم بها نفسه؟ ويمضى هيكل: لم أجد تفسيرا إلا أن الرجل يتصرف فى إطار معين فى ذهنه لا يُحسن إليه ولا يحسن إلى غيره. من الواضح أن هيكل يفكر ويتحدث وفى خلفية ذهنه مشاهد ومواقف لعشرات الزعماء والقادة، الأحرار منهم والطغاة الذين التقاهم واقترب منهم وحاورهم على امتداد عمره المهنى الطويل، ولهذا فإن الأمر قد اختلط عليه وهو يتحدث عن مبارك وظنه مثل غيره من القادة يمتلك الشجاعة والنخوة والقدرة على المواجهة، وهذا فى ظنى سبب تساؤل هيكل العجيب: لماذا لم يقل والميكروفون فى يده كلمة مشرفة للتاريخ؟! هوّا مين يا عم هيكل الذى يقول كلمة مشرّفة للتاريخ؟ هل تظن نفسك تتحدث عن نابليون بونابرت فى أثناء محاكمته أو سلوبودان ميلوسوفيتش أو حتى صدام حسين؟ إننا الآن بإزاء زعيم عصابة درجة ثالثة لم يأخذ من سادة الجريمة المنظمة ذكاءهم وفطنتهم وقدرتهم على شراء صورة إعلامية زائفة عن أنفسهم، لكنه أخذ منهم الوحشية والفجاجة.. زعيم عصابة من السفلة والرعاع الذين لم يبذلوا جهدا فى مسح آثار جرائمهم والتغطية عليها كما يفعل قادة المافيا الكبار. أى كلمة للتاريخ كان هيكل يتوقعها من رجل لم يقرأ فى حياته كتابا ولم يشاهد فيلما أو يحضر عرضا مسرحيا أو أوبراليا أو حفلا موسيقيا؟ بأى أمارة جاءت توقعات هيكل من رجل عاش عمره يحتقر الفنون والآداب والفكر والثقافة، رجل ليست لديه رؤى أو أفكار أو اهتمامات تتجاوز ذاته المنحرفة.. رجل حكم مصر دون أن تكون له معرفة بالسياسة ولم ينتمِ فى حياته إلى حزب أو تنظيم كما لم يشارك فى أى عمل تطوعى أو خيرى.. رجل لا يملك إلا الغرائز البدائية التى تفصله عن دنيا البشر وتجعله يرانا فرائس طبيعية خُلقت لمتعته ليس أكثر؟ فى الحقيقة إن دهشة هيكل هى التى تدهشنا لأننا لم نتوقع من رجل فى حصافة أستاذ الصحافة والسياسة الكبير أن يجهل أن مبارك لا يشعر بأى مهانة كما يظن ولا يقاسى الندم كما قد يتوهم، وليس لديه أى استعداد للاعتراف أو الاعتذار، لأنه لا ينظر إلى سقوطه إلا على أنه سوء حظ، ولأنه فى تفشيخته السرمدية على السرير يشعر بسعادة قط كبير جائع لا يشغله إلا التفكير فى وجبة العشاء الفاخرة التى تنتظره بعد أن يعود من المحاكمة. إن طبيعة مبارك التى وضحت للجميع تجعلنى أظن أن هذا الرجل لا يشعر بأنه مَدين لأى أحد أو أى شىء فى هذا الكون قدر ما هو مَدين للبلادة الفطرية التى ستعبر به المحنة دون أضرار تذكر!