قلت لبرما ألا تخاف يوما يظهر فيه للناس تسريبات لمكالماتك التليفونية؟، قال برما: هذا يوم مرعب، و من الذى لا يخشاه في مصر، لقد لعب سنترال رمسيس دورا في التاريخ الحديث لا يقل تأثيرا عن الدور الذى لعبه رمسيس نفسه في وقته، ستكون مشكلة كبيرة أعتقد. قلت له :ما الذى تخاف أن يعرفه الناس عنك؟، قال: ليس للأمر علاقة بأسرار أو فضائح، لكنه مرتبط بان يدخل عليك الناس و أنت (ملط) فجأة بدون استئذان، أن يتأملونك وأنت غارق حتى أذنيك في التردد و أنت (بتعمل أوردر) شخص لا يستطيع أن يتخذ قرارا حاسما بخصوص إن كان يفضل الأوردر سبايسى أو عادى، شخص لا يستطيع حسم قرار من هذه النوعية فما بالك بالقرارات المصيرية، تفاهتك العظيمة و انت تبدى إمتعاضك من عدم وصول الطحينة الزيادة و غياب المخلل ، محاولة إستعراض أستاذيتك على الكبابجى في الطريقة التي يجب أن يسوى بها الكفتة، مشاجرتك التافهة مع كنتاكى لانك طلبت الوجبة كلها (صدور)، بينما الأوردر الذى وصل إليك كله (أفخاد)، اعترافك لرجل المطعم أنك لا تحب (الأفخاد)، هذه فضيحة، من الممكن ان يتربص بك أحدهم في الأجواء المجنونة التي نعيشها و يقتطع من المكالمة ما يجعل سيرة الصدور و الافخاد تسريبا جنسيا. كيف يمكن لأحد أن يتفهم محبتك لصديقك الذى تسأله في منتصف المكالمة (إنتى فين يا حبيبتى؟)، أو (قافلة تليفونك ليه يا كلبة؟)، اعرض مكالمة من هذا النوع على صاحب محل عصير ملك المانجة و الفراولة اللى في غمرة، و تأمل رد فعله. كيف لأحد أن يفهم فكرة أن مخزون البذاءة الذى تجهضه طوال الوقت احتراما للناس لابد أن يتم تفريغه أولا بأول حتى لا تنفجر، هذا المخرون الذى يكتم على أنفاسك تفرج عنه في حضرة الذين تحبهم معبرا مرة عن غضبك الشديد من أحدهم ب ( ده لما أشوفك هاعمل و هاعمل)، أو معبرا عن حماسك و إعجابك بفيلم (ابن ..) أو حكم كرة قدم ظالم يحتاج والده إلى عمل إختبار دى إن ايه إثباتا لحسن سير و سلوك الست أمه، أو معبرا حتى عن وجهات نظرك السياسية، ستتحول في عيون من يستمع إلى التسريبات على شخص بذىء اللسان لا يشبه النسخة المتاحة للعامة، و الحقيقة أننا جميعا لا نخلو من بذاءة، و لكن الفرق في القدرة على قيادتها، البذاءة تشبه الاندروير، هناك من لا يمانع في النزول إلى الشارع بالأندروير، وهناك من يحتاج لظروف خاصة و شروط صعبة حتى يفرج عن أندرويره. كنت أضحك بينما برما مسترسلا في كلامه. برما: بتضحك؟، طيب قل لى، كيف يمكن لأحد أن يتسمع لتسريبات تجعلك منافقا برخصة، تشكو لزوجتك من صديق ما، و في مكالمة أخرى تشكو لهذا الصديق تحديدا من زوجتك، كيف يمكن تفسير الأمر لكليهما؟، ستحتاج إلى معجزة لتشرح لكل منهما أن الأمر له علاقة بالمحبة، تشكو من شخص تحبه لشخص لتحبه، هذا سقف الشكوى عندك، هذه هي دائرة شكوتك لا تستطيع أن تغادرها، بس الكلام ده هتقوله في محكمة الأسرة. شخصان في مشكلة، تطلب من كل واحد منهما أن يأخذ الآخر (على قد عقله)، تفعل ذلك و لديك يقين أنك أذكى أخواتك وحمامة سلام، إذا استمعا كلاهما للتسريب ستكمل حياتك بعدها في سلام و لكن بدون حمامة. من سيفهم أن النميمة ساحرة؟، خمور تذهب العقول، تحتاج بعد أول كأس إلى معجزة لكى تتوقف، حكايات مجانية تتبادل نخبها مع صديق أو قريب في صحة الغائب، مرة للضحك، مرة للتحليل، مرة لإسترجاع الذكريات، مرة لمهاداة من يحدثك بسر مقابل سر قدمه لك، حكايات قد تراها غير مؤذية، لكنها ستصبح كذلك مع أول تسريب. يعتبر كثيرون ان الطبيب النفسى (صديق بأجر)، شخص يتلقى أموالا حتى يستمع إليك فتهدأ و يعود إلى خلايا روحك بعض الإنسجام، هناك أشخاص لا يكلفونك سوى أجر المكالمة، تحكى لهم ما لا تود ان يعرفه أحد لكن لابد أن يخرج إلى النور قبل أن (تفطس)، أحلامك، نقاط ضعفك، إحباطاتك، أشياء ندمت عليها، أفكار كثيرة تؤرقك تريد أن تدفنها عند شخص ما، كيف ستتعامل مع فكرة أن ما أردت أن تدفنه أصبح يعيش إلى الأبد، العالم كله يعرف الآن أنك كنت تنصب على أمك في موضوع فلوس كتب الجامعة، و أن أمين شرطة لم يعجبه ردك فأنزلك من الميكروباص و رزعك على قفاك، و أن أول واحدة اعترفت لها بحبك قالت لك: أنا أحبك أنت يا معفن؟، وهكذا. قلت لبرما: هل تعرضت لكل هذا؟ قال برما: لا يا عم أنت باقولك مثلا .. أنا اتعرضت لما اهو أنيل كثيرا، و بالمناسبة،على سيرة الدكاترة، يتصل الواحد أحيانا بأصدقائه الأطباء يستشيرهم في أشياء يشعر بالحرج من عرضها على أطباء آخرين، ستسمعك مصر كلها تدقق في السؤال عن الفرق بين ( الشرخ و البواسير)، أو تطلب ترشيحا لنوع معين من المقويات يجعلك تتشقلب كالجدى في غرفة النوم، أو تطلب نصيحة لعلاج مسألة مثل أنك ب( تريّل و انت نايم)، أو عن الحباية اللى طالعالك في مكان حساس. هذه أمور محرجة جدا و سيظل الناس يسألونك حتى تموت ( وإيه أخبار الحباية). حتى في السياسة، ستبدو في عيون من يستمع إلى التسريبات مجنونا أو منافقا لانك أحيانا لا تقوى على التورط في حوار، ليست لديك رغبة في الحديث، أو تؤمن أنه مافيش فايدة، فتكون النتيجة أنك تريح من يتحدث إليك حتى تنتهى سريعا، تريحه بكلمات تطمئنه ليحل عن سماك مهما كان كلامه فاسد المنطق غير موضوعى يقوم على الجهل و الفهلوة، فتقول (نعم و آه و يمكن و عندك حق) في خمس مكالمات متتالية لشخص يحب مبارك ثم شخص يحب المجلس العسكرى ثم شخص يحب وائل غنيم ثم شخص يحب الإخوان ثم شخص يحب السيسى ثم شخص يحب ياخد كل حاجة مع إن أمه محتاجه. هناك أشخاص سينفخونك بلا شك، شقيقك الذى أوشيت لأبيك عن الكارثة التي قام بها،أبوك الذى قلت عنه تبريرا لشقيقك الذى عرف بما فعلته أنك فعلت هذا لأن بابا شرانى و مجنون ، جارك الذى تبتسم في وجهه كل صباح بينما تعترف لصديقك أنك فصلت الكهرباء عن شقته (علشان التكييف اللى بينقط)،رئيسك في العمل الذى أعلنتها في حقه بصوت عال في مكالمة ما (مابيفهمش و مالوش فيها)، حماتك اللى مسخناها، فلان الذى يلاحق فلانة عاطفيا و هي (بتشتغله)، زميلك في العمل الذى يعانى من الغازات طول الوقت، خالك الذى نصب عليك في ميراث أمك، طبيبك المعالج (اللى طلع حمار)،الموظف الذى أنهى المهمة المستحيلة مقابل رشوة، فلان المعرفة الذى يعانى من متلازمة (شبعة بعد جوعة). قلت لبرما: هذا ملخص مكالماتنا جميعا. قال برما:لذلك هو أمر خطير، في التليفون الذى يحمله كل واحد حياة يعتقد انه يستطيع السيطرة عليها و على سريتها لأنها في حدود طرفين، كان هذا قبل ظهور هذا الشخص الذى تعرفه. قلت لبرما: قصدك ؟ قال برما: لا ماتخليش دماغك تروح بعيد .. قصدى أحمد التباع.