الرئيس السيسي يلتقي أحد الفلاحين بمدينة الفرافرة بالوادي الجديد، على هامش إطلاقه ل"نواة مشروع المليون والنصف مليون فدان". يبدو المشهد طبيعيًا حتى هذه اللحظة، إلا أن التصريحات التي أدلى بها "الفلاح" ل"التحرير" - أمس الأربعاء - كشفت أن المواطن "سيد أحمد سيد" ليس فلاحًا، وأن البقرتين والعنزات الخمس التي تواجدت برفقته في المنزل ليست ملكه، بل أن المنزل كله لا يخصه أيضًا. كشف "الفلاح" ل" التحرير" أنه يعمل موجهًا بوزارة التربية والتعليم، وأنه تم اختياره للقاء الرئيس بناءً على مسابقة أجرتها محافظة الوادي الجديد، بالتعاون مع الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة، والتي وعده رئيسها بالبقرتين والعنزات مقابل ظهوره ك"كومبارس" في "مسرحية" بائسة الإخراج والتنفيذ. ولكن بقليل من الذاكرة يمكننا ملاحظة أن هذه ليست المرة الأولى التي يستعين فيها مسؤولو الدولة ب"كومبارس"، لتمثيل أدوار معينة في حضرة أولي الفخامة والعظمة، بدلًا من الاستعانة بمواطنين واقعيين قد يستغلون وجودهم أمام الكاميرات للتحدث عن مشاكلهم الاقتصادية، أو توجيه استغاثات مما يكابدونه من مشاق في حياتهم، وهو ما قد يحرج رأس الدولة أمام أعين العالم أجمع، لذا.. فالكومبارس هو المنقذ. "الكومبارس الرسمي" في سبتمبر 2005، نقل التليفزيون المصري مشاهد من زيارة الرئيس المخلوع، حسني مبارك، لمحافظة المنيا. كانت الزيارة تبدو عفوية، والرئيس يدخل بيت أحد المواطنين ويجلس ويتناول معه الشاي، ليمتدح المذيع بساطة الرئيس وحكمته، إلا أن جريدة "الدستور" كشفت في النهاية أن كل ما جرى لا يعدو كونه مجرد "تمثيلية" لا أكثر، وأن هذا "الفلاح" موظف مدني على المعاش بوزارة الداخلية، واسمه "فتحي مراد". كما كشفت الجريدة أن هذا المواطن هو "الكومبارس" المعتمد من الدولة، والذي يتم استخدامه في استقبال جميع المسئولين، وكان الرجل دائمًا ما يلقي قصيدة شعر ترحيب بالضيف المسئول، مع تغيير اسمه في كل مرة. "الفلاحين الكاجوال" وخلال زيارة الرئيس المخلوع لإحدى قرى البحيرة، التقى عددًا من "الفلاحين" المفترضين، ولكن هيئة المواطنين لم تكن معبرة عن الصفة التي ألصقها بهم الإعلام الرسمي، حيث ظهروا مرتدين قمصان وبناطيل، بينما كانت هناك فلاحة ترتدي "تيير"، فخرج المشهد عبثيًا، وزاد من عبثيته رجل أمن في الخلفية يرتدي جلبابًا ويمسك بيده منجلًا، ويجاهد من أجل الظهور في المشهد المسرحي، وكالعادة كان لابد للرئيس أن يتناول الشاي مع الفلاحين. "شاي الرئاسة" نفس كوب الشاي، تناوله مبارك مع مواطن، قال عنه التليفزيون المصري إنه من محافظة سوهاج، وفي منزل هذا المواطن جلس الرئيس المخلوع، بينما دخلت الزوجة حاملةً كوب شاي وآخر به ماء، غير أن أنباءً ترددت وقتها عن أن هذا الشاي قد أحضره مسؤولو الرئاسة، وليس من صنع السيدة. وكان محمد عبد الفتاح٬ المصور الخاص لمبارك، قد كشف في حوار صحفي سابق أن الزيارات التي كان يجريها الرئيس المخلوع لقرى ونجوع صعيد مصر كانت كلها مرتبة ومعدة مسبقًا "إعدادًا سينمائيًا"، لدرجة أنه كان في بعض الحالات يُعاد تصوير المشهد أكثر من مرة، حتى الوصول إلى المشهد المطلوب عرضه أمام أعين المواطنين الذين لا يتخيل الكثير منهم أنهم أمام "مسرحية" هزلية، وأن كل من على المسرح ليسوا سوى ممثلين بائسين محدودي الفكر والإبداع.