حقوقيون: ملاحقات إدارية بمغزى سياسي.. سوء النية واضح يبدو أن الكثير من المتاعب فى انتظار مراكز الثقافة المستقلة، خلال الأيام المقبلة، فقد داهمت قوات الأمن دار ميريت للنشر، اليوم الثلاثاء، ومن قبلها مؤسسة تاون هاوس ومسرح روابط، بدعوى وجود مخالفات إدارية، وفى تراخيص المركزين. وأسفرت الحملتان عن مصادرة بعض المعدات من دار ميريت، وإغلاق مسرح روابط وقاعات تاون هاوس جاليرى، الأمر الذي دعا عدد من المثقفين والحقوقيين إلى اتهام الأجهزة الأمنية بالتربص للمؤسسات الثقافية، ومحاولة التضييق عليها؛ بغرض إسكات الأصوات المعارضة، مع اقتراب ذكرى ثورة يناير. وصرح الناشر محمد هاشم، بأنه رغم أن هذه الإجراءات تبدو إدارية، لكن مغزاها سياسي بالأساس، معقبًا: "لن ترهبونا، يبدو أن السلطة لم تتعلم الدرس، فنحن لا نخاف ولا نتراجع، مهما حاولوا". وربط هاشم، في تصريحات ل"التحرير"، بين مداهمة دار ميريت، والفعاليات التي تقدمها هذه الأيام، وأبرزها التضامن مع الشاعر الفلسطيني أشرف فياض، في مواجهة حكم الإعدام الذي تعتزم السلطات السعودية تنفيذه فيه، وقال: "سنفضح الفاسدين في ندوة مناقشة كتاب (فودكا) الصادر عن ميريت، للكاتب أشرف عبد الشافى الليلة، كما سنفضح الجلادين في السعودية وسنستمر في تضامننا مع فياض، وسنظل نحلم بوطن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية". وكانت مباحث المصنفات الفنية قد قررت إغلاق عدة أماكن ثقافية، منها مركز الصورة المعاصرة "cic" بوسط البلد، في نوفمبر الماضي، واعتقال أحد العاملين فيه، ثم توجيه اتهامات إلى رئيس مجلس إدارته، ومن قبل "الصورة المعاصرة" عدة مراكز ثقافية أخرى، ففي أغسطس ٢٠١٤، مُنعت فعالية الفن ميدان، التي ظلت تنعقد بعد ثورة يناير لمدة عامين، كما تم اقتحام شركة زيرو برودكشن، أغسطس الماضي، واعتقال المخرج تامر السعيد لمدة قصيرة. وعلقت بسمة الحسينى، مديرة مؤسسة المورد الثقافي، التي أنهت عملها في مصر مطلع 2015، بأن هناك حالة من تصيد الأخطاء بناءً على القرارات والقوانين التى أصدرتها وزارة التضامن، خلال الفترة من يوليو إلى أكتوبر ٢٠١٤، معقبة: "هذه القرارات والقوانين تجرم الكيانات الثقافية غير الهادفة للربح وتهدد بسجن العاملين فيها وداعميها". تابعت: "في كل حالات المنع والاقتحام والاعتقال والإغلاق هذه استخدمت أسانيد قانونية يبدو أن لا علاقة لها بالسياسة مثل المصنفات الفنية - الضرائب - القوى العاملة - تنظيم الشوارع إلخ، وفي كل مرة يتضح لاحقاً أن هذه الأسانيد مزيفة وأنه ليست هناك مخالفات قانونية، والأدهى أن حتى هذه المخالفات القانونية لو وجدت لا تستتبع لا الاعتقال ولا الإغلاق ولا الاقتحام ومحاصرة الأماكن بقوات أمنية". ويتفق المحامى والناشط الحقوقى محمود قنديل، مع هذا الطرح قائلًا إن سوء النية واضح في تصرف الأجهزة الأمنية، ف"لو كانت الدولة جادة فى موضوع تصحيح المخالفات الإدارية لكانت أنذرتهم بوجود هذه المخالفات أولا، لكن واضح إن هناك حالة تربص". تابع قنديل: "لا يمكن أن نقرأ الموقف بعيدا عن السياق العام للحقوق والحريات فى مصر، وحالة الاضطراب التى تعترى الأجهزة الأمنية بسبب اقتراب موعد ذكرى ثورة يناير، كما أن تلاحق الأحداث فى عدة أماكن يدل على أنه ليس تصرفا فرديا لموظف، وأن جهة ما تدير الموقف". وكانت التحرير انفردت صباح اليوم بتصريحات مدير عام مؤسسة تاون هاوس ياسر جراب والتى استبعد فيها أن يكون قرار إغلاق المسرح سياسيا، وقال أن ن إغلاق المسرح جاء بقرار من جهات إدارية من الحى التابع له المؤسسة، وأن بعض تحفظات الجهات الإدارية تبدو منطقية لكن كان يجب إنذارهم بها قبل قرار الإغلاق. وقال جراب: "أجاهد لإتمام الإجراءات القانونية المطلوبة وهى تراخيص لم نكن نعلم بضرورة استخراجها من قبل، لكن تحفظى الوحيد هو على أنهم لم يمهلونا فرصة مناسبة لإتمام هذه الإجراءات". واستبعد جراب أن يكون هناك تربص بمؤسسة تاون هاوس سياسيًّا، وهى المؤسسة التى بدأت عملها منذ 1998 وقدمت مئات العروض الفنية والمعارض، وقال : "لم ألحظ أى تشدد أمنى بل على العكس كانت الجهات الأمنية تؤمن المسرح فى حالة استضافة فنانين أجانب أو سفراء". وأضاف أن بعض تحفظات الجهات الإدارية تبدو منطقية كتأمين خطة هروب للعاملين فى حالة الطوارئ، وقال :"لسنا متحفظين على هذا الحرص، لكن كان يجب أن يعطونا فرصة لتنفيذ هذه الشروط الجديدة بدلًا من إغلاق المكان، فنحن لسنا محلًا تجاريًّا بل مكان ثقافى يهدف للتنمية ومرتبطون بجداول وعروض". فى الوقت نفسه تحفظ جراب على أى إجراء للتضامن مع تاون هاوس، وقال :"ما يحتاج المثقفون فعلا للالتفاف حوله الآن هو تنفيذ الاستراتيجية الثقافية، التى استغرقت حوالى عام ونصف كامل من المناقشات بين الجهات الحكومية وبين المؤسسات المجتمع المدنى المعنية بالتنمية الثقافية ولم تنفذ". وأضاف ياسر أنه لا يستطيع الجزم بأن المشكلات التى تعانيها مراكز ثقافية تعرضت خلال الفترة الماضية هى نفس التى تواجهها روابط الآن، وقال :"صحيح أننا مؤسسات شبيهة فى الهدف، لكن طبيعة نشأتنا مختلفة، لذلك لا يمكن الجزم بأن أوجه القصور واحدة، لكن أعتقد لو تم تنفيذ مسودة الاستراتيجية الثقافية 2030 والتى شاركت فيها كل المؤسسات المعنية بالعمل الثقافى الذى نحتاجه جميعا، لن تكون هناك مشكلة كتلك التى نواجهها الآن، فالمسودة تغطى كافة أوجه العمل الثقافى". واختتم ياسر بضرورة أن تتكامل الجهود بين الجهات الثقافية الحكومية وجهات العمل الثقافى المستقلة، لأن ذلك لو حدث فسيحقق الطرفان نجاحا كبيرا، وقال :"كلنا أبناء وطن واحد، ولابد أن نتعاون لا أن نتصيد الأخطاء لبعضنا البعض".