محمد بوعزيزي "أيقونة الثورة التونسية" أشعل النار في نفسه لينتقم من الفقر والبطالة والحياة المزرية التي كان يعاني منها ليس فقط الشباب التونسي بل شباب معظم دول الشرق الأوسط قبل ثورات "الربيع العربي" في الحقيقة لم يكن محمد بوعزيزي يعلم أنه لن يشعل النيران في نفسه فقط، بل في حكام دول الوطن العربي ليتركهم بين هارب من بلده و خائف على عرشه ومحاصر في سجنه ومختبأ في عرينه. لم يكن "بوعزيزي" الذي كان يبلغ من العمر 17 عامًا حينها، عندما قرر إشعال النيران في جسده قائدًا للمعارضة أو سياسيًا أو حتى ثائرًا بل كان شابًا مرحًا أجبرته ظروف حياته القاسية على العمل في سن العاشرة ليقضي حاجة أسرته المكونة من 9 أشقاء التي توفى عائلها حينما كان عمر محمد 3 سنوات فقط. وبالرغم من أنه لم ينه دراسته الثانوية، كان محمد يشجع أشقاءه دائمًا على إكمال دراستهم وتحقيق ما أجبرته الظروف على تركه، وكيف ذلك وهو كل ما كان يستطيع الحصول عليه 140 دولار شهريا بعد بيع الخضار والفاكهة في شوارع سيدي بوزيد. طرق محمد العديد من الأبواب بحثًا عن عمل ثابت، ولكنه لم يوفق، كما حاول التقدم للجيش عدة مرات أيضًا ولم يقبل، فاضطر للعمل في بيع الخضار والفاكهة آملا أن يستطيع الحصول على سيارة تساعده في عمله، ولكن في ظل النظام الوحشي الذي كانت تعاني منه تونس، لم تصبر الشرطة على محمد كثيرًا، ففي فجر يوم 17 ديسمبر 2010 اعترضت عناصر من الشرطة عربة الفاكهة التي كان يجرها محاولًا شق طريقه إلى سوق الفاكهة وحاولوا مصادرة بضاعته. وحينما رأى عم "البوعزيزي" الواقعة، هرع لنجدة ابن أخيه وحاول إقناع عناصر الشرطة بأن يدعوا الرجل يكمل طريقه إلى السوق طلبًا للرزق، ثم ذهب العم إلى مأمور الشرطة وطلب مساعدته، واستجاب المأمور وطلب من الشرطية فادية حمدي التي استوقفت البوعزيزي برفقة شرطيين آخرين أن تدعه وشأنه، ولكنها استشاطت غضًبا لاتصال عم البوعزيزي بالمأمور. ذهبت الشرطية فادية حمدي إلى السوق مرة أخرى في وقت لاحق، وبدأت مصادرة بضاعة البوعزيزي ووضعت أول سلة فاكهة في سيارتها وعندما شرعت في حمل السلة الثانية اعترضها البوعزيزي، فدفعته وضربته بهراوتها، ثم حاولت الشرطية أن تأخذ ميزان البوعزيزي، وحاول مرة أخرى منعها، عندها دفعته هي ورفيقاها فأوقعوه أرضًا وأخذوا الميزان، بعد ذلك قامت الشرطية بتوجيه صفعة للبوعزيزي على وجهه أمام حوالي 50 شاهدًا. عندها عزى على "البوعزيزي" نفسه وانفجر يبكي من شدة الخجل، وبحسب الباعة وباقي الشهود الذين كانوا في موقع الحدث، صاح البوعزيزي بالشرطية قائلًا: "لماذا تفعلين هذا بي؟ أنا إنسان بسيط، لا أريد سوى أن أعمل". وسرعان ما وقف البوعزيزي أمام مبنى البلدية وسكب على نفسه مخفف الأصباغ وأضرم النار في جسده، واشتعلت النيران، ولم تصل سيارة الإسعاف إلا بعد ساعة ونصف من إشعال البوعزيزي النار في نفسه، ليتم نقله إلى مركز الإصابات والحروق البليغة ببنعروس, حيث زاره زين العابدين بن علي في محاولة لتهدئة الأوضاع وإمتصاص الغضب الشعبي، ولكن بعد فوات الأوان فقد اندلعت الثورة في جميع أرجاء تونس. وبعد صراع يائس مع آثار النيران تركت روح بو عزيزي جسده المحترق لتصعد لخالقها 4 يناير 2011، فلم تصبر لرؤية نتائج فعلته التي كان إسدال الستار على حكم بن علي المتواصل بالحديد والنار دام ل23 سنة، بعد عشرة أيام فقط من وفاة البوعزيزي.