أتى الغزو الأمريكي للعراق، بالخراب والويلات على الشعب العراقي، والوضع العام فى المنطقة العربية، وتحولت القضية الفلسطينة من قضية محورية لدى الدول العربية، إلى قضية هامشية لانشغال كل دولة بمشاكلها الداخلية الخاصة. وهنا نطرح سؤال، سنحاول الإجابة عليه، ماذا لو لم يسقط صدام حسين؟ ظهور داعش لم يكن لتنظيم الدولة الإسلامية، أن يظهر في ظل النظم الأمنى القوي الذي اتبعة صدام حسين في العراق، فقد اعترف بالجماعات السلفية، ولكن وضعها تحت رقابها شديدة من أجهزة الأمن حتى لا يفلت منه زمام الأمور. الأكراد لم للأكراد أن يحلموا بأكثر من سقوط نظام صدام، وهو العدو التاريخي لهم، وبسقوطه تم تغيير الدستور وأصبحت العراق دولة فيدرالية، وأعُطى الأكراد، سلطات مطلقة في إدارة الإقليم، وزيادة قوات البشمركة الكردية حتى أصبحت تشابه الجيوش النظامية، تحصل على مخصصات من خزينة الدولة العراقية، وأعلن قادة الإقليم عن رغبتهم في توسيع السيطرة لضمة أراضي لم تكن راية الإقليم مثل كركوك، وتمكن الأكراد من إقامة علاقات دبلوماسية خارجية، وفتح قنصليات في داخل الأقليم، ولهم ممثليات دبلوماسية في الخارج، وبذلك تبلور حلم الدولة الكردية في شمال العراق. إيران الدولة الفارسية هي العدو اللدود لصدام حسين، حاربها ثماني سنوات في حرب الخليج الأولى، التي بدأت في سبتمبر 1980 حتى أغسطس 1988، وخلفت نحو مليون قتيل وخسائر مالية بلغت 400 مليار دولار أمريكي، وبسقوط صدام سيطر النظام الملالي في طهران، على مقاليد صناعة القرار في بغداد عن طريق قيادات شيعية موالية للمذهب ألأثنى عشري، وأصبحت العراق مجرد ساحة خلفية لتنفيذ الخطط الطائفية الإيرانية في المنطقة، كما تمكنت من تكوين مليشيات مسلحة موالية لها في الأراضي العراقي، حتى خرج مساعد الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني، بالقول "إن الإمبراطورية الفارسية عاصمتها بغداد"، وهذا يوضح كم تمكنت طهران من السيطرة على مقاليد السلطة العراقية. الوضع الاجتماعي أصبح الوضع الاجتماعي في عراق ما بعد صدام، في غاية السوء، فغابت الدولة على تقديم الخدمات الأساسية، كالتعليم والكهرباء والمياه النظفية حتى ظهرت أوباء قديمة مثل الكوليرا، واختلت التركيبة الاجتماعية بين طوائف متناحرة "سنة وشيعة وأكراد وتركمان وسريان وغيرها"، ورفع الكل السلاح في وجه الكل، وتفكك المجتمع داخليًا. الطائفية تم وضع دستور طائفي بامتياز "دستور بول بريمر"، حيث قسمت السلطات الرئيسية في الدولة بين الشيعة "رئيس الوزراء" والسنة "رئيس البرلمان" والأكراد "رئيس الدولة وهو منصب شرفي"، وتم وضع كل السلطات في يد رئيس الوزراء "الشيعي" فهو رئيس السلطة التنفيذية، والقائد الأعلى للقوات المسلحة. القوة الاقتصادية يبلغ دخل المواطن العراقي الآن 3.500 دولار سنويا، وهو أقل ماكان عليه في ما قبل الحرب، وتهاوى الدينار العراقي "القوي في عهد صدام" أمام الدولار، وأصبحت الميزانية تضع بالدولار بسبب ضعف القيمة المالية للدينار، حيث يساوي الدولار الامريكي 1107.1 دينار عراقي. الجيش العراقي بعد غزو العراق مباشرة، كان أول عمل قام به الحاكم الأمريكي بول بريمر، هو حل الجيش العراقي، المكون من أربعمائة ألف جندي، متجاهلا نصائح البعض وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية، بالإبقاء على الجيش العراقي، وكانت ذريعة الأمريكيين لاتخاذ تلك الخطوة أن الجيش يدين بالولاء للنظام السابق، وأنه لا حاجة له في وقت يتواجد فيه مئة وخمسين ألف جندي من قوات التحالف على الأراضي العراقية. وبعد ثلاثين يوما فقط من قرار حل الجيش، في 32 مايو 2003 ، جاء القرار الثانى لبول بريمر أيضا بشأن الجيش العراقي، لكنه قضى هذه المرة بإعادة بناء وتشكيل هذا الجيش، وتم تكوين الجيش الجديد من مليشيات طائفية، لم تعرف الولاء نحو الدولة القومية، وهو ما ظهر جليا في معركة سقوط الموصل في أيدى تنظيم الدولة، حيث تمن 800 مقاتل فقط من التنظيم من السيطرة على المدينة، وسط انسحاب مذل لقوات الجيش العراقي. القتلى أولت بعض المراكز الغربية المتخصصة في الإحصاءات والدراسات الميدانية الوضع العراقي الأمني اهتماما خاصا، مثل مركز استطلاعات الرأي (ORB) ومقره لندن ومجلة لانسيت البريطانية (The Lancet) المتخصصة في الطب. ففي استطلاع أجراه مركز (ORB) استند على مقابلات ميدانية تبين أن حصيلة القتلى العراقيين بلغت 1.033مليون قتيل منذ الاحتلال عام 2003. وتغطي نتائج الاستطلاع فترة تمتد من مارس 2003 حتى أغسطس 2007، ويقدر هامش الخطأ فيه بنسبة 1.7%. ولأسباب أمنية لم يشمل الاستطلاع الأنبار وكربلاء كما منعت السلطات الكردية فرق الاستطلاع من إجراء عملها في أربيل. وفي بغداد وحدها فقدت 40% من الأسر أحد ذويها، كما أن نسبة 40% من القتلى أصيبوا بالرصاص الأميركي ونسبة 21% ماتوا بسبب سيارات مفخخة و8% قتلوا في غارات جوية ونسبة 4% أودوا بسبب صدامات طائفية بينما أودت نسبة 4% بسبب حوادث. وضع المنطقة أصبحت كل البلدان العربية، تمر بوضع مرير، وظهرت الجماعت الإرهابية في مصر وبلاد المغرب العربي وبلاد الشام، وأصبحت الدولة تنظر إلى لوضعها الداخلي، بعيدا عن أى قضايا أخرى. فلسطين خسرت القضية الفلسطينية، واحد من أكبر الداعمين الإقليميين عسكريا وسياسيا، وبمرور الوقت تحولت من قضية العرب المركزية إلى الهامش، بسبب الاضطربات الداخلية في أغلب بلدان الوطن العربي. إسرائيل مثّل سقوط صدام، وحل الجيش العراقي، هدية قيمة للدولة العبرية، فقد كان الجيش العراقي، أقوى جيوش المنطقة، والخطر الأول الذي يهدد الكيان الصهيوني، لا سيما بعد توقيع معاهدة السلام مع مصر. أمريكا وضعت أمريكا يدها على صناعة النفط العراقي، وأشارت الإحصاءات إلى أن أسعار النفط الخام، قد ارتفعت أكثر من ثلاثة أضعاف وتصاعدت أرباح شركات النفط الأمريكية الكبرى من 40 مليار دولار أمريكى إلى 121 مليار دولار مع انهيار نظام صدام. وفي المقابل خسرت بسبب الحرب ما يربو على 4000 جندى، خلال الحرب وما بعدها, وعاد إلى الوطن حوالى 30 ألف من المعوقين، ووصل حجم الإنفاق العسكرى إلى 12 مليار دولار شهريا. وكلفت الحرب ما يصل إلى 1700 مليار دولار، خلال عشر سنوات. المسيحيين قالت جريدة لاستامبا الإيطالية، إن بسقوط نظام صدام حسين، تغير أحوال العراق نحو الأسوأ بدأ في يوم الأحد 1 أغسطس 2004، عند شن سلسلة الهجمات الارهابية ضد الكنائس المزدحمة بالمصلين في الموصل وبغداد بعد أن مضى 16 شهرًا من وصول القوات الأمريكية إلى بغداد، وهو ما أكد ما قاله البطريرك السابق عمونائيل ديلي في الفترة السابقة لحرب 2003: "بالطبع لا يروقنا دكتاتورية صدام على الإطلاق، لكن على الأقل كان يضمن الدفاع عن المسيحيين. وبعده حدثت لنا كارثة". ومنذ ذلك اليوم انخفض عدد المسيحيين العراقيين من حوالي مليون ونصف إلى نحو 450 ألف مسيحي، وتركز أغلبية المسيحيين في بغداد، ثم هاجروا إلى الخارج، أو هربوا في مقاطعة نينيفي جنوب المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، بالقرب من الموصل ومجموعة القرى حول قرقوش، وأشارت الجريدة إلى أن هناك حوالي 200 ألف مسيحي الآن في المنطقة، وفي الموصل، بعد التعرض لهجمات خطيرة، انخفض العدد من 130 ألف في عام 2003 حتى 10 آلاف منذ عام مضى، ويبدو إنه انخفض إلى أقل من ألفين شخص، حسب ما ذكرته الجريدة الإيطالية، كل ذلك قبول ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، الذي قتل وهجر مسحيي الموصل.