جامعة جنوب الوادي تدعو طلابها للمشاركة في "مسرح الحياة" لتعزيز الدمج المجتمعي    وزير الري يبحث إضافة مواقع سياحية جديدة لمنظومة السد العالي -صور    الكلية الفنية العسكرية تعلن بدء تلقي المقترحات البحثية للحاضنة التكنولوجية للأطراف الصناعية    ارتفاع مؤشرات الأسهم الآسيوية بعد خفض الصين أسعار الفائدة    البحيرة.. إزالة 200 حالة إشغال طريق في دمنهور    رئيس الوزراء خلال افتتاح مصنع سوميتومو: السوق المصرية تمتلك جميع الإمكانات والمقومات الاستثمارية    وزارة الصحة تترأس جلسة نقاشية رفيعة المستوى حول الصحة والمناخ استعدادا لمؤتمر COP30    هبوط جديد في سعر الفراخ البيضاء.. كم سجلت أسعار الدواجن اليوم الثلاثاء 20-5-2025؟    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الثلاثاء    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الثلاثاء    «إيلاب» تحقق أعلى إنتاجية بتاريخها من مادة اللاب خلال 2024    بعد تهديد فرنسا وبريطانيا وكندا بمعاقبتها.. هل تكترث إسرائيل بضغوط المجتمع الدولي؟    هيئة البث الإسرائيلية نقلا عن مصدر مطلع: المحادثات مع حماس تدار بشكل غير مباشر ويديرها ويتكوف ونتنياهو ودرمر    مصر كانت وستظل في مقدمة المدافعين عن فلسطين.. ورفض التهجير موقف لا يقبل المساومة    تونس وقطر تؤكدان وقوفهما مع الفلسطينيين ورفض تهجيرهم    مهند علي يكشف حقيقة مفاوضات الزمالك    الأهلي يواجه الزمالك في المباراة الفاصلة لحسم التأهل لنهائي دوري سوبر السلة    الأهلي يواجه الزمالك لحسم المتأهل لنهائي دوري سوبر السلة    محافظ بورسعيد يوافق على تأجيل قبول استقال كامل أبو علي من رئاسة المصري    متحدث الزمالك: لن نتوقف عن التصعيد بشأن أزمة نقاط القمة.. ومتضامنون معنويًا مع بيراميدز    "رمز حقيقي".. أول رد من الزمالك على تمرد السعيد.. والتضامن مع بيراميدز    ضبط 4 عناصر إجرامية بتهمة غسل 50 مليون جنيه من تجارة المخدرات    تحقيقات واقعة سرقة نوال الدجوي: الأدلة الجنائية ترفع البصمات.. والنيابة تستمع لأقوال الشاكية    فيديو.. الأرصاد تحذر من إثارة الرمال والأتربة اليوم في بعض المحافظات    المشدد 6 سنوات لتشكيل عصابي للاتجار بالآيس المخدر في الشرابية    بعد تداول فيديو.. ضبط قائد سيارة حاول الاصطدام بسيدة على محور 30 يونيو    ضبط 6 أطنان دقيق مدعم في حملات لمكافحة التلاعب بأسعار الخبز    جميع المواد.. النماذج التجريبية للثانوية الأزهرية 2025    الصحة: إغلاق عيادة للتجميل وتركيب الشعر الصناعي بالعجوزة للعمل دون ترخيص ويديرها منتحل صفة طبيب    القومي للترجمة يصدر النسخة العربية من كتاب أوراق منثورة    أحمد الإبياري يحيي الذكرى الرابعة لرحيل سمير غانم: «الزهر لما يلعب» آخر مسرحياتى معه    الليلة.. عرض ربع ولاد حساس على مسرح قصر ثقافة الزقازيق و«الشيطان» في ختام الموسم غدا    جامعة القاهرة: تعزيز التعاون المصري الصيني في إدارة المستشفيات    لعلاج النحافة المزعجة.. 7 أطعمة لزيادة الوزن بشكل صحي وآمن    نتنياهو: أدين بشدة تصريحات يائير جولان ضد إسرائيل وجيشها    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى.. وقوات الاحتلال تعتقل 10 فلسطينيين من الضفة    في ذكرى وفاتها.. ميمي شكيب أيقونة الشر الناعم وسيدة الأدوار المركبة التي أنهت حياتها نهاية غامضة    المتحف المصري الكبير يستضيف فعاليات ملتقى التمكين بالفن    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    مدرب وادي دجلة: أتحفظ على قرار إلغاء الهبوط لهذا السبب    وزير التعليم العالي يبحث مع سفيرة قبرص دعم علاقات التعاون الأكاديمي والبحثي    منظمة الصحة العالمية تعلن قضاء مصر على طفيليات الملاريا البشرية    طريقة عمل الفراخ البانيه، بقرمشة لا مثيل لها    وزير الصحة يبحث مع نظيرته السلوفينية التعاون فى العديد من المجالات الطبية    ترامب يلمح إلى إخفاء إصابة بايدن بسرطان البروستاتا عن الرأي العام    العريس جاهز وهتولع، مسلم يحتفل اليوم بزفافه على يارا تامر بعد عدة تأجيلات وانفصالات    رحيل "أم إبراهيم"... الدراما السورية تودّع فدوى محسن عن 84 عامًا    ياسمين صبري تكشف كواليس تعاونها مع كريم عبدالعزيز ب«المشروع X»    «أكبر خطيئة وتستلزم الاستغفار».. سعد الهلالي عن وصف القرآن ب الدستور    ماذا تفعل المرأة في حال حدوث عذر شرعي أثناء أداء مناسك الحج؟    منذ فجر الاثنين.. 126 شهيدا حصيلة القصف الإسرائيلي على غزة    وزارة العمل تعلن توافر 5242 فُرص عمل في 8 محافظات    5 أيام متواصلة.. موعد إجازة عيد الأضحى 2025 في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    ملف يلا كورة.. حل أزمة قيد الزمالك.. ومفاوضات الأهلي لشراء العش نهائيًا    فضل حج بيت الله الحرام وما هو الحج المبرور؟.. الأزهر للفتوى يوضح    الإفتاء: لا يجوز ترك الصلاة تحت اي ظرف    «ليست النسخة النهائية».. أول تعليق من «الأعلى للإعلام» على إعلان الأهلي (فيديو)    سامي شاهين أمينا للحماية الاجتماعية بالجبهة الوطنية - (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن الرجال المنفوخين محمود عبد الشكور
نشر في التحرير يوم 07 - 05 - 2013

ربما يكون من أبرز سمات التجربة الإخوانية فى الحكم، أنها دفعت إلى السطح بعدد معروف من أولئك الرجال «المنفوخين فى السُّترة والبنطلون» على حد وصف الراحل العظيم صلاح جاهين، ذلك أنه أتحفنا برباعية شهيرة قال فيها: «وَلَدِى إليك بدل البالون ميت بالون/ انْفخ وطرقع فيه على كل لون/ عساك تشوف بعنيك مصير الرجال/ المنفوخين فى السُّترة والبنطلون».
توهم البعض، بسبب الصعود الإخوانى السريع، أن قطار المستقبل المنطلق يرتدى العباءة والجلباب، فأخذوا يحجزون مقاعدهم، ومثل الفراشات الملونة الزاهية، انجذبوا إلى النور، فتحوّل فجأة إلى نار أحرقت كل تاريخهم، ضاعت الهيبة والمكانة، وأصبحنا أمام التجسيد الحى لرباعية جاهين، مضافًا إليها مقولة المفكر الفرنسى مونتسكيو الشهيرة «إذا أردت أن تعرف الإنسان على حقيقته.. فامنحه سُلطة».
لم نكن نعرفهم على حقيقتهم، كانت النفخة كذابة، أدهشتنى أسماء، ولم تدهشنى أسماء أخرى، ولكن الجميع لم يحتاجوا، عند أول اختبار، إلا إلى دبوس صغير، لنسمع فرقعة مدوية مثل انفجار بالونة الأطفال، التى كانت هناك، ثم أصبحت فجأة أشلاءً لا تصلح لأى شىء، كان أسوأ من فضيحة التنكر للمبادئ، أنهم تصرفوا بالفعل مثل الأطفال، ألم تشاهد يومًا صغيرًا يبكى منزويًا خائفًا من العقاب، ويهتف بك: «ماليش دعوة.. همّا اللى قالوا لى»؟ ألم تجد طفلًا جبانًا ذات يوم يرمى بالمسؤولية على «الواد العبيط اللى كان بيلعب معاه»؟ ألم تستحضر فى ما مرّ بنا من مهازل وفضائح سياسية وقانونية ذلك «العيّل» الذى ضحكوا عليه، وأخذوا منه كل ما كان فى حصّالته من النقود؟ ألم تتذكر (بذمّتك) هذا الولد الذى ذهب لمشاهدة صندوق الدنيا، فتاه فى السكة، ولم يستطع العودة إلى البيت؟
إنما هى السلطة الزائفة أو القناع الخادع، فإما أنهم هُواة مقاعد ومناصب، وإما أنهم خدعوا الناس بشعارات لا يعتقدون بها، أو ربما كانوا يدافعون عن تيار لا عن مبدأ، فلما انقلب التيار على المبدأ، انقلبوا هم، أو لعلهم اعتقدوا أن مَن منحهم المنصب لن يبيعهم، ظنوا أنه سيدافع عنهم، نسوا أن «من له ثمن لا يمكن أبدًا أن يؤتمن»، وتناسوا مصير مبارك ورجاله فى القفص، لم يقرؤوا التاريخ ليعرفوا أن هناك أسماء اشتهرت بالمواقف والمبادئ، ثم انقلبت على نفسها، فانتهت إلى سوء الخاتمة، فلما أرادوا التكفير صادقين عما أجرموا، لم يصدقهم أحد، لم تتسع لهم سوى صناديق قمامة التاريخ، وهى (لو تعلمون) أكثر عددًا من صناديق القمامة فى شوارع القاهرة الكبرى.
كل نظام كان يلعب نفس اللعبة، يجتذب أصحاب التاريخ الأبيض ليمرّر من خلالهم ما يريد، ثم يلقى بهم عند أول ناصية، ولكن عدد الرجال المنفوخين هذه الأيام أصبح لافتًا وكبيرًا، يمكن أن تلوم انتهازية النظام مرة، ولكن يجب أن تلوم الرجال المنفوخين ألف مرة. لا تستطيع أن تتعاطف مع شخص لم يتعاطف مع نفسه، وليس معقولًا أن تشترى سُمعة، قام صاحبها ببيعها للسلطان، وبثمن بخس، وليس من المنطق أن تدافع عن شخص بحجة أنه كان مخدوعًا، القانون كما نعلم لا يحمى المغفلين ولا المخدوعين، ولا تستطيع أن تنسى أن هؤلاء «الرجال» قلبوا الباطل حقًّا، وأرادوا تسويق الكذب والخداع، بل إنهم كرروا حرفيًّا ما كان يفعله نظام المخلوع، وعندما أصبحوا فى السلطة فعلوا ما كانوا ينتقدونه من تفصيل القوانين، وخلط الخاص بالعام، وسوء إدارة الأزمات، والتأخر فى اتخاذ المواقف، والصمت خوفًا أو طمعًا أو رضوخًا للأمر الواقع، لا معنى لاستقالة تخرج متأخرة من الجيوب، ولا تسامُح مع من أضرّ ثورة لم تبرد نار أمهات شهدائها بعد، ولا احترام لمن باع احترامه.
يُعرف الرجال بالحق، ولا يُعرف الحق بالرجال. الشخصيات العظيمة هى التى تمنح المناصب قيمتها وعظمتها، وليست المناصب هى التى تجعل الرجال عظماء. شاهدت فى حياتى الصحفية شخصيات فى أعلى المناصب، وكانوا لا يُثيرون، رغم ذلك، أدنى قدر من الاحترام، والتقيت شخصيات لم تتقلّد أى منصب، ومع ذلك أحسستُ بهيبة لقائهم ممتزجة بعظمتهم وإنجازهم الإنسانى والمهنى، أذكر أننى قابلت الراحل العظيم المهندس حسن فتحى قبل وفاته بعدّة شهور، كان شيخًا ضعيفًا يعيش فى منزله الأثرى بدرب اللبّانة، رأيته مكتئبًا وشاعرًا بخيبة الأمل، لحزنه على مشروع القرنة، ولكنه لم يفقد عندى ذرة هيبة أو احترام، والتقيتُ فى مناسبة أخرى النحات الراحل عبد البديع عبد الحى، فى منزله بمصر القديمة، كان يرتدى جلبابه البسيط، ويطلق لحيته، بدا أيضًا أكثر إحساسًا بالاكتئاب بسبب عدم تحقيق أحلامه، ولكنى خرجت من عنده أكثر انبهارًا بالرجل، وبفنه العظيم، وأكثر إعجابًا بشخصية رفضت أن تبيع أو تتنازل.
عندما قال باسم يوسف إن المشكلة ليست فى مَن يشترى، ولكن المشكلة فى مَن يبيع كان على حق، تلك هى المسألة. الذين أعلنوا عن استعدادهم للبيع، ثم باعوا بالفعل، أكبر بكثير مما كنا نعتقد، أو بمعنى أدق، أكبر بكثير مما كنا نتوقع بعد ثورة قام بها (كما يقولون) الشباب الطاهر، حتى على المستوى التجارى، كنا نتوقع أثمانًا أكبر لأشخاص لم يثمّنوا أنفسهم جيدًا، تجار خائبون أيضًا.
هذه أيام كاشفة، لولاها ما عرفنا الأبيض من الأسود،عندما يذهب الغبار، لن يبقى إلا ما ينفع الناس، وعندما يُكتب التاريخ لن يرحم المنفوخين، أمّا إذا طلب الذى باع أن نحدّد له متى وأين تنازل وتهاون، اعتمادًا على ما يفترضه من ضعف الذاكرة، فلن يسعنا فى هذه الحالة سوى أن نرد عليه على طريقة وزير إعلام الإخوان: «ابقى تعالى بس واحنا نقولك».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.