" يا طير ياعالي في السما طظ فيك ..ما تفتكرشي ربنا مصطفيك .. برضك بتاكل دود وللطين تعود.. تمص فيه يا حلو .. ويمص فيك .. عجبي!". هكذا تجلت فلسفة صلاح جاهين تجاه كل منتفخ مغرور، تجاه من لا يريد ان يدرك الحقيقة الأزلية النهائية ، تجاه من تنسيه شهوة المنصب ، أو زهوة القوة ، أن الانسان له نفس واحدة ، ان ربحها ربح كل شئ ، وان خسرها خسر كل الأشياء ، هؤلاء من يقول عنهم صلاح جاهين في رباعية آخري : " ولدي إليك بدل البالون 100 بالون ..انفخ وطرقع فيه علي كل لون ..عساك تشوف بعينك مصير الرجال ..المنفوخين في السترة و البنطلون .. عجبي ! " . عندما تزول السلطة ، عندما تذهب القوة ، عندما يخبو بريق السطوة ، يسقط الطير الذي كان يظن انه سيظل ابد الدهر سابحا في مجد العلا ، وقتها تتكشف الحقيقة المرة للرجال المنفوخين في السترة والبنطلون ، لهذا ، علي الإنسان الذي لم يتلوث بعد بالغرور أن يتأمل قول حكيم الزمان : " لا يغرّنك نقاء لون الأفاعي والحيات ، ففي فمها السم الزعاف ، وكم من البشر بيض وقلوبهم اشد من السواد " ! وحدهم انقياء القلب الذين يدركون بالايمان، الحقيقة التي اشار إليها أيوب النبي بقوله : " عريانا خرجت من بطن أمي .. وعريانا أعود إلي هناك ! " ، الحقيقة التي تغيب عن اهل الغرور ترجمها الإسكندر المقدوني وهو علي فراش الموت ، ترجمها من دانت له مشارق الأرض ومغاربها ، من ملك الدنيا بما فيها ، ونال المجد الذي لم يكتب لمنتصر آخر في التاريخ ، لقد دعا قائد جيشه المحبب إلي قلبه عندما احس بقرب المنية ، وعلي مسامع حاشيته قال له :" سوف أغادرالدنيا قريباً ، لي ثلاث أمنيات أرجوك أن تحققها" ، اقترب القائد وعيناه تغسلهما الدموع ، انحني ليسمع وصية سيده الأخيرة ، قال الأسكندر : " وصيتي الأولي ،أن يحمل اطبائي فقط نعشي عند الدفن ، والثانية، أن ينثر علي الطريق من قصري إلي مقبرتي، كل الذهب والفضة والأحجار الكريمة التي جمعتها طيلة حياتي،وصيتي الأخيرة، ان تخرجوا يدي من الكفن وتبقوهما مفتوحتان حين ترفعوني علي النعش " ، بللت دموع القائد يد الاسكندر وهو يطلب معرفة المغزي من وراء تلك الوصية ، أخذ الأسكندر نفساً عميقاً ثم أجاب " أريد أن أعطي العالم درساً لم أفقهه إلا الآن ،بالوصية الأولي،أردت أن يعرف الناس أن الموت إذا حضر لا ينفع في رده أحد، حتي الأطباء الذين نهرع إليهم ،الوصية الثانية ، قصدت منها ان يعلم الناس أن كل وقت قضيناه في جمع المال ليس إلا هباء منثوراً ،لن نأخذ معنا حتي فتات الذهب ، الوصية الثالثة ، اردت منها ان يعلم الناس أننا أتينا إلي الدنيا فارغي الأيدي وسنخرج منها كما أتينا إليها ! " ، نفس الحقيقة التي ادركها ايوب النبي عندما قال : " عريانا خرجت من بطن أمي ، وعريانا أعود إلي هناك " ! هل يدرك أباطرة الغرور المغزي الذي جاء في وصية الاسكندر لتتواضع نفوسهم بالإيمان؟!