كم سيمضي من الوقت قبل أن تتصدع الليبرالية الأوروبية وينهار اتحادها؟ إن أسوأ وقت لتقديم تنبؤات يكون في أعقاب وقوع مجزرة إرهابية، فالغضب الشديد يدفع صانعي السياسات والمواطنين على حد سواء للإتيان بردود أفعال غاضبة، هكذا تحدثت جريدة الجارديان البريطانية عن تأثيرات هجمات باريس الدامية على مستقبل ووحدة دول الاتحاد الأوروبية. وعلى الرغم من أن قول ذلك قد يبدو قاسيًا اليوم، فقد كانت الميزة الأكثر لفتًا للانتباه حول الإرهاب في أوروبا، هي كيف أنه كان قليل الحدوث هناك، قد يرجع الفضل في ذلك إلى قوات الشرطة ووكالات الاستخبارات لقيامها باعتقال المشتبه بهم قبل تنفيذهم الهجمات، ويمكنك تكرار النقطة الأساسية، وهي أننا ضد التطرف الإسلامي، وليس الإسلام نفسه، فمعظم المسلمين يمقتون الدين الشمولي، وأيًا كان السبب، تبقى النتيجة العملية أن لا أحد في السلطة قد شعر بضرورة التحرك نحو أي شيء يشبه الأحكام العرفية، هكذا تصف الجارديان. إن هجمات باريس المنسقة تبدو وكأنها على وشك تغيير أوروبا نحو الأسوأ، فمعاناة الناس الرهيبة، الذين يريدون مجرد تناول وجبة مع العائلة والأصدقاء أو مشاهدة مباراة أو الذهاب إلى حفلة موسيقية، تحرك القلب، وتهز الحسابات الكامنة وراء الهجمات. وهنا السؤال، هل سينهار الاتحاد الأوروبي في أعقاب هجمات باريس؟ وسنسرد في هذا التقرير الأخطار التي قد تؤدي إلى تفكك وانهيار البيت الأوروبي. إغلاق الحدود كرد فعل مبدئي على الهجمات، تخلى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بالفعل عن لغة الحياة المدنية، ووصف الفظائع التي وقعت كعمل من أعمال "الحرب" من قبل تنظيم الدولة، وليس جريمة مدنية، وأعلن حالة الطوارئ، وقد هدد أيضًا بإغلاق حدود الجمهورية. تنغلق الحدود في جميع أنحاء أوروبا الآن. البريطانيون، اغلقوا القناة التي تربط بينهم وبين القارة، الأسوار تفصل بين سلوفينيا والمجر، والسويديون يضعون حواجز تفتيش على الجسر الواصل بين كوبنهاجن ومالمو، "يهدف الاتحاد الأوروبي إلى أن يكون منطقة مفتوحة على العالم"، لكن بعد الأحداث تم إغلاق الحدود ورفع حالة الاستنفار الأمني في البلدان الأوربية، وربما تكون هذه بداية النهاية . وقف الشنجن أعلنت السلطات الفرنسية وقف تأشيرة "شنجن"، التى تسمح لجميع حامليها بالتنقل بين الدول الأوروبية، والسماح لمواطنى الدول الأوروبية فقط بالسفر إلى باريس. وأعلن الرئيس الفرنسى، فرض حالة الطوارئ بالبلاد بعد العمليات الإرهابية التى ضربت باريس، مساء الجمعة. و"شنجن" هي تأشيرة موحدة أصدرتها الدول المنضمة إلى اتفاقية "Schengen" وهي: ألمانيا، النمسا، بلجيكا، قبرص، الدنمارك، إسبانيا، استونيا،فنلندا، فرنسا، اليونان، المجر، إيرلندا، إيطاليا، لاتفيا، ليتوانيا، لوكسمبورج، مالطا، هولندا، بولندا، البرتغال، الجمهورية التشيكية، سلوفاكيا، السويد، أيسلندا، ليختنشتاين، النرويج. وأزالت هذه الاتفاقية، المراقبة على الحدود، وسمحت بحرية الحركة والتنقل بين بين الدول الأعضاء الحاصلة على تأشيرة شنجن، والتأشيرة التى تصدرها أي دولة من هذه الدول تصبح سارية المفعول في بقية الدول الداخلة ضمن هذه الاتفاقية. زيادة القبضة الأمنية دعت فرنسا اليوم، لقمة طارئة لوزراء العدل والداخلية في الاتحاد الأوروبي يوم 20 نوفمبر، بهدف إسراع وتيرة تطبيق إجراءات أمنية تجري مناقشتها بالفعل. وقال وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف، في بيان له، بعد أن قتل متشددون إسلاميون 129 شخصا في باريس يوم الجمعة، "في مواجهة الفظائع وأعمال الإرهاب التي أصابت فرنسا، فإن معركتنا ضد الإرهاب ينبغي أن تكون حازمة وبلا هوادة أكثر من أي وقت مضى". ردا على ذلك، قال بيان صادر عن رئاسة الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورج، إن وزراء العدل والداخلية في دول الاتحاد يعتزمون عقد اجتماع طارئ لهم في العشرين من نوفمبر الجاري في العاصمة البلجيكية بروكسل. وقال البيان "في مواجهة البربرية والإرهاب فإن أوروبا تتضامن مع فرنسا في أعقاب الأحداث الدامية التي شهدتها عاصمتها باريس". وفي نفس الإطار، اتهم الرئيس التشيكى، ميلوس زيمان، قادة دول الاتحاد الأوروبى بالتراخى فى قضية تعزيز الحدود، مشددًا على أنه ينبغى على تلك الدول تعزيز الإجراءات الأمنية على حدودها الخارجية. وقال زيمان، فى تصريحات حسبما ذكر (راديو براج)، اليوم، عقب اجتماع لمجلس الأمن التشيكى: "إن أساسيات اتفاقية دبلن الخاصة بالاتحاد الأوروبى حول إجراءات اللجوء ينبغى تطبيقها على جميع طلبات اللجوء للمهاجرين وقت وصولهم لأول دولة أوروبية ولا يُسمح لهم بالانتقال من هناك لدولة أخرى". صعود اليمنين المتطرف بينما سلطت الأضواء في الآونة الأخيرة على أزمة العلاقة بين الدول الأوروبية، بأنظمتها ومواطنيها وموروثها السياسي والثقافي من جانب، والأقليات المسلمة من جانب آخر، بسبب اعتداءات باريس وبعض الهجمات الإرهابية في عدة دول أوروبية، فإن أحد أهم تداعيات هذه الأحداث هي محاولة حركات اليمين المتطرف في مختلف البلاد الأوروبية استغلالها لتحقيق مكاسب سياسية، ما يعمق خللا هيكليا على المستوى السياسي والاجتماعي سوف يكون له تداعيات وخيمة على تماسك المجتمعات الأوروبية. وقد شكل الصعود المتسارع لليمين المتطرف، تحديا كبيرا بالنسبة للأحزاب الأوروبية التي تشكل النخبة السياسية الحاكمة من اليسار واليمين، ووظف هذا التيار عوامل استمرار التردي الاقتصادي والاجتماعي، والضغوط التي تمارسها مؤسسات الاتحاد الأوروبي، ضمن عوامل أخرى، في تأكيد عدم أهلية استمرار النخبة الحزبية الأوروبية في القيادة، استلزم ذلك، في المقابل، محاولة تلك النخبة في تجديد خطابها ودمج القضايا التي نجح اليمين المتطرف في توظيفها لاكتساب دعم الرأي العام . وتشير التوقعات إلى أن اليمين المتطرف الأوروبي في سبيله لتحقيق المزيد من المكاسب خلال موسم الانتخابات الذي تشهده الدول أوروبية، وبالتالي فهو سيظل فاعلا سياسيا واجتماعيا، وتحديدا فيما يتعلق بقضايا الهجرة، والأقليات، وحقوق الأفراد. خروج بريطانيا أعلن رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، أنه "سيعيد النظر" في موضوع بقاء بريطانيا في عضوية الاتحاد إذا قوبلت دعواته لإصلاح الاتحاد "بآذان صماء" على حد تعبيره. وكان حزب المحافظين، الذي يتزعمه كاميرون، قد وعد بإجراء استفتاء شعبي حول استمرار عضوية بريطانيا في الاتحاد قبل حلول عام 2017. وكان رئيس الحكومة البريطانية، قد قال إنه يريد إنهاء التزام الاتحاد بتقارب أوثق بين أعضائه، وسلطات أكثر للدول الأعضاء، وفرض قيود على الإعانات الاجتماعية التي يستحقها المهاجرون من داخل دول الاتحاد. وذكرت صحيفة "ذي اندبندنت أون صنداي"، أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يعتزم إجراء استفتاء على بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الاوروبي في منتصف 2016. وأوضحت الصحيفة نقلا عن مصدر لم تسمه، أن "ذي اندبندنت أون صنداي علمت أن كاميرون قرر اجراء الاستفتاء في يونيو من العام المقبل". إلى أي مدى سوف تتغير أوروبا ؟، يظل سؤالًا بلا إجابة، ومثلما كان الحال دومًا، يعتمد المستقبل على حساب التفاضل والتكامل القاتمة الخاص بعدد الضحايا وإحصاءات الهجوم.