أدلت"تولا يريولا"، سفيرة دولة فنلندا بالقاهرة، بحديث حصري ل"التحرير" تحدثت فيه عن مختلف مجالات العلاقات المصرية الفنلندية ورؤيتها لتجاوز مصر الأزمة الاقتصادية، وكيف نجحت فنلندا في أن تكون أحد أقوى اقتصادات العالم، كما تحدثت عن مناخ الحريات والديمقراطية وحقوق المرأة والإنسان بشكل عام خاصة في ظل التحديات التي تواجهها الحكومة المصرية من ظروف اقتصادية، وهذا هو نص الحوار.. في البداية هل يمكنك أن تحدثينا عن العلاقات المصرية الفنلندية وأهم مجالات التعاون بين البلدين؟ العلاقات المصرية الفنلندية قائمة على أساس متين، وأنا سعيدة بوجود العديد من الفرص لتعزيزها، فقد شهدت تلك العلاقات خلال الشهرين الماضيين زيادة في الاتصالات على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وقد أسفرت المباحثات الثنائية بين وزارتي الخارجية في البلدين عن تبادل وجهات النظر إزاء الوضع الإقليمي، إلى جانب إطلاع الجانبين على أحدث التطورات في الشأن الداخلي، وتقتضي الخطوات التالية لبناء العلاقات رفع مستوى العلاقات السياسية بين البلدين إلى مستويات أعلى، كالمستوى الوزاري، حيث شهدت فنلندا في أبريل الماضي انتخابات برلمانية، والآن لدينا حكومة جديدة، لذا أود أن يكون الوزراء في الحكومة الفنلندية الجديدة على وعي تام بمصر سواء على صعيد العلاقات الثنائية أو على الصعيد الدور الإقليمي لمصر. وأعتقد أن من أهم ما يبرز الدور المصري الإقليمي أن مصر تستضيف اجتماعًا سنويًا لجميع سفراء فنلندا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث استضفنا هنا في مصر 35 دبلوماسيًا في أبريل الماضي، قضوا ثلاثة أيام من المباحثات حول القضايا الإقليمية وكيفية تناول مصر لتلك القضايا وفقًا لسياستها الخارجية. كما قام وفد من رجال الأعمال الفنلنديين بزيارة ناجحة جدًا للقاهرة في يونيو الماضي، وكان مُشكّل من ممثلين عن 17 شركة في مختلف قطاعات الأعمال مثل المقاولات والطاقة والبيئة وصناعة الأثاث والرعاية الصحية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وصناعة المنسوجات والأخشاب، ووضعنا بالفعل خطوات لمتابعة نتائج هذه الزيارة التفقدية في الشهور القادمة. ما هو سر قوة الاقتصاد الفنلندي؟ وماذا يجب على الحكومة المصرية مراعاته كي تدفع اقتصادها للأمام؟ أرى أن كلمة السر في نجاح الاقتصاد الفنلندي تكمن في مناخ عام يشجع التعليم والإبداع، والثقة بين الحكومة والمواطنين، فشيوع ثقافة الثقة والانفتاح في المجتمع والحد من ظاهرة تسلسل الهرم الوظيفي المعقد يخلق مناخًا من الإبداع. وبالطبع هناك أسباب تاريخية لنمو اقتصاد فنلندا الذي يعتبر واحدًا من أقوى اقتصادات العالم وفقًا للعديد من المؤشرات، ويأتي التعليم ضمن هذه الأسباب، حيث يعتبر نظام التعليم الفنلندي من أفضل أنظمة التعليم في العالم، لذلك تحتل فنلندا مراكز متقدمة في التصنيفات الدولية فيما يتعلق بدراسة العلوم وكذلك المساواة بين الجنسين. أما عن كيفية تحقيق النمو للاقتصاد المصري فهو يتلخص في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وكذلك إصلاح التعليم وهو ذو أهمية وأولوية قصوى، وأنا سعيدة بأن فنلندا تدعم جهود الحكومة المصرية في هذا المجال، وسعيدة بمشاركة خبراتنا وأفضل ما لدينا في هذا المجال مع مصر. من خلال عملك في مصر، ما رأيك في الشعب المصري؟ وماذا ينقص السلوك المصري للوصول إلى مصاف الدول المتقدمة؟ من واقع خبرتي مع الشعب المصري، أرى أنه شعب مرن، يتميز بعقل منفتح على المستقبل، لكن عند الحديث في هذا الصدد يجب الأخذ في الاعتبار أن المصريين عانوا طوال سنوات من عدم الاستقرار، وأنا أتمنى بصدق أن تكون مصر الآن في طريقها الصحيح نحو الاستقرار الذي يحقق النمو والرخاء لجميع طوائف الشعب بزيادة فرص العمل وكذلك توزيع عادل للتأمين الاجتماعي. ولدفع التنمية الاجتماعية والاقتصادية في أي بلد في العالم، لابد من تعزيز دور مؤسساتها وسيادة القانون فيها، وبقيام الدولة بتوفير الأدوات الأساسية لتلك التنمية بما في ذلك شفافية التشريعات الرامية لتحقيق النمو الاقتصادي، نجد حينها أن ازدهار العملية الإبداعية لدى الشعوب، كذلك تدفق للاستثمارات الأجنبية بشكل أكثر حرية عندما يكون هناك ثقة في كفاءة مؤسسات الدولة والإطار التشريعي الذي تعمل وفقًا له، وبالفعل عبرت الحكومة المصرية عن رغبتها في التحرك في ذلك الاتجاه، وهو ما برهن عليه زيادة اهتمام الشركات الفنلندية بالسوق المصري. نعرف أن لفنلندا دور ريادي في مجال حقوق المرأة، هل يمكنك أن تحدثينا عن دور فنلندا الريادي في مجال حقوق المرأة، وكيف ترين دور المرأة في المجتمع المصري؟ جاءت فنلندا في تصنيف المنتدى الاقتصادي العالمي في المركز الثاني بين دول العالم في المساواة بين الجنسين، وبالمناسبة فإن فنلندا تعتبر أفضل دول العالم من حيث الاستفادة من قدارتها البشرية، هذا مع الوضع في الاعتبار أن المرأة تشكل نصف إمكانات أي مجتمع لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيه، لذلك إعطاء الفرصة للمرأة لتطوير قدرتها بشكل كامل لاشك أن له مردود كبير على المجتمع ككل. ووفقًا للقانون الفنلندي فإن الرجال والنساء متساوون تمامًا في الحقوق إلا أن لتلك المساواة خلفية تراثية أيضًا، حيث شهدت فنلندا جهودًا واعية ودؤوبة على مدار 150 عامًا لتطوير تلك المساواة. وفي الوقت الحالي تشكل النساء نسبة 48% من إجمالي القوى العاملة الفنلندية، كذلك فإن نحو 80% من النساء البالغات تعمل خارج المنزل، أما في التعليم فإن المرأة الفنلندية تفوقت على الرجل حيث أن 62 % من النساء الفنلنديات حاصلات على درجات علمية من الجامعات بما يفوق نسبة الرجال. ولعبت التشريعات الحكومية دورًا هامًا في تعزيز دور المرأة في سوق العمل ما ساعدنا كدولة صغيرة على عدما تعطيل نصف ما لدينا من قوى عاملة ممثلة في النساء. أما في مصر فأرى أنه من الضروري تمكين المرأة بشكل أكبر سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، فعندما تحصل المرأة على التمثيل الكافي على المستوى المحلي والخارجي للدولة، تجدها تنتج طرقًا مبتكرة في التفكير لوضع الأنظمة كما أنها تصبح أقدر على الدفاع عن حقوقها، فالنشاط السياسي للمرأة سيدعم بدوره الرخاء الاقتصادي، وينبغي عدم الاستهانة بأهمية المساواة بين الرجل والمرأة في مصر، ويجب توعية الجميع بأهميتها لصالح المجتمع بأسره، فإعطاء المرأة أدوارًا مستقلة عن الرجل ليس تحصيل حاصل، بل أن هذا النهج ضروري لأي دولة تطمح لتحقيق تطورًا اجتماعيًا. ولقد قابلت هنا في مصر العديد من السيدات الناجحات في مواقع السلطة، إلا أنني أعرف أيضًا أن ثقافة التعامل مع المرأة في الطبقات الاجتماعية الأقل حظًا من التعليم تحتاج إلى الكثير من التغيير، وفيما يتعلق بالدستور ووضع التشريعات البرلمانية بدأ وضع المرأة المصرية في الحسبان، كما بدأت المرأة تتولى دورًا في المحافظات وعلى المستوى المحلي بشكل عام، وتشجيع إسهامها في مبادرات صناعة القرارات الاقتصادية، وجميعها خطوات مرحب بها. كيف ترين مناخ الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير في مصر؟ أرى أن مصر تشهد حالة من الشد والجذب بين الرغبة في تحقيق الأمن والطموح في التحرك نحو تحقيق الأهداف التي نص عليها الدستور من تحقيق الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، وكذلك الحفاظ على جميع حقوق الإنسان الأخرى، وأحيانًا تأتي ضرورة تحقيق الأمن والاستقرار بتصور أن الحكومة ضد تحقيق تقدم في مجال تلك الحقوق الدستورية، لكن من الضروري هنا تحقيق التوازن اللازم ما بين الإجراءات الصارمة لمكافحة الإرهاب من جهة والخطوات اللازمة لتحقيق الديمقراطية وتفعيل دور القانون في المجتمع وهي أمور هامة للقضاء على الظواهر الاجتماعية السلبية بما فيها العنف. وأود أن أرى نقاشًا صحيًا ومفتوحًا حول القضايا الخطيرة التي تصارع الدولة فيها، وفي رأيي إن ذلك سيظل تحديًا أمام كل من الدولة التي يجب أن توفر البيئة المناسبة لإقامة مثل هذا الحوار، وأمام وسائل الإعلام التي يجب عليها أن تعمل جاهدة لتطوير معايير المهنية لمحاولة فك تعقيدات ما يحدث في مصر وما حولها، فتطوير الإعلام المصري جزء لا يتجزأ من تطوير كافة مناحي الحياة في مصر عقب الثورة. وفي فنلندا يعتبر المواطنون أن للمنظومة الإعلامية دورًا محوريًا في ضمان نزاهة مؤسسات الدولة، كما أننا ندرك معنى حرية التعبير من خلال وجهة نظر بسيطة للغاية، وهي أن تعمل الحكومة على خدمة المواطنين ثم تتيح للمواطن أو المواطنة التعبير عن رأيهم حتى وإن عارض هذا الرأي مؤسسات الدولة، فالنظام لن ينهار بسبب الأصوات المعارضة، وفي أثناء محاولتي لفهم أسباب الحساسية في مصر في الوقت الحالي من ظهور أصوات معارضة، شعرت بأهمية وجود مساحات من التفتح أمام هذه الأصوات للسماح بشيء من التنفيث. و أتطلع الآن لإجراء الانتخابات البرلمانية وأتوقع أن يكون للبرلمان القادم دورًا كواحدة من المؤسسات التي تشكل حجر زاوية في التطور الديمقراطي في مصر، كما أن فنلندا تسعى إلى تطوير العلاقات بين برلمانها ونظيره المصري كجزة من جهودنا لدعم التطورات الإيجابية في مصر. ماهي رؤيتك حول دور مصر الإقليمي والدولي بعد مرور عامين على ثورة 30 يونيو، وكيف تأثر هذا الدور بما أعقب الثورة من أحداث؟ بلا شك فإن مصر تلعب دورًا إقليميًا هامًا، وتقدم لدول المنطقة نموذجًا إيجابيًا يحتذى به، وما سيعظّم من هذا الدور نجاح التحول الذي حدث في مصر في أعقاب ثورةيناير 2011، وما أعقبها من أحداث في إقامة استقرار سياسي وتطور اقتصادي مستديمين. وأخيرًا أتمنى أن تشهد العلاقات المصرية الأوروبية مزيدًا من الانتعاش، فنحن ما زال لدينا الكثير يمكن تبادله على الصعيد الاقتصادي والثقافي، كما أن لدينا تحديات مشتركة تحتاج إلى حلول حكيمة، ففنلندا تدرك مدى أهمية الموقع الجيوسياسي لمصر خاصة في ظل كل ما يحيط به من أزمات وتحديات.