دعا حزب الحرية والعدالة، التابع لجماعة الإخوان، والذى ينتمى إليه رئيس الجمهورية إلى مظاهرات حاشدة حول دار القضاء العالى من أجل «تطهير القضاء»، تزامن ذلك مع تمهيد من قوى سياسية تابعة للجماعة، حزب الوسط، حيث دعت إلى إصدار تشريع من مجلس الشورى يخفض سن الإحالة إلى المعاش من سبعين إلى ستين سنة، وهو الأمر الذى سوف يؤدى إلى إحالة نحو ثلاثة آلاف قاض مصرى فورا إلى المعاش وأيضا أكثر من نصف عدد قضاة المحكمة الدستورية العليا، وهنا تقوم الجماعة عبر مندوبها القاطن فى قصر الاتحادية بالدفع برجال الجماعة ليشغلوا هذه المواقع. ومن ثم تتم خطوة كبرى على طريق أخونة القضاء أو بمعنى أدق سيطرة الجماعة على القضاء المصرى، ولو نظرنا إلى ما يجرى حاليا من دعوات لتخفيض سن القضاة من أجل الإطاحة بنحو ثلاثة آلاف قاض مصرى، سنجده ورد على لسان المرشد السابق للجماعة محمد مهدى عاكف، الذى قال إن الجماعة سوف تعزل ثلاثة آلاف قاض. ويبدو واضحا أن الجماعة تستهدف السيطرة على الأعمدة الرئيسية للدولة المصرية، والتى تتمثل فى الجيش، الشرطة والقضاء، بدؤوا المخطط بمحاولة السيطرة على جهاز الشرطة لأسباب نفسية وعملية، رفعوا شعارات من قبيل تطهير جهاز الشرطة، إعادة هيكلة الجهاز، وهى شعارات كانت تستهدف التخلص من القيادات الرئيسية للجهاز وشراء ولاء الصف الثانى، وقد حققت تقدما كبيرا فى عملية الإطاحة بقيادات الجهاز، مستفيدة من الصورة السلبية المتراكمة للشرطة فى عيون بسطاء المصريين، جاءت بوزير داخلية كان خلية إخوانية نائمة، ورغم ذلك لم تمكن من السيطرة التامة على الجهاز، ومن ثم اكتفت فى المرحلة الحالية بالسيطرة التامة على رأس الجهاز وعلى قوات الأمن المركزى، ومنذ جرى تشكيلها وهى تمثل عصا النظام فى مواجهة شعبه بصفة عامة والمعارضة بصفة خاصة. وتحاول الجماعة حاليا تشكيل مجموعات مختلفة، لها حق الضبطية أو تقوم بدور الشرطة، تابعة للحكم المحلى ولوزارات مختلفة، وتسمح فى الوقت نفسه بظهور جماعات على غرار الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهو ما دعا شباب ضباط الشرطة لرفع دعوى قضائية لوقف هذه المحاولات التى تستهدف تفتيت جهاز الشرطة وتوزيع مهامه على وزارات مختلفة، إضافة إلى تكثيف الاعتماد على شركات الأمن الخاصة. وبدا واضحا أن محاولة الجماعة السيطرة على الجيش قد باءت بالفشل الشديد، وهو ما تكشف فى اللقاء الأخير الذى عقده مرسى مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة. هنا عادت الجماعة إلى التركيز على تطويع القضاء والسيطرة التامة من خلال الدفع برجال الجماعة وخلاياها التى كانت نائمة فى مؤسسة القضاء لتولى المواقع الرئيسية فى القضاء حتى تتمكن الجماعة من تمرير ما تريد من مشروعات ومخططات مخالفة للدستور والقانون دون أن يتم وقفها، وحتى يصدر الرئيس قرارات لا يتم إلغاؤها، فالجماعة ترى القضاء اليوم عقبة فى وجه مشروعها للسيطرة على مفاصل الدولة المصرية، فالقضاء حل مجلس الشعب، وألغى قرار الرئيس بالدعوة إلى انتخابات مجلس النواب، وقضى بعدم دستورية قانون الانتخابات الجديد، والقضاء المصرى أفرج عن كل من لم تثبت إدانته، والنيابة المصرية واصلت دورها فى تطبيق القانون ورفضت الرضوخ لضغوط نائب عام الجماعة والرئيس ووزير عدله لإدانة شباب مصرى برىء يريد مرسى سجنه. باختصار ترى الجماعة اليوم أن نجاحها فى تنفيذ مخطط السيطرة على مفاصل الدولة المصرية يتحقق بالسيطرة على القضاء المصرى، بإحالة قرابة ثلاثة آلاف قاض مصرى إلى المعاش بعد تخفيض سن التقاعد إلى الستين، وإبعاد أكثر من نصف قضاة المحكمة الدستورية. وهنا يجرى تعيين قضاة الإخوان فى المناصب القيادية من ناحية ويجرى وضع رجال الجماعة فى المحكمة الدستورية العليا، ومن ثم ينتهى دور القضاء المصرى المستقل، وتتمكن الجماعة من فرض سيطرتها على القضاء، وتدريجيا يجرى إدخال شباب الجماعة إلى سلك النيابة ودفعهم للانتشار فى جهاز القضاء المصرى، ومن ثم تتم عملية أخونة القضاء المصرى. هذا هو هدف الحملة التى تشنها الجماعة ضد القضاء المصرى، والتى من أجلها جرى حشد الرجال من قرى ونجوع مصر مرددين العبارة التى وضعها مكتب الإرشاد وهى «تطهير القضاء»، لذلك أحسب أن الدفاع عن القضاء المصرى ومساندة نادى القضاة مسؤولية وطنية ينبغى أن تنهض بها القوى والحركات الثورية والأحزاب السياسية المدنية، فإذا سقط القضاء فى قبضة الإخوان فسوف ترحل العدالة من أرض مصر، وتخيم الأخونة الكئيبة على القضاء المصرى.