نحن الآن أمام انقسام واضح وخلاف ظاهر، بين القوي والتيارات والأحزاب السياسية، حول الأزمة المتفجرة حاليا، بسبب المحاولات الجارية لتعديل قانون السلطة القضائية، وما ورد فيه من النص علي تعديل سن الإحالة للمعاش بالنسبة للقضاة، من سبعين عاما إلي ستين عاما، طبقا لما جاء في مشروع القانون المقدم إلي مجلس الشوري، من حزب الوسط، بالاتفاق والتنسيق مع حزب الحرية والعدالة، وجماعة الإخوان المسلمين. وأدي تفجر هذه الأزمة إلي زيادة حدة الاحتقان والتوتر والاستقطاب السائدة والمنتشرة في المجتمع منذ فترة ليست بالقليلة، كما أدي لتصاعد حدة الشكوك والتخوفات من جانب القضاة، تجاه التوجهات والاجراءات غير الخافية، التي يسعي الحزب الحاكم وجماعته لاتخاذها ضدهم، والتي أصبحت معلنة علي رؤوس الأشهاد، في النداءات والمطالب التي رفعها أعضاء الحزب والجماعة والمناصرون والمؤيدون لهم في مظاهرات الجمعة، والتي أطلقوا عليها مليونية تطهير القضاء. وفي ظل هذه الشكوك وتلك التخوفات التي تصاعدت حدتها، أكد القضاة رفضهم لمشروع القانون المطروح، ورفضهم لما يؤدي إليه من نتائج يرون أنها تؤثر بالسلب علي السلطة القضائية، وتعتبر تدخلا في شئون القضاء، إذا تمت الموافقة عليه واقراره دون العرض علي أصحاب الشأن، وبالمخالفة للدستور،.. خاصة أنه سيؤدي للاطاحة بما يزيد علي ثلاثة آلاف قاض مرة واحدة، وهو ما يمثل مذبحة للقضاء. وفي هذا الاطار، رأينا الاستقالة المعلنة والمسببة لوزير العدل المستشار أحمد مكي، والتي ذكر المتحدثون باسمه انه قدمها دفاعا عن استقلال القضاء، ورفضا للتعديلات الواردة في مشروع القانون المقدم للشوري، دون علمه أو موافقته، رغم انه الوزير المختص،...، وأكدوا رفضه التام للاطاحة بالقضاة عن طريق تخفيض سن المعاش. وما أعلنه المقربون للوزير والمتحدثون باسمه، ليس جديدا، ففي الواقع، وانصافا للمستشار مكي، يجب أن نسجل له انه سبق وأعلن رفضه للمساعي والتوجهات الهادفة للتخلص مما يزيد علي ثلاثة آلاف قاض، بتخفيض سن المعاش للقضاة إلي الستين بدلا من السبعين، عندما أعلن عن ذلك علي لسان المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين في حديث له منذ عدة أسابيع،...، لذا لزم التنويه. ولكن،..، لم تكن استقالة الوزير هي كل التداعيات، بل هناك ما هو أكثر من ذلك بكثير. »وللحديث بقية«.