لا تقتصر الخلافات بين موسكووواشنطن في سوريا، على مصير الأسد فقط، ولا على كيفية وآليات مواجهة داعش، ولكن الخلافات تمتد إلى عملية التنسيق العسكري ومحاورها ومستواها أيضا. ويكمن جوهر هذه الخلافات في التفاصيل. فقادة وزارة الدفاع الأمريكية يريدون أن يكون التعاون بين القوات الروسية وقوات الائتلاف الدولي في سوريا في المجال التقني فقط، الذي من شأنه أن يمنع حدوث اصطدامات في الجو بين الطائرات الروسية وطائرات الائتلاف التي تنفذ مهامهما القتالية في الأجواء السورية. أما موسكو فتقترح توسيع التعاون ليشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية عن مواقع "داعش" حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية استعدادها لأخذ هذه المعلومات بعين الاعتبار عند التخطيط لغارات جوية جديدة. ومع ذلك فواشنطن لا تتعجل العمل بعمق مع موسكو، لأن نائب قائد القوات الجوية الأمريكية لشؤون الاستخبارات الجنرال روبرت أوتو قال بساطة إنه "لا يرى ظهور حالة تجبره على تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الروس". هكذا تحولت مناقشة التعاون بين وزارتي الدفاع الروسية والأمريكية على الساحة السورية إلى صراع ليس فقط دبلوماسيا، بل يكاد يكون عسكريا. وذلك لإصرار موسكو، بكلمات المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، الجنرال إيجور كوناشينكوف، على إعادة العلاقات العسكرية عبر تشكيل لجان لبحث هذه المشكلة، وهو الأمر الذي تتعامل معه واشنطن بحذر شديد لكي لا تبرر للقوات الروسية نشاطاتها في سوريا ما يجعلها تفقد ثقة حلفائها. وزارة الدفاع الأمريكية تدرس ثلاث خطط ممكنة للتعاون مع موسكو. الأولى، تقسيم سوريا إلى مناطق مسؤولية بين روسيا والائتلاف الدولي. والثانية، الاتفاق على عمليات تنسيق منتظمة. والثالثة، إقامة شراكة كاملة بين وزارتي دفاع البلدين. ولكن الاحتمال الثالث ضعيف جدا في الوقت الراهن، لأن روسيا لها أهداف مختلفة تماما عن أهداف الولاياتالمتحدة، على الرغم من أن الطرفين يزعمان أنهما يحاربان الإرهاب. ورغم ذلك أيضا، هناك خلافات على مكافحة هذا الإرهاب، ما يعكس وجود ملفات أخرى أكثر أهمية لدى الطرفين تجري مناقشتها في أماكن أخرى غير غير الساحة الإعلامية. لا أحد يعرف كيف سيكون رد روسيا على هذه الخطط. ولكن واشنطن لم ترد إلى الآن على مقترحات روسيا بالتعاون في المجال الأمني عبر تبادل المعلومات من أجل زيادة دقة الغارات الجوية الروسية. ولكن الجانب الأمريكي لا يرغب في تبادل مثل هذه المعلومات بالذات. الروس يرون أن السبب الحقيقي للرفض الأمريكي هو اندماج مجموعات المعارضة السورية مع إرهابيي "داعش". واستندت موسكو إلى تقارير غير مباشرة نشرتها صحيفة "ستامبا" الإيطالية، حيث أشارت إلى أنه هناك بجانب مواقع ارهابيي "داعش"، بالقرب من مدينة اللاذقية، مواقع ل "جيش الفتح" المدعوم من المملكة السعودية وقطر وتركيا. وقد تكون مواقعه قد تضررت بنتيجة القصف الجوي الروسي. وبالتالي نرى الخلافات واضحة بشأن الضربات الروسية. إذ تتهم وسائل الإعلام الغربية والسعودية روسيا بتدمير المعارضة السورية المعتدلة. الضربات الروسية في سوريا تكاد تؤكد لواشنطن وحلفائها بعدم فعالية الغارات الجوية، وتدفعها إلى تغيير نهجها. ولذلك قرر البنتاجون زيادة المساعدات العسكرية ل "الائتلاف العربي السوري" الذي يضم الأكراد، وذلك بعد أن تأكدت الولاياتالمتحدة أن الأكراد لن ينضموا إلى داعش بعد الجرائم التي اقترفها مسلحو التنظيم الإرهابي في المدن الكردية. ولكن من جهة أخرى، فقد اعترفت روسيا بأنها قامت بتسليح "البيشمركة". ما يعني أن هناك عملية استقطاب حاد للأكراد. وهي عملية غير مضمونة النتائج إلى الآن. وإذا أضفنا إلى هذا المشهد، الخلافات الواضحة بين موسكووأنقرة، والتي تحاول الأولى إخفاءها والتعامل معها بدبلوماسية، وتبرزها الثانية لكسب تعاطف الناتو وتقليص مساحة الخلافات مع واشنطن، فالأمر يدعو إلى طرح تساؤلات كثيرة حول مستقبل العلاقات الروسية – التركية، ومدى إمكانية تركيا في تعكير صفو روسيا في البحر الأسود وتغيير رأيها بشأن الأزمة الأوكرانية وأزمة شبه جزيرة القرم. إضافة إلى مشروع "السيل التركي الذي يبدو أنه توقف لأجل غير مسمى. موسكو لم تكن تتوقع أن تتسع ردود الأفعال على اقتحام مقاتلاتها الأجواء التركية إلى حد تهديدات حلف الناتو، والتحذيرات التركية من "فقدان صداقة أنقرة". ويبدو أن الروس كانوا يتوقعون أن تركض تركيا والدول الغربية للجلوس مع موسكو لبحث تبادل المعلومات الأمنية. ولكن الطرف الغري استغل الموضوع في اتجاه دخول حلف الناتو على خط الأزمة السورية، وإمكانية زيادة قواته في تركيا، بينما استغله أردوغان جيدا في تعزيز مواقعه المتضعضعة مع أوروبا والولاياتالمتحدة، والتأكيد من جهة أخرى على خلافه مع بوتين حول مصير الأسد.