لقد وضعت روسيا هدفين أساسيين بشكل مبدئي (أولي) لتدخلها العسكري المباشر في سوريا لدعم قوات نظام بشار الأسد باعتباره النظام الشرعي إلى الآن. الأول، منع التحالف الأمريكي من القيام بأي خطوات من شأنها تحديد «مناطق محررة» وفرض حظر جوي عليها، ومن ثم منع المعارضة السورية المسلحة من التكتل في تلك المناطق وشن هجمات برية تحت غطاء جوي للتحالف. والثاني، رغبة «الكرملين» في دعم نظام الأسد باعتباره النظام الشرعي، والدفع في الوقت نفسه إلى لقاءات أو اتفاقات ولو أولية لتسوية سياسية، وهو الأمر الذي يسمح لروسيا بالحصول على نصيبها من الكعكة السورية وتحقيق بعض المكاسب، على عكس ما حدث لها في العراق وليبيا.
الهدف الأول تم الإعلان عنه بعد 6 أيام من بدء القصف الروسي في سوريا على لسان نائب وزير الخارجية الروسي، مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوجدانوف، حيث أكد أن بلاده ترفض إقامة منطقة حظر جوي في سوريا، بناء على اقتراح تركيا، مُعللًا ذلك بضرورة احترام سيادة الدول.
أما الهدف الثاني، فهو قيد العمل، إذ قامت روسيا بالإعلان عن تحالف أمني لوجستي لتبادل المعلومات الأمنية بينها وبين إيرانوالعراقوسوريا، ومواصلة العمل إلى جانب قوات النظام السوري، والقوات الكردية «البيشمركة»، حيث اعترفت موسكو بأنها قامت بتسليح هذه القوات، وكذلك إلى جانب متطوعين إيرانيين من حرس الثورة الإسلامية الذين يقاتلون منذ فترة في سوريا إلى جانب عناصر من تنظيم «حزب الله»، اللبناني. كل ذلك يجري على خلفية حملة إعلامية روسية واسعة النطاق في الداخل الروسي وفي الخارج أيضًا. وتعتمد هذه الحملة، داخليًا، على ضرورة مكافحة الإرهاب وإنقاذ روسيا قبل أن يعود الإرهابيون إلى أراضيها أو تتوجه عناصر «داعش»، إلى حدودها، وعلى إقناع الشعب الروسي بأن تكاليف الحملة العسكرية لا تؤثر إطلاقًا على الموازنة العامة للدولة، وعلى إعلاء قيم الوطنية والإنسانية وضرورة إنقاذ العالم من الإرهاب. بينما تعتمد الحملة، خارجيًا، على التناقضات بين الولاياتالمتحدة وأوروبا، والتناقضات بين دول الخليج والولاياتالمتحدة، والمشاكل بين الدول الخليجية أيضًا وإيران، مع استخدام الأخيرة كورقة ضغط على كل من تركيا والسعودية تحديدًا.
وإذا نظرنا إلى الطرح الروسي، فسنجد موسكو تروِّج لاحتمالين، إما مواجهة «داعش»،على أراضيها، أو مواجهتها في سوريا. والاحتمالات يروقان جيدًا للولايات المتحدة، إذ أن الأول لن يترك لموسكو فرصة التفكير بالطموحات السياسية، وربما يضعف أوراقها في الأزمة الأوكرانية، ويشغلها نسبيًا عن أي نشاطات جيوسياسية أو جيواقتصادية في العديد من المناطق، هذا إضافة إلى عسكرة اقتصادها المتردي أصلًا بسبب العقوبات الغربية. أما الاحتمال الثاني، فهو ليس الأفضل أيضًا لروسيا، لأنه بالفعل ينهك اقتصادها، ويشعل الوضع الداخلي، بينما تجربة القوات السوفيتية في أفغانستان لا تزال ماثلة أمام الأجيال الحالية.
ومن جهة أخرى، فالتصريحات الأمريكيةوالغربية تتحدث عن فترات طويلة للقضاء على تنظيم داعش تتراوح بين 3 سنوات و30 عامًا. وقد ظهر ذلك مؤخرًا في العديد من تصريحات العسكريين الأمريكيين والأوروبيين، ما يعني شئنا أم أبينا، أن روسيا قد تضطر للبقاء في سوريا لفترة طويلة على الرغم من التصريحات الساذجة التي أدلى بها بعض المسؤولين الروس والتي تهدف بالدرجة الأولى إلى طمأنه الرأي العام الداخلي في ظل التعثر الاقتصادي بنتيجة العقوبات التي فرضها الغرب ضد موسكو بسبب الأزمة الأوكرانية، إلا أن التصريح الأهم في هذا الصدد جاء مؤخرًا على لسان المندوب الدائم لروسيا في الاتحاد الأوروبي فلاديمير تشيجوف، الذي أعلن أن العمليات الجوية الروسية في سوريا غير محددة بسقف زمني، لأنها تستهدف خطر الإرهاب الذي يهدد منطقة الشرق الأوسط والعالم، وأن روسيا تنوي التواجد في الشرق الأوسط، في المجالين الدبلوماسي والسياسي، وإذا لزم الأمر، ففي المجال العسكري أيضًا اعتمادًا على القانون الدولي، كما شدد أيضًا على أنه ليس على علم بموعد انتهاء العملية الروسية في سوريا، موضحًا أنها ضرورية طالما يوجد هناك تهديد إرهابي. إن التوجه الروسي واضح ومفهوم، فهو يستخدم نهج التدخل العسكري لدفع الأمور إلى الخطوط الحمراء التي تملي على الجميع أحد أمرين: إما المواجهة المباشرة ومواصلة الحرب وتوسيع رقعهتا أو الجلوس خلف طاولة المفاوضات.
وطاولات المفاوضات في هذه الحالة تكون في غرف مغلقة حول صفقات وتبادل أوراق ومصالح كبرى، بينما الدول الإقليمية والأطراف التابعة تنتظر النتائج خارج هذه الغرف.