جريمة السطو المسلح (بخليط الكذب والتآمر والخيابة) على ثورة 25 يناير ونشلها من أصحابها وإهانة أرواح شهدائها وتبديد تضيحات أجمل وأنبل شبابنا الذين فجروها وكانوا وقودها الإنسانى، رافقها وتوازى معها جريمة أخرى تبعية -حسب اصطلاحات القانون- لا تقلّ خسة وانحطاطا، كان هدفها وما زال تسهيل مرور الجريمة الأصلية وتهيئة البيئة المناسبة لسحق ودفن كل الأهداف الراقية النبيلة التى تَغنَّى بها الثوريون الحقيقيون وشق الملايين حناجرهم بشعاراتها فى ساحات وميادين الوطن من أدناه إلى أقصاه طوال 18يوما مجيدة. فأما الجريمة الموازية فهى محاولة فصل وفصم الثورة عن غاياتها وتجريدها تماما من أهدافها عبر استخدام مكثف لنوع من النصب والتخريب العقلى يقوم على إشاعة مفهوم مزوَّر وشاذّ لمعنى ومفهوم «الثورة» أساسا وبث صورة ذهنية عنها تجعلها مجرد لوحة هياج جماعى بُدائى، ومحض تمرد وانفلات مجانى ليس له من غاية أو هدف سوى إشباع غريزة الانتقام والثأر من أبطال ورموز الواقع الأليم فقط.. ثم كان الله يحب المحسنين! هذه صورة ذهنية لعبث عشوائى وجنان عمومى، لا ثورة ولا يحزنون.. وطبيعى طبعا أن اللصوص والنشالين ليست لهم قضية ولا غاية شريفة، وعليه فلا يمكن عقلا أن نحاجّ ونجادل جماعة الشر السرية التى نشلت ثورة لا تعرف عنها شيئا، بل هى تنظيمًا وتربيةً وعقيدةً تعادى وتكره كل أهدافها وشعاراتها، فى أى أمر يخص هذه الأهداف. فأما الأمر الخطير الذى يحتاج الآن إلى قدر كبير من الوعى والشجاعة والاستقامة الضميرية، فهو التصدى لتوضيح التناقض والفارق الهائل بين «الثورة» و«الجناية»، فالأولى لا تستحق أسمها أصلا فضلا عن التضحيات والأثمان الباهظة التى دُفعت فيها، إذا لم تفتح وتشرع الأبواب جميعا وتزيل كل العقبات أمام بناء دولة ومجتمع جديدين متطورين وعصريين ينهضان على أسس وقيم ومؤسسات تضمن حياة الرفاه والكرامة والعدالة والمساواة للناس كافة، وتكفل وتحفظ حقوقهم وحرياتهم.. تلك غاية أى ثورة فى الدنيا، وثورة شعبنا ليست استثناء، ومن ثم فإن تحقيق هذه الغاية سيكون عملا مستحيلا إذا نجح النصابون فى استخدام ادّعاءات «الثورية» الكاذبة ذريعة للفاشية وتسويغ ارتكاب جناية سحق وتدمير جوهر ومعنى دولة القانون وتقويض وحصار وبهدلة مؤسسات العدالة، بدل دعمها وتحريرها من أغلال التبعية وأثقال الفساد. أظنك عزيزى القارئ، خمنت سبب ومناسبة هذا الكلام.. فالجماعة الشريرة وأتباعها وماسحو بلاط مغارتها المظلمة بالأجرة، جميعهم منهمكون هذه الأيام فى تهيئة المناخ لارتكاب واحدة من أخطر وأبشع جرائم النصب والتدليس التى أمطرونا بها منذ هدأ غبار الثورة حتى الساعة، إذ نراهم ونسمع منهم نعيقا قبيحا يحرض مجددا على العصف بمبادئ وقيم راقية تمثل أعمدة الأساس للوطن الذى حلمنا ببنائه قبل أن نُبتلَى بمناظرهم الشائهة المشوهة، لقد استغلوا المآل الحتمى الذى انتهى إليه المسار العدلى المعطوب والمعوج الذى سارت فيه عمدا عملية حساب قادة ورموز نظام مبارك وولده بعدما تواطأت جماعة الشر مع المجلس العسكرى لفرضه على المجتمع -مع مسارت كارثية أخرى- بينما كانت أصوات الثوريين الحقيقيين تتعالى محذرة من عبثية ولا جدوى هذا المسار.. لكنهم الآن وقطيع الخدامين والنصابين -بعضهم كانوا وما زالوا مخبرين- ارتدوا جميعا أردية الثورجية وراحوا يجعِّرون ويهلفطون مطالبين باتخاذ «إجراءات قمعية استثنائية» بحجة الثأر والانتقام من العصابة المدحورة التى ورثونا منها، مع أنهم يعرفون جيدا أن لا معنى لقتل ميت تعفنت جثته وتحللت بالفعل. يبقى أن من رحمة المولى تعالى وفضله علينا، أن هؤلاء النصابين يتميزون بسبيكة الشر والغباوة، لهذا فإن أهدافهم ومراميهم الشريرة تبدو دائما مفضوحة لا ينفع فى سترها نصب ولا كذب.. فأى عيل صغير فى هذا البلد يستطيع بسهولة إدراك الغرض الحقيقى من حملة الضجيج الحالية التى ترفع شعار إقامة العدالة الناجزة على رقاب عواجيز نظام المخلوع بعد فوات الأوان! والحق أن الغرض من هذه الحملة ليس غرضا واحدا ولا اثنين، وإنما ثلاثة أغراض، أولها حرف الأنظار وإلهاء خلق الله عن فشل جماعة الشر وخيبتها القوية فى إدارة شؤون البلاد، وثانيها تمهيد الأرض لاستكمال أعمدة بنيان الديكتاتورية والفاشية العبيطة، وأما الغرض الثالث فهو اختراع سبب جديد للتشهير البذىء بمرفق العدالة والقضاء حتى يسهل تدميره وهدمه رأسا على عقب.. أو هكذا يتوهمون!