أشك كثيرا جدا فى أن الست «جماعة الشر» السرية الراقدة بالغصب فوق قلوبنا هذه الأيام، وكذلك قطعان توابعها الأذلاء ومنافقوها المساكين يعرفون أو حتى سمعوا مجرد سمع باسم الروائى البريطانى ذائع الصيت جورج أورويل (18903 1950) صاحب روايتى «مزرعة الحيوانات» و«1984» المصنفتين ضمن أهم وأكثر منتجات الأدب فى القرن العشرين شهرة وانتشارا، فضلا عن كونهما تحفتين إبداعيتين، تفوقتا فى تشريح وتحليل نظم القمع والديكتاتورية وتتبع آلياتها ووسائلها الشريرة للهيمنة على الناس وتدجينهم وتزييف وعيهم، خصوصا استخدام ترسانة لغوية متخمة بمصطلحات وشعارات وعبارات مبهمة أو مخاتلة ومشوهة عمدا، ليس لها من هدف إلا سحق أفهام المواطنين وتشويش أفكارهم وتسويغ الظلم وتبرير القهر. لقد أعطى أورويل قضية «اغتصاب اللغة» وتحويل الخطاب السياسى الكذوب إلى سلاح دمار عقلى شامل وأداة للسطو على أدمغة الناس من أجل «التمكين» للنظم الفاشية والديكتاتورية وضمان استمرارها، أهمية قصوى ومركزية، حتى إنه لم يكتف بالتركيز الشديد على هذه القضية فى روايتيه المذكورتين، وإنما جعلها موضوع بحث معمق وخطير، عَنْونه ب«السياسة واللغة» نشره فى العام 1946 أوضح فيه المعانى التى سربها بنعومة وبطريقة غير مباشرة فى دراما «مزرعة الحيوانات» حيث سرق الخنازير وتوابعهم الكلاب الثورة من الباقين. وفى «1984» عندما فرض «الأخ الأكبر» ديكتاتوريته العاتية وزينها بركام هائل من الشعارات التى لا ينافس بريقها إلا غموضها وإبهامها وكذبها أيضا.. وكرس أورويل بهذا البحث مصطلح «اللغة السياسية الأورويلية» المستخدم بغزارة حتى الساعة فى وصف خطاب الديكتاتوريين والفاشيين. ورغم أن شكوكى تلامس حدود اليقين أن تعليم وثقافة جماعة الشر وتوابعها وقطعان منافقيها لا تسمح لهم بمعرفة جورج أورويل وإبداعاته واجتهاداته، فإن عندى قائمة طويلة من الأدلة التى تثبت أنهم توصلوا ب«الغريزة» لا العقل إلى نوع بدائى من «اللغة الأورويلية» ربما تضيق هذه الزاوية عن رصدها ورصها وتتبعها جمعيا، لهذا سأكتفى بذكر بضع أمثلة ونماذج من أشهرها (شهرة تماثل الفضيحة تماما) وأدعوك عزيزى القارئ إلى تأملها وسوف تكتشف بنفسك حجم النصب والكذب الراقد فيها، ومستوى العدوان الإجرامى على معانيها الأصلية. يعنى مثلا، تعمدت الست «الجماعة» السرية عندما اختارت للحزب الذى فبركته وجعلته مجرد «ذراع» بائسة تحركه من مغارتها المظلمة بالريموت كنترول، اسم «الحرية والعدالة» بينما حضرتها لا تكاد تخفى (وتمارس عمليا ويوميا) كراهيتها وعداءها لكل معانى وتجليات «الحرية» ولا تطيق أى تطبيق ل«العدالة»، خصوصا وباقى الحقوق الإنسانية عموما!! كما أن الست المذكورة وهى غارقة حتى أذنيها فى التأخر والتخلف والجاهلية والغربة عن التقدم والتحضر والحداثة، لم تجد ل«ذراعها» الرئاسية شعارا سوى كلمة «النهضة» التى ظلت تثرثر وتطنطن آناء الليل وأطراف النهار حتى اكتشف الناس (بل واعترف كبيرهم علنا) بأن هذه النهضة المزعومة ليست سوى «فنكوش» وهمى وخرافة أسطورية نادرة، بدَّدها واقع الخيبة القوية والفشل الذريع وخراب مستعجل تراكمت أسبابه وتفشت مظاهرة فى السياسة والاقتصاد والاجتماع، وعلى كل صعيد!! تآكلت المساحة، وسأكمل غدا، إن شاء الله.. لكنى لا أستطيع أن أختم هذه السطور من دون أن أذكِّرك، يا عزيزى، بشعار «نحمل الخير لمصر» الذى رفعته الست الشريرة فى انتخابات «برلمان الثورة» المنحل، وأرجوك أن تنظر حولك لترى نوع «الخير» الوفير الذى تعانيه السيدة مصر هذه الأيام!!