منذ البداية قلنا إن المطلوب عدالة ثورية للتعامل مع فساد النظام السابق، فكان رد «الإخوان» وحلفائهم الرفض المطلق والاكتفاء بالقوانين العادية، مبررين ذلك بالحرص على استعادة الأموال المهربة للخارج! ومن البداية قلنا إن الثورة لا بد أن تستمر حتى تحقق أهدافها، ولكن ما إن ضمن «الإخوان» وحلفاؤهم السيطرة على مجلس الشعب المنحل، حتى تعالت الأصوات القبيحة بأن «الشرعية للبرلمان ولا شرعية للميدان»!! وبدأ العمل لمطاردة الثوار الحقيقيين، وتصفية الثورة وتمهيد الطريق أمام استبداد جديد يطيح بكل آمال المصريين فى الحرية والكرامة والمساواة بين أبناء الوطن. ومع مجىء الأخ مرسى للحكم قلنا فلنفتح صفحة جديدة يتشارك فيها الجميع من أجل إنقاذ الوطن، فإذا بنا فى شهور قليلة أمام حكم لا هم له إلا السيطرة على الدولة، و«أخونة» كل مؤسساتها، وإقامة أبشع أنواع الفاشية متسترا برداء الدين البرىء من كل هذا العبث. وإذا بنا أمام نقض كامل لكل العهود وانقلاب تام على الثورة التى أرادت الحرية والكرامة والعدل الاجتماعى، فإذا بنا أمام عصف كامل بالحريات، واستهداف لشباب الثورة بالقتل والتعذيب والسجون، وإذا بنا أمام شبح الانهيار الكامل للدولة وأمام خطر المجاعة على يد الحكم الرشيد! الآن يتذكر «الإخوان» وحلفاؤهم الثورة التى كانوا آخر الملتحقين بها وأول المغادرين لها، ويعلنون الحرب على القضاء، ويخرجون للميادين تمهيدا لضرب استقلال القضاء، ولتمرير قانون مشبوه أعده بعض المشبوهين لتحقيق السيطرة الإخوانية على القضاء والتخلص من ربع قضاة مصر عن طريق تخفيض سن المعاش، وفتح الباب لما سموه «التطهير» الذى لن يقتصر على القضاء، بل سيمتد إلى كل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية! السبب المعلن هو صدور أحكام براءة لعديد من المسؤولين فى النظام السابق، وانتهاء الحبس الاحتياطى للرئيس السابق فى إحدى القضايا، مع بقائه محبوسا على ذمة قضايا أخرى! كان يمكن أن نصدق ذلك لو أنه جاء من ثوار حقيقيين، لا من أطلقوا صيحة أن «الشرعية للبرلمان ولا شرعية للميدان! وكان يمكن أن نصدق ذلك لو أننا لا نرى أمامنا توسل الحكم للصلح مع أقطاب النظام السابق، وعقد الصفقات لتسوية أوضاعهم، وإرسال المبعوثين فى الداخل والخارج لاسترضائهم! وكان يمكن أن نصدق ذلك لو أنهم كانوا بالفعل حريصين على العدل وعلى القصاص للشهداء وعلى احترام القانون وعلى الولاء للثورة! لكننا -للأسف الشديد- لا نرى شيئا من ذلك.. وإنما نرى انقلابا على الثورة، واستهانة بالقانون، وغيابا لروح العدل، وإهدارا لكل القيم من أجل «التمكين» والهيمنة على كل مؤسسات الدولة. أى استهانة بالعقل أن يتحدث عن استقلال القضاء، من حاصروا المحاكم واستهانوا بالعدالة، وارتضوا أن تحكم مصر بدستور باطل، وأن يكون لمصر نائب عام ملاكى بلا شرعية إلا شرعية السمع والطاعة؟! وأى استهانة بدولة القانون، حين يترك مستقبل القضاء فى يد الذين هللوا للإعلان الاستبدادى الذى أطاح بكل قيم العدالة، والذى جعل من الحاكم نصف إله، والذى أعطى القضاء إجازة حتى لا يحكم بالحق، وحتى يتم تحصين جمعية الدستور الباطلة، ومجلس الشورى الأكثر بطلانا؟! إنهم لا يريدون محاسبة النظام السابق كما يدعون، ولكنهم يخشون من أن تطولهم يد العدالة لتحاسبهم على ما اقترفت أيديهم من جرائم لا تقل عما كان قبل الثورة وفى أثنائها! إنهم يخشون من عدالة تقتص منهم على ما فعلوه فى أحداث الاتحادية، وما اقترفوه فى حق أبناء بورسعيد، وما ارتكبوه وهم يستهدفون أنبل شباب الثورة بالقتل والتعذيب بلا ضمير، وبسلوك البلطجية الذين يكرهون سيرة الثورة والثوار. إنهم لا يريدون محاسبة النظام السابق الذى يعقدون الصفقات مع رموزه، ويسيرون على نفس سياساته، ويتبعون نهجه حتى فى الركوع أمام أعداء الوطن. لكنهم يريدون الفرار بجرائمهم، ويريدون السيطرة على القضاء حتى يتمكنوا من الهيمنة الكاملة على كل مفاصل الدولة، ويريدون «التطهير» سلاحا لإقامة الحكم الفاشى لا لجماعة الثورة التى خانوا مبادئها، وصالحوا أعداءها، وطاردوا شبابها. ويريدون قضاء -مثل النائب العام الملاكى- يساعدهم على قمع الشعب وهم يستعدون لتزوير الانتخابات من ناحية، ولرفع الدعم وسحق الفقراء من ناحية أخرى. لكنهم واهمون.. قضاء مصر لن يخضع لهم. وشعب مصر لن يسمح للجريمة أن تكتمل. والثورة ستمضى فى طريقها رغم أنف الحكم الفاشل والفاشى الذى يعادى الحرية، ويخاف من العدل ومن حكم القانون!