برحيل علي سالم أمس، الثلاثاء 22 سبتمبر، تُطوى صفحة بالغة الإثارة في حياتنا المسرحية والسياسية، فالرجل أسهم بنصيب معقول في إثراء المسرح السياسي من خلال مجموعة مسرحيات كتبها طوال أربعين سنة، وقد لقيت أعماله حفاوة لا بأس بها منذ البداية، فقدم له المسرح المصري عدة أعمال منها (عفاريت مصر الجديدة/ حدث في عزبة الورد/ أنت اللي قتلت الوحش/ سهرة مع الضحك)، و(بكالوريوس في حكم الشعوب) التي شاهدتها على خشبة مسرح باب اللوق عام 1981، وأنا طالب في كلية الفنون الجميلة بالزمالك، وقد لعب أدوار البطولة كل من نور الشريف والوجه الجديد آنذاك ليلى علوي ويحيى الفخراني والنجم الصاعد أحمد بدير. لكن تظل (مدرسة المشاغبين) هي أشهر أعماله على الإطلاق، ومع ذلك فقد انطفأ نجم علي سالم وانفض الناس من حوله عندما زار إسرائيل عام 1994 زاعما أنه أراد أن يعرفها من الداخل، حيث كان يكتب تفاصيل زيارته في حلقات في مجلة (كاريكاتير) التي ترأس تحريرها مصطفى حسين، ثم أصدرها بعد ذلك في كتاب باسم (رحلة إلى إسرائيل). والسؤال: هل موقفه السياسي الذي يبارك التطبيع مع إسرائيل ويؤيده بقوة هو الذي جعل مسرحيات علي سالم تختفي أو تكاد منذ ربع قرن تقريبًا لأن النخبة قامت بإقصائه من على الخريطة الإبداعية؟ أم أن نتاجه المسرحي ليس بالمستوى الجيد -رغم غزارته- حيث أصبح لا يلبي أشواق الناس في زماننا هذا؟ الحق أن علاقة المبدع بالسياسة وموقفه منها تطرح عدة قضايا شديدة الأهمية، مثل.. هل إذا كان المبدع من جوقة السلطان حظيت كتاباته وأعماله بالرواج والحضور حتى لو كانت ركيكة الذوق عسيرة الهضم؟ أم أن الإبداع الجيد والجميل يفرض نفسه على الذائقة الجمعية للناس حتى لو كان صاحبه ممن يناصبون السلطة السياسية العداء؟ في تاريخنا العربي ثمة نماذج مهمة يمكن لنا الرجوع إليها لنحكم من خلالها على مستقبل علي سالم، من أشهر هذه النماذج المتنبي -أشعر العرب على الإطلاق- الذي كال المديح للحاكم -سيف الدولة- في قصائد كثيرة، ومع ذلك فإن الناس تحفظ شعره وتتداوله من قرن إلى آخر، لأنه ما زال قويا مترعا بالجمال والحكمة، كذلك يمكن الكلام عن ابن خلدون صاحب المقدمة الشهيرة المؤثرة حتى الآن، رغم أنه هادن تيمور لنك زعيم التتار واقترب منه وتعاون معه، لكن التاريخ أسقط علاقته بتيمور لنك واحتفى حفاوة بالغة بمنجزه الإبداعي في علم الاجتماع نظرًا لفرادته وأهميته! علي سالم كتب مسرحا وزار إسرائيل في تحد صارخ للمشاعر المصرية والعربية، فهل أضر موقفه السياسي بعمله الإبداعي؟ سيحكم التاريخ على مسرح علي سالم، فإذا كانت أعماله المسرحية جيدة سينسى موقفه التطبيعي مع إسرائيل أو يتغاضى عنه، أما إذا كانت أعماله لا تصمد أمام الزمن فلن يذكره التاريخ إلا بوصفه واحدا خاصم ضمير أمته وهجر مصر الجديدة وعفاريتها، وراح إسرائيل ليمازح شياطينها.