يعد تعدد و تنوع و اختلاف الأجناس و الأعراق و الأديان من أهم العوامل التي ساهمت في تربع نادي برشلونة الأسباني على قمة أندية العالم في تناقض تام مع النزعة الانطوائية التي تسيطر على مشاعر ما يقرب من نصف سكان إقليم كتالونيا الذي يقع فيه نادي برشلونة من خلال مطالبتهم بانفصال الإقليم عن أسبانيا بدعوى الحفاظ على لغته و ثرواته و تميز عرقه . فلو نظرنا إلى الشخصيات التي أوصلت برشلونة إلى قمة الكرة العالمية سنجد أنها كوكبة من الشخصيات تنتمي لمعظم قارات العالم و تتميز بتعدد لغاتها و أديانها و أعراقها و أجناسها بدء بالأرجنتيني الساحر ميسي و الأسباني جوارديولا و الهولندي كرويف و الكاميروني إيتو و مرورا بالقطرية الشيخة موزة و البرتغالي مورينيو و الفرنسي أبيدال و الصيني التايواني ديداك لي. فبفضل جهود وتعاون هذه الشخصيات لم يعد برشلونة أعظم أندية أوروبا و العالم فحسب بل أصبح مرجعية في عالم الساحرة المستديرة بعد أن ارتفع عدد عشاقه الفعليين إلى 400 مليون نسمة من جميع أرجاء المعمورة يقفون على أهبة الاستعداد للتضحية بالمال و المساندة عبر الإنترنت للمساهمة في نهضة النادي كنتيجة طبيعية لفوزه بأربع بطولات للأندية الأوروبية الأبطال «التشامبيونز ليج» و عشقهم لطريقة لعبه لتي تشبه لعبة البلاي ستيشن فضلا عن تربعه على عرش الكرة المحلية الأسبانية أقوى بطولة دوري في العالم على حساب النادي الملكي ريال مدريد نادي القرن في قارة أوروبا . وهذه هي نبذة عن أهم الشخصيات مختلفة الجنسيات التي ساهمت في تحليق برشلونة في عنان سماء كرة القدم : 1- الأرجنتيني ليونيل ميسي : يعد ميسي بمثابة باعث النهضة الأول لبرشلونة في القرن الحادي و العشرين فعندما وقع جورج ميسي والد ليونيل ميسي على عقد انتقال ابنه المراهق لبرشلونة من ناديه المغمور في الأرجنتين في 14 ديسمبر 2000 لم يكن برشلونة يتخيل آنذاك أن هذا الطفل القصير الذي تولى النادي علاجه من قصر القامة بتناول هرمون النمو سيساهم في تحول برشلونة إلى أعظم نادي في العالم في وقت كان أقصى ما يتمناه النادي أن يعيش في جلباب ريال مدريد نادي العاصمة الملكي . فلم تمر سنوات طويلة على توقيع الشبل ميسي لبرشلونة إلا و قد كون شراكة مع أثنين من زملائه خريجي أكاديمية الكرة الكتالونية لاماسيا و هما أنيستا و تشافي ليساعداه تحت قيادة المدير الفني السابق للفريق بيب جوارديولا في دك مرمى الخصوم بعشرات الأهداف و حصد الألقاب المحلية و الأوروبية و العالمية بانتهاج طريقة لعب مبتكرة تقوم على نسبة استحواذ عالية للكرة تزيد في كثير من الأحيان عن نسبة 75 في المائة مما يدخل اليأس و الإحباط بالمنافسين ليسهل بعد ذلك الإجهاز عليهم . و قد ساهمت طريقة لعب برشلونة القائمة على التعاون بين اللاعبين إلى حد الوصول بالكرة إلى داخل المرمى في تتويج ميسي بلقب أفضل لاعب في العالم خلال السنوات الأربعة الأخيرة و هو ما دفع البعض لاعتباره أفضل لاعب في تاريخ كرة القدم و ليس فقط من أفضل ثلاثة لاعبين في العالم إلى جانب البرازيلي بيليه و مواطنه مارادونا رغم تفوق الاثنين عليه لنجاحهم في قيادة منتخب بلديهما للفوز بكأس العالم و هو اللقب الذي لم ينجح ميسي حتى الآن في تحقيقه . 2- الأسباني بيب جوارديولا : عندما ارتدى الأسباني الكتالوني جوسيب جوارديولا الشهير ببيب جوارديولا فانلة برشلونة كلاعب في فريق الأحلام الذي كونه المدير الفني السابق للفريق يوهان كرويف في نهاية الثمانينات من القرن الماضي أطلق عليه مشجو النادي لقب «الأسطورة» . و قد نجح جوارديولا في الاحتفاظ بهذا اللقب عندما تولى تدريب الفريق في عام 2008 ليبدأ معه مسيرة العودة إلى القمة من جديد بعد سنوات من الضياع و الاضطراب . فقد تمكن جوارديولا خريج أكاديمية لاماسيا من تنمية مواهب لاعبين مغمورين من خريجي نفس الأكاديمية مثل أنيستا و بيدرو و بوسكيتس فضلا عن تعظيم دور ميسي في الفريق حتى وصل بالفريق للقب أعظم فريق في العالم من خلال طريقة لعب تشبه لعبة البلاي ستيشن . و قد أدت هذه الطريقة إلى تغيير كثير من مفاهيم كرة القدم لدرجة أن برشلونة أصبح يحرز أهدافا وفيرة من دون تسديدات قوية من خارج المنطقة أو مهاجم صريح قوي البنية طويل القامة من أمثال إبراهيموفيتش و دروجبا و غيرهم من رؤوس الحربة العمالقة . و يرى جوارديولا أن المنصب الذي بات ينقصه لكي يكون قد توج مسيرته مع برشلونة هو منصب رئيس النادي و لم لا فتوليه تدريب بايرن ميونيخ أعتبارا من الموسم القادم سيزيد بكل تأكيد من خبرته ليكون جديرا بمنصب الرئيس . 3- الأسباني أندرياس أنيستا : رغم أن الأسباني أندرياس أنيستا لاعب برشلونة ليس من أبناء مدينة برشلونة إلا أنه خريج مدرسة لاماسيا التي طبعت أسلوبها على معظم لاعبي برشلونة في الألفية الثالثة . فقد كان أنيستا قاب قوسين أو أدنى من العب لريال مدريد و هو ناشيء صغير لكن الأعين الخبيرة لمدربي لاماسيا و قدرتهم على إقناع والد أنيستا غيرت وجهته من النادي الملكي إلى النادي الكتالوني . فعلى الرغم من الغربة و افتقار الصغير أنيستا لأسرته إلا أنه سرعان ما تمكن من الاعتياد على الغربة بفضل عشقه للكرة و ذكائه و موهبته الخارقة . لقد تمكن أنيستا من التفوق على الجميع و حتى على مثله الأعلى مايكل لاودروب و ذلك بقدرته على حسم المباريات الكبرى بتسجيل الأهداف المؤثرة ولا أدل على ذلك من هدفه التاريخي في نهائي مونديال 2010 بجنوب إفريقيا عندما أحرز هدف الحسم في مرمى هولندا في الدقيقة 116 من عمر المباراة لتتوج أسبانيا بطلة للعالم لأول مرة في تاريخها . كما لا يمكن أن ينسى محبو أنيستا هدفه في مرمى تشيلسي في الدقيقة 94 ليدرك برشلونة التعادل في الوقت بدل الضائع ويتأهل لنهائي دوري أبطال اوروبا 2009 مستفيدا من قاعدة احتساب الهدف خارج الأرض بهدفين . 4 الهولندي يوهان كرويف : يعد الهولندي الطائر يوهان كرويف من أهم الشخصيات التي تركت بصمتها على فريق برشلونة كلاعب في الفترة من 1973 إلى 1978 ثم كمدرب في الفترة من 1988 إلى 1996 . فقد كان كرويف أول من وضع لبنة طريقة لعب برشلونة الحالية التي تقوم على الاستحواذ على الكرة و تناقلها بدقة متناهية بين اللاعبين حتى يتم دك مرمى الخصوم بالأهداف مهما كان قدر الضغط الذي يبذله الخصوم لإحباطها . و قد كان كرويف أول من درس هذه الطريقة لتلاميذ أكاديمة لاماسيا . و لا يزال يلعب كرويف من خلف الكواليس دورا مهما في نهوض برشلونة فقد كان العامل الرئيسي الذي أدى إلى إقناع رئيس النادي السابق خوان لابورتا بتعيين جوارديولا مدربا عاما للفريق خلفا للهولندي ريكارد. 5- ساندرو روسيل : يعد ساندرو روسيل الرئيس الحالي لنادي برشلونة من الشخصيات التي مكنت برشلونة من الاحتفاظ بالقمة رغم رحيل جوارديولا و تراجع دور كرويف . فقد تمكن روسيل بحسن إدارته كرجل أعمال ناجح و أحد أبرز السياسيين في إقليم كاتالونيا من توقيع عقد رعاية مهم مع صندوق قطر للاستثمار مما ساعده في الاحتفاظ بنجومه في وقت تواجه فيه أسبانيا أزمة اقتصادية طاحنة . 6- صامويل إيتو : يعد الإفريقي الكاميروني صامويل إيتو من أهم مظاهر التنوع العرقي و الجنسي الذي ساهم في الارتقاء بمستوى برشلونة ليرفرف على رأس قائمة أفضل أندية العالم. فقد ساهم إيتو خلال فترة لعبه لبرشلونة «2004-2009» في إحراز العديد من الألقاب سواء الألقاب المحلية أو الأوروبية أو لقب الهداف . فلا يمكن لمحبي برشلونة أن يمحو من ذاكرتهم الهدف المهم الذي أحرزه إيتو في نهائي دوري أبطال أوروبا ضد أرسنال الإنجليزي في موسم 2006 . كما كان يوم 27 مايو سنة 2009 يوما مشهودا في تاريخ إيتو مع برشلونة فقد كان إيتو كان واحد من مهندسي فوز نادي برشلونة في نهائي دوري أبطال أوروبا 2009 بهدف في الدقيقة 10 في مرمى مانشستر يونايتد بعد خدمة من إنيستا و بذلك ساهم إيتو في تحقيق برشلونة الثلاثية التاريخية في هذا الموسم الإستثنائي «البطولة الإسبانية ودوري أبطال أوروبا وكأس إسبانيا» . 7- الشيخة موزة : يشعر برشلونة بامتنان كبير للشيخة موزة زوجة أمير قطر حمد بن خليفة آل ثان و رئيسة مؤسسة قطر «قطر فاوندايشن» فلولا عقد الرعاية التي وقعته الشيخة موزة مع النادي في عام 2010 بقيمة 171 مليون يورو بوصفها رئيسة مؤسسة قطر لوجد برشلونة صعوبة بالغة في الاحتفاظ بنجومه المتميزين في وقت الأزمة الاقتصادية و على رأسهم الساحر ميسي . و كانت الشيخة موزة قد تمكنت من تحقيق ثورة حقيقية في تاريخ برشلونة بعد أن تمكنت مؤسستها من إقناع النادي الكتالوني باستغلال فانلته في إعلانات تجارية بعد رفض قاطع دام قرن من الزمان . و رغم أن مؤسسة قطر هي مؤسسة غير ربحية إلا أنها ستتخلى عن اسمها من على فانلة برشلونة اعتبارا من الموسم القادم ليحل محلها علامة تجارية و هي شركة الطيران القطرية «قطر ايروايز» . 8- ديداك لي : يمثل ديداك لي رئيس إدارة التكنولوجيا الحديثة و الترويج لأسم برشلونة في قارة آسيا احد أهم أوجه التعدد الجنسي لنجاح مسيرة برشلونة . فديكاك لي المولود في برشلونة من أب صيني و أم تايوانية يعلب الآن دورا مهما في دخول برشلونة في السوق الآسيوي حيث النهضة الصناعية الكبرى و اهتمام الآسيويين المتزايد بكرة القدم . كما يمثل ديداك لي في نفس الوقت مثال عن أهمية انفتاح كتالونيا على العالم في تعارض لدعوة الانزواء على النفس التي يتبناها مؤيدو انفصال الإقليم عن أسبانيا . و لا يمكن أيضا إغفال أدوار شخصيات أخرى لعبت دورا كبيرا في تربع برشلونة على قمة أندية العالم على رأسها بويول كابتن الفريق الذي لا يزال محبو برشلونة يتذكرون قبلته لشارة الكابتن عند فوز برشلونة على ريال مدريد 6/ 2 في عقر دار النادي الملكي في عام 2009 و المدافع جيرار بيكيه الذي يحرص النادي على الاحتفاظ به في لياقة بدنية عالية بوصفه أحد أهم دعائم دفاع الفريق و قد ظهر ذلك بوضوح عندما تم التجسس عليه عقب ارتباطه بعلاقة بالمغنية الشهيرة شاكيرا و المعجزة تشافي الذي احتفل مؤخرا بمرور 15 عاما على اللعب في صفوف برشلونة . كما لا يمكن أيضا إغفال دور تيتو فيلانوفا المدير الفني الحالي للفريق و دوره في استكمال مسيرة جوارديولا و لا إغفال دور زوبيزاريتا المدير الرياضي الحالي للنادي و لا الفرنسي اريك أبيدال الذي دفعه حبه لبرشلونة إلى حد العودة من جديد للعب الكرة في صفوفه بعد خضوعه لعملية خطيرة في الكبد و لا جون لابورتا رئيس النادي السابق باعث نهضة النادي الكتالوني . و يبقى السؤال و هو هل يمكن بعد أن تعاون هذا العدد الكبير من الأعراق و الأجناس في النهوض ببرشلونة أن ينجح الانفصاليون في عزل برشلونة في دوري كتالوني منفصل عن الدوري الأسباني حيث يلعب ريال مدريد نادي العاصمة الأسبانية ليفقد العالم أهم و أشهر كلاسيكو في تاريخ كرة القدم ؟