عناصر الاستخبارات والقوات الخاصة الأمريكية يعملون على الأرض في سوريا لم يكن الحديث عن وجود مكثف لعناصر الاستخبارات والقوات الخاصة الأمريكية في سوريا مجرد استنتاجات، بل معلومات أكدتها مصادر مختلفة من جهة، وشهود عيان من جهة أخرى، وعلى غرار ما جرى في ليبيا تحديدًا، تقوم بأدوار مختلفة، وربما متناقضة، وفقًا لخريطة توزيع المجموعات الاستخباراتية الأمريكية والمقصود بالأدوار المختلفة والمتناقضة، هو (انتماء هذه العناصر لقطاعات ومؤسسات أمنية أمريكية، أو انتماؤها إلى مجموعات الظل والخفاء التي تقوم بتنفيذ المهمات القذرة). ووفقًا للمصادر فإن ال"سي آي ايه" حصلت في هذه الحملة العسكرية دقيقة الأهداف على صلاحيات واسعة في تحديد هويات ومواقع قادة تنظيم "داعش الإرهابي". وقد أكدت المصادر أن الضربات تُوجه على هذه الأهداف حصرًا تحت إشراف "قيادة العمليات الخاصة المشتركة" (جي إس أو سي) التابعة لقيادة القوات الخاصة الأمريكية. لقد تزامن الإعلان عن وجود عناصر استخبارات وقوات خاصة أمريكية على الأراضي السورية مع نشاطات ملحوظة في عمليات ما يسمى ب"المعارضة المعتدلة المسلحة" في أنحاء متفرقة من العاصمة السورية دمشق نفسها، وليس فقط في ريفها أو على أطرافها. صحيفة "واشنطن بوست" تحدثت أخيًرا عن هذا الموضوع، مشيرة إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي ايه) وقيادة القوات الخاصة الأمريكية تنفذان معًا "عمليات عسكرية جراحية" ضد "داعش" في سوريا. وهذه العمليات منفصلة عن الغارات الجوية التي يشنها التحالف الأمريكي نفسه ضد التنظيم الإرهابي، ما يعني أن الولاياتالمتحدة تعمل على أكثر من محور، أولها القصف الجوي للأراضي السورية تحت مزاعم مواجهة "داعش"، وتنفيذ عمليات داخل الأراضي السورية تحت مزاعم تصفية قيادات داعش، وتدريب عناصر المعارضة التي يجب أن تقوم بدور محدد يرسم لها الآن، إضافة إلى العمليات الأمريكية – التركية في شمال سوريا لتفريغ المنطقة وإخلائها تمامًا، تمهيدًا لإعلان منطقة آمنة، لا يعرف أحد من الذي سيتواجد بها وبأي صفة. إن تواجد هذه العناصر الاستخباراتية والقوات الخاصة الأمريكية في سوريا قد لا يثير الدهشة إذا عرفنا أن هذه العناصر، إلى جانب عناصر مماثلة من فرنسا وبريطانيا، كانت متواجدة فبراير - مارس 2011. وجرت عمليات إنزال قوات خاصة بريطانية في صحراء بنغازي في مطلع مارس 2011. وبعد 3 أيام أعلنت الصحف البريطانية "أن هناك أزمة دبلوماسية بين لندن وطرابلس، بسبب قيام عناصر ليبية تابعة للمجلس الوطني بتوقيف دبلوماسيين بريطانيين. وبعد ذلك انتهى الأمر ولم يسمع أحد عن تفاصيل إضافية. وكان هؤلاء الدبلوماسيين البريطانيين، هم أنفسهم عناصر القوات الخاصة البريطانية التي هبطت في صحراء بنغازي شرق البلاد، بينما نظيرتها الفرنسية كانت قد قامت بعمليات الإنزال في منطاق أخرى في غرب البلاد وبالقرب من العاصمة. وفي سبتمبر 2011 كانت بصمات عناصر الاستخبارات والقوات الخاصة الأمريكية والبريطانية والفرنسية واضحة تمامًا في رأس لانوف والنوفلية اللتين كانتا تُشكلان مراكز عمليات عصابات القاعدة والتنظيمات الإرهابية الأخرى المتنشرة بداخل المعسكرات بطول شاطئ البحر الأبيض المتوسط، استعدادًا لدخول سرت من جهة، والتغطية على ما جرى في باب العزيزية والساحة الخضراء من جهة أخرى - أي أن عناصر ومجموعات القاعدة كانت تعمل إن لم يكن تحت إشراف هذه العناصر، فعلى الأقل تحت أعينها وربما بمساعدتها لوجستيًا. وكان البحث يجري في تلك الفترة عن معمر القذافي الذي غادر قصر العزيزية تحت قصف الناتو من جهة، وهجمات قيادات القاعدة المدعومة من الحلف وعناصر الاستخبارات والقوات الخاصة للدول الثلاث المذكورة. الصحيفة الأمريكية نقلت عن مسؤولين أمريكيين كبار "أن هدف العمليات التي تشنها ال"سي آي ايه" والقوات الخاصة هو تصفية قياديين في التنظيم، مشيرة إلى أن إحدى هذه العمليات نجحت الأسبوع الماضي في القضاء على أحد البريطانيين الذي كان ينشر الدعاية ل"داعش" عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وحسب المسؤولين أنفسهم فقد جرى حتى اليوم تنفيذ عدد من هذه الضربات. ولكن السؤال يدور الآن حول ماهية هذه الصلاحيات لعناصر استخبارات وقوات خاصة تعمل بشكل رسمي ومعلن على أراضي دولة أخرى؟ وهل الإدارة الأمريكية لديها علم بنوعية هذه القوات والعناصر وتسليحها، أم أن هناك مجموعات "الخفاء" التي عادة ما تعلن الإدارة الأمريكية والبنتاجون ووكالة الاستخبارات أنها لا تعرف عنها أي شئ ولا توجد عنها أي معلومات رسمية؟ إذا كان الناتو قد لعب دورًا حيويًا في مساعدة عناصر القاعدة في الاستيلاء على الساحة الخضراء وقصر العزيزية في ليبيا، فإن الولاياتالمتحدة تقوم بهذا الدور في سوريا الآن على المحاور المذورة أعلاه لتقديم أكبر قدر من الدعم الجوي والاستخباراتي والعملياتي لما يسمى للمعارضة المعتدلة المسلحة، والمجموعات الدينية المتطرفة، وربما لمجموعات تنتمي إلى داعش نفسه. ليس مصادفة أن يتزامن الحديث عن نشاطات الاستخبارات والقوات الخاصة الأمريكية على الأراضي السورية، مع قتل 13 شخصًا على الأقل وإصابة العشرات في أماكن مختلفة من العاصمة دمشق نتيجة سقوط قذائف هاون بالقرب من وسط العاصمة نفسها، وكذلك انفجار سيارة مفخخة في ساحة الحمام على أطراف مدينة اللاذقية أسفر عن مقتل 10 أشخاص وإصابة 25 آخرين. وفي الحقيقة، فقد ظهرت عشرات السيارات التابعة للتنظيم الإرهابي في اللاذقية، وهو ما يشير إلى خطورة ما يجري الآن، ومساعي واشنطن الوصول بأقصى سرعة ممكنة إلى تنفيذ سيناريوهات لا يشك أحد في أنها ستجلب المزيد من الدمار على المنطقة كلها، وليس فقط على سوريا. من هنا تحديدًا، اعتبر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف "أن مطالبة الرئيس السوري بشار الأسد بالرحيل كشرط مسبق للشروع في مكافحة الإرهاب، أمر ضار وغير واقعي، وفقًا لتعبير الوزير الروسي الذي دعا، في الوقت نفسه، إلى التخلي عن هذه المطالب على اعتبار أن ذلك سيسمح بزيادة فعالية مكافحة الإرهاب. وقارن لافروف بين مصائر حكام عرب سابقين وبين ما يحدث اليوم وفق السيناريو الأمريكي، مشيرًا إلى "أنهم يحاولون اليوم ربط كافة الخطوات التي يجب اتخاذها للتسوية في سوريا برحيل بشار الأسد باعتبار أنه لم يعد شرعيًا، وهو نفس النهج الذي اعتمدوه للقضاء على صدام حسين ومعمر القذافي". وفي سياق ذي صلة، أعلن مندوب روسيا الدائم لدى الأممالمتحدة فيتالي تشوركين "أن موسكو لن تلتحق بالتحالف الدولي ضد داعش بقيادة واشنطن، منوهًا بأن التحالف يقصف أراضي سوريا دون موافقة مجلس الأمن الدولي، واعتبر الدبلوماسي الروسي أن دول التحالف لا تفهم حتى الآن ما هي الأهداف التي تسعى لإنجازها، هل هي مواجهة تنظيم "داعش" أو الإطاحة بحكومة بشار الأسد. وكرر تشوركين موقف بلاده "محاربة تنظيم داعش تعد أولوية واضحة الآن"، مشددًا على أن "من يعارض حاليًا التعاون مع الحكومة السورية من أجل محاربة داعش كان يتعاون معها بهدف تدمير الأسلحة الكيميائية في سوريا". وتساءل تشوركين عن "ماذا يمنعهم من التعاون مع نفس الحكومة من أجل محاربة التنظيم الإرهابي". على الرغم من كل ذلك، تواصل الولاياتالمتحدة دفع سيناريوهاتها إلى الأمام على أكثر من محور كما ذكرنا سابقًا. وفي هذا الصدد بالذات، أفاد موقع "ديلي بيست" الإخباري الأمريكي بأن المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ديفيد بتريوس اقترح الاعتماد على "جبهة النصرة" من أجل مكافحة تنظيم "داعش". وذكرت تقارير أن بتريوس، وهو القائد السابق للقوات الأمريكية في العراق وأفغانستان، يقوم بإقناع مسؤولين أمريكيين بدراسة الاستعانة بأعضاء "معتدلين" من "جبهة النصرة" التابعة لتنظيم "القاعدة" الإرهابي، موضحة أن أحد مصادره ناقش هذا الموضوع مع بيتريوس مباشرة. واعتبرت دوائر سياسية وعسكرية أن خطة بتريوس خطرة وشبه مستحيلة ومثيرة للجدل، لأن واشنطن بدأت حربها ضد الإرهاب على خلفية هجمات "القاعدة" في 11 سبتمبر عام 2001، كما ستواجه هذه الخطة عقبات أمنية وشرعية كبيرة بعد أن أدرجت الإدارة الأمريكية "جبهة النصرة" في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية في عام 2012، وبالتالي، فالولاياتالمتحدة بحاجة إلى حادث مثل حادث 11 سبتمبر، أو حملة دولية ضخمة حول أسلحة كيماوية أو ذرية في سوريا، وربما مواجهات ما في المنطقة تشارك فيها دمشق، لكي تمتلك الحجج الكافية للالتفاف على مجلس الأمن الدولي، وتكرار سيناريوهات العراق وليبيا.