كتب: د. ياسر ثابت الرومانسي الذي بدأ وفديًا ثم انضم إلى السعديين.. قبل أن يختار طريق الإخوان! ارتبط بصداقة مع الضباط الأحرار الذين كانوا يزورونه في منزله في حلوان نظّم قصيدة في مديح الملك فارق بعد زواجه من الملكة فريدة كان أول من لفت النظر إلى روايات نجيب محفوظ.. واعتبر عباس العقاد أستاذه الأول يظن كثيرون أنهم يعرفون سيد قطب جيدًا، غير أن الحقيقة قد لا تكون كذلك بعد قراءة السطور التالية، فلعل كثيرين يجهلون أن سيد قطب كان وفديا لفترة من الزمن، فقد انضمّ إلى حزب الوفد ثم انفصل عنه، وانضم إلى حزب السعديين -نسبة إلى سعد زغلول- لكنه ملّ من الأحزاب ورجالها وعلل موقفه هذا قائلا: "لم أعد أرى في حزب من هذه الأحزاب ما يستحق عناء الحماسة له والعمل من أجله". وتروي لنا بعض المصادر الشحيحة أن الضباط الأحرار قبيل الثورة كانوا يزورونه في منزله في ضاحية حلوان، ويتناقشون معه بشأن الثورة وأسس نجاحها، والذي يؤكّد ذلك أنه تم تعيينه من قبل قيادة الثورة مستشارا للثورة في أمور داخلية، وأوكلت له مهمة تغيير مناهج التعليم في مصر. سيد قطب كان من أوائل من لفتوا الأنظار إلى موهبة الروائي نجيب محفوظ في وقت مبكر، فقد كتب قطب ثلاث مقالات عن ثلاث روايات من أعمال نجيب محفوظ، نُشِرت جميعها في مجلة "الرسالة"، كانت سببًا رئيسيًا في شهرة محفوظ، الذي اعترف بفضل قطب عليه، ويميز المقالات الثلاث تأكيد قطب أهمية نجيب محفوظ كروائي، لدرجة أنه قال عن رواية "كفاح طيبة": "لو كان لي من الأمر شيء لجعلتُ هذه القصة في يد كل فتى وكل فتاة، ولطبعتها ووزعتها على كل بيت بالمجان، ولأقمتُ لصاحبها، الذي لا أعرفه، حفلة من حفلات التكريم التي لا عداد لها في مصر" . يبدأ قطب مقاله عن رواية "خان الخليلي" بفقرة تضع محفوظ في مكانه الحقيقي بين الأدباء، نصها: "إنها خطوة حاسمة في طريقنا إلى أدب قومي واضح السمات، متميز المعالم، ذي روح مصرية خالصة من تأثير الشوائب الأجنبية، مع انتفاعه بها في الوقت الذي يؤدي فيه رسالته الإنسانية ويحمل الطابع الإنساني العام ويساير نظاره في الآداب الأخرى". امتلك سيد قطب علاقات مع عدة أدباء منهم طه حسين، وأحمد حسن الزيات، وتوفيق الحكيم، ويحيى حقي، ومحمود تيمور، ونجيب محفوظ، وغيرهم. ولكن علاقته المميزة كانت مع عباس محمود العقاد، وهو أستاذ سيد قطب، وأثّر كثيرا على مسار تفكير سيد قطب الأدبي والنقدي والحزبي. كان سيد قطب يكتب عن جميع كتب العقاد ويمدحه، ويشير إلى عبقرية الرجل، واعتبره شاعر العالم أجمع، لكنه في سنة 1948 خرج نهائيا من مدرسة العقاد. وكان سيد قطب غزير الإنتاج، يكتب المقالات الأدبية والنقدية والتربوية والاجتماعية والسياسية. ففي المجلات كتب في "الكاتب المصري"، و"الكتاب"، و"الوادي"، و"الشؤون الاجتماعية"، و"الأديب"، و"الرسالة"، و"الثقافة"، و"دار العلوم"، وغيرها. وأشرف قطب على مجلتي "الفكر الجديد"، و"العالم العربي"، كما أشرف على مجلة "الإخوان" التي لاحقتها السلطات وفرضت عليها الرقابة دون غيرها من الصحف، وأوقفتها عن الصدور في 5 أغسطس 1954. ولا يدري الناس كثيرًا عن الكتابات والقصائد المجهولة التي نشرها سيد قطب، فقد امتدح قطب الملك فاروق في قصيدة عام 1938 حين تزوج فاروق من الملكة فريدة، وامتدحه مرة ثانية عام 1947 حين استضاف الأمير عبد الكريم الجزائري، ووصف الملك في هذه القصيدة بأنه "راعي العروبة الأول". أما شعر سيد قطب، فهو مزدحمٌ بالرومانسية، وموضوعاتٍ شعريَّةٍ كثيرةٍ تدورُ حول الغزَل والحُب والشكوى والحنين كاتجاهٍ وموضُوعٍ، فمن عناوين قصائده مثلاً: قُبلةٌ، غزلٌ ومناجاةٌ، هي أنتِ، أحبُّكِ، لماذا أحبُّكِ، الغيرةُ، مصْرعُ حُبٍّ، الحنينُ والدموعُ، رقية الحُبِّ، عصْمةُ الحُب، على أطلالِ الحُب، مرض الحبيب، طيفُ الحبيب، شكوى وحنينٌ، فداؤك نفسي، هدأتَ يا قلبُ، قصَّةُ قلبين، عينان، حدِّثيني، خصامٌ، صوتُها، بيانو وقلبٌ، ريحانتي الأولى أو الحرمانُ، صدى قُبلةٍ، ماذا عليكِ، قُبلةٌ للتجربةِ، انتهينا، جمالٌ حزينٌ، وعيُها". أما ديوان سيد قطب "الشاطئ المجهول"، فقد طُبعت طبعته الأولى في مطبعة صادق في المنيا، وصدر في يناير من عام 1935، ويقع في 208 صفحات، وهناك من الإخوان المسلمين من عمد إلى إتلاف معظم شعر سيد قطب وحرقه، ويكفي أن نقول إن الديوانَ ظل قرابة ثمانين عامًا منسيًّا، لم يُطبع ثانيةً، مع أن "دار الشروق" المصرية تنشرُ كُلَّ ما هو دينيٌّ لسيد قطب، كما أن الإخوان لديهم من السَّطوة وامتلاكِ المالِ والنفوذ لنشر الديوان طبعة تلو الأخرى. وقد كتب قطب في عام 1951، أي في عز مجد جماعة الإخوان المسلمين، قائلاً: "الفتاة.. تعرف جيدًا موضع فتنتها الجسدية، في العين الهاتفة، والشفة الظامئة، والصدر الناهد، والردف المليء، والفخذ اللفاف، والساق الملساء، وهي تبدي هذا كله ولا تخفيه، والفتى.. يعرف جيدًا أن الصدر العريض، والعضل المفتول، هما الشفاعة التي لا ترد عنه كل فتاة". في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، كتب سيد قطب أشعاره الغزلية، وكتاباته النقدية عن طه حسين، والعقاد، وتوفيق الحكيم، وعبد القادر حمزة، ونجيب محفوظ، وعادل كامل وغيرهم، ثم كتب مذكراته "طفل من القرية"، و"التصوير الفني في القرآن"، وأهدى أحد كتبه إلى د.طه حسين، وكتب روايتيه "أشواك" و"المدينة المسحورة"، والرواية الأولى تعتبر شبه سيرة ذاتية، وهي تتحدث عن قصة حبه الفاشلة، وخيانة حبيبته له، وفي الرواية يكتب عن السينما والبارات التي كان يتردد عليها بطل الرواية، والرواية الثانية "المدينة المسحورة"، وقد صدرت عام 1945 عن سلسلة "اقرأ" التي أسسها طه حسين، تقوم على مرتكزين أساسيين، وهما الحياة المصرية القديمة، ثم عالم ألف ليلة وليلة، وهذان المرتكزان أشد أعداء الإسلام السياسي المتطرف. وهناك تصريح لشقيقه محمد قطب، بالسماح بنشر تراث سيد قطب ما عدا رواية "أشواك"، التي يعتقد أنها تسيء إلى قطب من الناحية الاجتماعية، والأكيد أنها تعرّفنا على تاريخ وأفكار سيد قطب على مدى حياته كلها، بصورة لا تجعله لغزًا أمامنا، وهذا ما فعله كثير من الباحثين مثل؛ شريف يونس، ومحمد حافظ دياب، وعلي شلش، وحلمي النمنم، وآخرين. وفي 25 يوليو عام 1938 كتب سيد قطب مقالًا في مجلة "الرسالة"، عن رواية "سارة" لأستاذه عباس محمود العقاد، وكان قطب يعتبر العقاد أستاذه الأول، وقد خاض من أجله معارك شرسة، أضير من جرائها سيد قطب، وكان هذا هو المقال رقم 13 في سلسلة مقالات كان يردّ بها سيد قطب على الأديب محمد سعيد العريان، وقد كان العريان ينشر كتابًا متسلسلًا في المجلة على مدى شهور عن الأديب مصطفى صادق الرافعي، وعندما تعرض العريان للعلاقة بين العقاد والرافعي، وانحاز العريان بشكل واضح إلى الرافعي، انبرى سيد قطب مدافعًا عن أستاذه العقاد، ودخل في هذه المعركة مجموعة من الكتّاب على رأسهم المحقق محمود محمد شاكر، والأديب محمد الغمراوي، والكاتب علي طنطاوي وغيرهم. وفي سياق تلك المعركة، كتب سيد قطب عن علاقة الدين بالأدب؛ لأن مهاجمي أو محاوري سيد قطب اعتبروه من أهل النار، وأنه من المجدفين، ورفعوا في وجهه راية الدين لكي يخيفوه كما كتب قائلًا: "الدين.. الدين.. هذه صيحة الضعيف، يحتمي بها كلما جرفه التيار، وهو لا يملك من أدوات السباحة ولا وسائلها شيئًا، وأشد الجناة على الدين، وأشد المشوهين له والمشككين فيه، أولئك الذين يضعونه مقابلًا للعلم تارة، وللفن تارة، ثم يحكمون أيهما أصح وأولى بالاتباع". وأضاف: "للدين مهمة قام بها وأداها خير أداء في إصلاح نفس الفرد للمجتمع، وفي تهيئة المجتمع لحياة الفرد، بالنصح تارة، وبالتخويف تارة، وبالتشريع تارة، وبكل الوسائل التي تكفل هذه الغاية الكبيرة على مدى الأجيال". ويعود قطب إلى تأكيد أن الدين ليست له علاقة بالعلم أو بالفن، فيكتب: "ولم يأت الدين ليخوض في المسائل العلمية البحتة، ولم يأت ليكون منهاجًا فنيًا، فكل زج به إلى الميادين التي لم يأت لها، ظلم له، وتعريض به، وعمل كعمل الدبة التي تحدث عنها صاحبنا الحديث المحفوظ". وبعدما يضع فرقًا أساسيًّا بين الدين الذي يقوم على الإقناع الوجداني والعقلي، والعلم الذي يقوم على المشاهدات والملموسات، والتجارب المحسوسة، يتحدث عن ابتعاد الدين عن الفنون قائلًا: "وليس من الحكمة كذلك وضع الدين مقابلًا للفنون، فهذه خاصة بالترجمة عن النفس الإنسانية وأحاسيسها وآمالها، وليس هذا من اتجاهات الدين، إلا في الدائرة التي تهمه لإصلاح نفس الفرد للمجتمع والمجتمع للفرد، على طريقته الخاصة…". ثم يصرخ: "الدين.. الدين.. قولوها مائة مرة، فلسنا والحمد لله ممن تخيفهم هذه الصيحات الفارغة"!