"سيد قطب" حين تسمع هذا الاسم ينصرف ذهنك مباشرة إلى تيارات الإسلام السياسى بتنوع أيدلوجياتها واختلاف درجات حرارتها الجهادية والفكرية والتربوية فمن ناحية كان الشهيد سيد قطب قياديا بارزا بجماعة الإخوان المسلمين فى الخمسينات ومن ناحية آخرى يعتبره البعض المنظر الأول والأب الروحى للجماعات الجهادية المسلحة وعلى صعيد آخر يعتبره آخرون أنه مفكر إسلامى له ما له وعليه ما عليه أصاب وأخطأ ورفعه محبوه إلى درجة التقديس وحط من قدره مناهضوه إلى درجة الشيطنة .. كل هذه آراء متداولة قتلت بحثا منها ما نتفق معه ونباركه ومنها ما نلفظه بشدة ولكن ليس هذا ما يعنينى فى هذا المقام إن ما أردت إيضاحه هنا وإيصاله للقارئ العزيز هو ما لا تعرفه عن الشهيد أو إن شئت فقد ما أريد لنا ألا نعرفه وهو سيد قطب أديبا وشاعرا ومثقفا وهو الملمح الرئيس والركيزة الأساسية التى يتحطم عليها اتهامات معارضو الفكرة الإسلامية له بالجهل أو الغلو فكيف لهذا الشاعر الرقراق والأديب العذب العميق أن يتحدث عن جهل أو أن يكتب عن عاطفة غير مؤصلة بواقعية المنطق ومحروسة بحدود المعطيات التى تؤول إلى النتائج المنطقية للفكرة المبتغاة
"كتب سيد قطب الشعر مبكراً ، ولعل أقدم قصائده المعروفة لدينا أرخها عام (1925) وهي بعنوان "وردة ذابلة" وهو عهد مبكر من حياته ، وأول ديوان أصدره كان عام (1935) بعنوان "الشاطئ المجهول" ولم يتوقف سيد عن قول الشعر ، وكانت آخر قصائده المعروفة "دعاء الغريب" قالها عام 1950م وانتهت بذلك مرحلة هامة من حياة هذا الشاعر الكبير . جمع الأستاذ عبد الباقي محمد حسين كل ما نشره سيد قطب من شعر في ديوان جامع صدر بمصر عام 1989 ، وتبين أن سيد قطب قد طرق عدداً من أغراض الشعر وعزف عن عدد آخر من أمثال المدح والفخر والهجاء والغزل المشين مما يدلنا على أنه كان شاعراً سوياً وأنه كان يحمل بين جنبيه قلباً طاهراً نقياً . أهم الأغراض التي طرقها سيد قطب في شعره الحنين والتأمل والغزل العفيف والوصف والرثاء والوطنيات ، وهذه أغراض لا تقدح في شخصية سيد قطب الدينية ولا أخلاقه الشخصية، وعلى الرغم من إنشائه لهذه القصائد قبل توجهه الإسلامي إلا أنها جاءت على نسق لا يعاب به حتى الشاعر الإسلامي في مضامينه الشعرية . أهم ما يلفت النظر في ديوان سيد قطب الأول "الشاطئ المجهول" هذا الإهداء الذي تصدر الديوان ، فقد اعتدنا أن نقرأ إهداءات الكتب الأولى لكبار الأدباء فنجدها مهداة للزوجات أو الأولاد أو الأمهات ، وما وجدت ديواناً يهدي إلى الأخ إلا هذا الديوان ، لقد كان سيد قطب وهو في سن مبكرة يشعر بالمسؤولية والحب معاً لإخوته الذين غدا مسؤولاً عنهم مسؤولية مبكرة، يقول سيد في إهدائه : أخي ذلك اللفظ الذي في حرفه أخي ذلك اللحن الذي في رنينه أخي أنت نفسي حينما أنت صورة تخذنك لي ابناً ثم خدناً فيا ترى فدونك أشعاري التي قد نظمتها رموز وألغاز لشتى العواطف ترانيم إخلاص وريّا تآلف لآمالي القصوى التي لم تشارف أعيش لألقى منك إحساس عاطف لتبقى على الأيام رمز عواطفي" هذا سيد قطب شاعرا وقول الشعر هو أرقى معانى الإحساس ناهيك عن قصائدها التى نظمتها فى حقبته الإسلامية ولكن الرجل لم يتوقف إبداعه على حد الشعر وإنما كان أديبا أريبا له العديد من القصص والروايات أشهرها ثلاثة هى: "طفل من القرية" و "المدينة المسحورة" و "أشواك" "أما "طفل من القرية" فهو في السيرة الذاتية التي تعرض بشكل روائي ، فقد عرض فيها سيد حياته في القرية، وحياة القرية ذاتها ، وهو في اختياره لهذا الأسلوب الروائي في السيرة الذاتية كان متأثراً بأستاذه "طه حسين" في كتابه "الأيام" وسيد قطب قد صرح بذلك في إهدائه الرواية لطه حسين ذاكراً أن روايته "أيام من الأيام" ./span وأما روايته الثانية "المدينة المسحورة" فهي مستقاة من التراث الشعبي العربي في قصص ألف ليلة وليلة ، وفيها من روح هذه القصة التراثية الشيء الكثير . ووأما روايته الثالثة "أشواك" فهي سيرة ذاتية أيضاً ، سيرة حبه الذي انتهى دون ارتباط ، وحياته التي استمرت بلا زواج ، والعجيب أن سيد قطب في روايته هذه سار سيرة العقاد في روايته "سارة" وأن كلا الرحيلين انتهى في قصته إلى نفس المصير وفي حياته الواقعية إلى نفس المآل .. بلا زواج . وهذه الروايات الثلاث ، وإن لم تأخذ حظها من الانتشار والذيوع إلا أنها وبلا شك تمثل مرحلة من مراحل سيد قطب الأديب الذي تغلب عليه الذاتية فيترجم آماله وآلامه في أدبه ." لقد اشتهر سيد قطب بين أبناء جيله لا لكونه شاعرا ولا أديبا ولكن اشتهر بنبوغه فى فن النقد الأدبى والذى تصدر فيه بلا منازع بل إنه لا يكاد ينكر أحد أن سيد قطب كان أعظم ناقد فى الخمسينات بلا جدال "وقد ظهرت موهبة النقد لدى سيد قطب وهو طالب في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة ، وقد كانت منزلته في النقد قد بدأت تتوطد حتى إن كليته دعته إلى إلقاء محاضرة في النقد ، فألقى محاضرته الشهيرة التي طبعت فيما بعد بعنوان : "مهمة الشاعر في الحياة وشعر الجيل الحاضر" كان فيها سيد قطب ناقداً منحازاً إلى شعراء الجيل الحاضر من الشباب ومنحازاً أيضاً إلى شعر عباس محمود العقاد ، متحاملاً تحاملاً قاسياً على شعر أمير الشعراء أحمد شوقي ، وكان في هذا حاطباً في حبل أستاذه العقاد ! ويأخذنا الحديث هنا إلى علاقة سيد قطب بالعقاد ، كما تأخذنا هذه العلاقة إلى الحديث عن المعارك الأدبية التي دارت بين العقاد والرافعي ، وقد ضرب فيها سيد قطب بأسهم . كان ميل سيد قطب إلى العقاد شخصاً ومنهجاً ، لهذا نراه يدافع عنه ، ويبالغ في الدفاع ، ويعتبره شاعر عصره في الوقت الذي يحط فيه من شعر شوقي ، بل ويسخر منه تماماً كما كان العقاد يفعل ذلك . ولم تقتصر جهود سيد النقدية على هذين الكتابين ، بل انتشرت مقالاته النقدية على طول الساحة الصحفية وعرضها ، فتناول كثيراً من الكتب التي صدرت في زمانه بالنقد ، وتناول كثيراً من الأدباء الذين أصدروا هذه الكتب بالمدح والذم ، وأصدر بعضاً من هذه المقالات في كتاب بعنوان "كتب وشخصيات" وهو في عالم سيد النقدي كتاب هام جداً لأنه يعطينا صورة صادقة عن أسلوبه النقدي لعميق ." جدير بالذكر أن الناقد سيد قطب هو أول من انتبه إلى عبقرية نجيب محفوظ ومدحه وقدمه للجمهور وهو بذلك له عليه يد هذا هو الوجه الآخر لسيد قطب الرجل المفترى عليه والذى حمّل جُل أخطاء التيار الإسلامى من أربعينيات القرن الماضى على المستوى التنظيرى والمستوى الحركى وكأن الله حين ألقى فى قلبه علمه ألقى عليه أيضا عزيمة لا تهدهدها المحن ولا تؤثر فيها ضربات المستبدين فكريا وسياسيا