كيفية إثبات المهنة وتغيير محل الإقامة ب الرقم القومي وجواز السفر    رومانو: رويز يدخل قائمة اهتمامات النصر السعودي    اتحاد الكرة يعلن رسوم الشكاوى والتقاضي في الموسم المقبل    نجم باريس سان جيرمان يدخل اهتمامات النصر السعودي    مصرع شاب بطلق ناري في حفل زفاف شقيقه بالفيوم.. والشرطة تلقي القبض على الجاني    حبس عامل قتل زوجتة خنقا في البحيرة 4 أيام    العثور على جثة جديدة لمهاجر غير شرعي بشواطئ السلوم    طه دسوقي: تشبيهي أنا وعصام عمر بعادل إمام وسعيد صالح يحملني مسئولية كبيرة    تعرف على شخصيات المسلسل الخليجي "الصحبة الحلوة"    وكيل صحة قنا يوجه بزيادة الحضانات أجهزة التنفس الصناعي بمستشفى نجع حمادي العام    شاهد عادل حفيد الزعيم عادل إمام مع خطيبته فريدة قبل زفافهما    كاديلاك أوبتيك V موديل 2026.. سيارة رياضية كهربائية فائقة الأداء بقوة 519 حصانًا    محافظ الدقهلية: دعم لأسرة شهيد محطة وقود العاشر وتكريم لبطولته (صور)    المدعى العام لولاية كاليفورنيا: سنقاضى ترامب    حفل زفاف لاعب الأهلي السابق لؤي وائل    مصرع 3 أشخاص في حادث تحطم طائرة صغيرة بجنوب إفريقيا    «واما» يتألقون بحفل أكثر حماسة في بورتو السخنة | صور    تحسن طفيف بالحالة الصحية للفنان صبري عبد المنعم    برلمانية: مصر تستعد للاستحقاقات النيابية وسط تحديات وتوترات إقليمية كبيرة    تقرير: مانيان يرغب في إتمام انتقاله إلى تشيلسي    مدرب منتخب بولندا يكشف تفاصيل أزمة ليفاندوفسكي    تصفيات كأس العالم.. تشكيل كرواتيا والتشيك الرسمي في مواجهة الليلة    قرار قضائي بشأن واقعة مصرع طفلة غرقًا داخل ترعة مغطاة في المنيا    موعد أول إجازة رسمية بعد عيد الأضحى المبارك .. تعرف عليها    لتجنب تراكم المديونيات .. ادفع فاتورة الكهرباء أونلاين بدءا من غد 10 يونيو    البابا تواضروس يوجه نصائح طبية لطلاب الثانوية العامة لاجتياز الامتحانات    براتب 8000 جنيه.. العمل تعلن 90 وظيفة في مجال صناعة الأواني    دوناروما يقود منتخب إيطاليا ضد مولدوفا في تصفيات كأس العالم    «سموتريتش» يهاجم محاولة المعارضة «حل الكنيست» والإطاحة بحكومة نتنياهو    أمين عام الناتو: سنبني تحالفًا أقوى وأكثر عدالة وفتكًا لمواجهة التهديدات المتصاعدة    إصابة 5 أشخاص إثر انقلاب سيارة ميني باص على صحراوي قنا    استعراضات فرقة الطفل تخطف الأنظار على المسرح الروماني بدمياط الجديدة    الزراعة: ذبح 450 أضحية لمؤسسات المجتمع المدني في غرب النوبارية    روشتة طبية من القومي للبحوث لمريض السكري في رحلة الحج    بأنشطة في الأسمرات والخيالة.. قصور الثقافة تواصل برنامج فرحة العيد في المناطق الجديدة الآمنة    «سرايا القدس» تعلن الاستيلاء على مسيّرة للاحتلال في شمال غزة    إصابة 20 شخصا بحالة تسمم نتيجة تناول وجبة بأحد أفراح الدقهلية    «التعاون الخليجي» يبحث مع «منظمة الدول الأمريكية» تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري    هل تنتهي مناسك الحج في آخر أيام عيد الأضحى؟    الصحة: فحص 3 ملايين و251 ألف سيدة ضمن المبادرة الرئاسية ل «العناية بصحة الأم والجنين»    هل الموز على الريق يرفع السكري؟    وكيل الشباب والرياضة بالقليوبية يشهد احتفالات مبادرة «العيد أحلى»    آخر موعد لتقديم الأضحية.. وسبب تسمية أيام التشريق    من الشهر المقبل.. تفاصيل زيادة الأجور للموطفين في الحكومة    موعد إجازة رأس السنة الهجرية.. تعرف على خريطة الإجازات حتى نهاية 2025    ما حكم صيام الإثنين والخميس إذا وافقا أحد أيام التشريق؟.. عالم أزهري يوضح    دار الإفتاء تنصح شخص يعاني من الكسل في العبادة    ارتفاع كميات القمح الموردة لصوامع وشون الشرقية    الأربعاء.. عرض "رفرفة" ضمن التجارب النوعية على مسرح قصر ثقافة الأنفوشي    التحالف الوطنى بالقليوبية يوزع أكثر من 2000 طقم ملابس عيد على الأطفال والأسر    الجامعات المصرية تتألق رياضيا.. حصد 11 ميدالية ببطولة العالم للسباحة.. نتائج مميزة في الدورة العربية الثالثة للألعاب الشاطئية.. وانطلاق أول دوري للرياضات الإلكترونية    ترامب يتعثر على درج الطائرة الرئاسية.. وروبيو يتبع خطاه    د.عبد الراضي رضوان يكتب : ل نحيا بالوعي "13 " .. حقيقة الموت بين الفلسفة والروحانية الإسلامية    دعاء الخروج من مكة.. أفضل كلمات يقولها الحاج في وداع الكعبة    الصحة: فحص أكثر من 11 مليون مواطن بمبادرة الكشف المبكر عن السرطان    بعد صعود سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن اليوم الاثنين 9-6-2025 صباحًا للمستهلك    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    استعدادا لامتحان الثانوية 2025.. جدول الاختبار لطلبة النظام الجديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البُومة محمود عبد الشكور
نشر في التحرير يوم 02 - 04 - 2013

أغمض عينيه وفتحهما أكثر من مرة، رافضا أن يصدق ما يراه، نظر إلى السماء الملبدة بالغيوم، ثم عاد مصوّبا بصره باتجاه البلكونة المقابلة، هل يمكن أن تتحول الحروف إلى واقع؟ قبل أن يتخذ قرارا بالتصديق، عاد إلى الداخل، فوق مكتبه الصغير، كان المجلد الكبير يتحدى شكوكه، على مساحة الغلاف بأكملها تزاحمت أنواع مختلفة منها، ملونة وصامتة: دائرتان بحجم الوجه كله، تدوران معه مثل قوسين كبيرين يرسمان عند التقائهما ما يصنع القلب، فى الوسط عينان حادتان لا تتحركان، وعلى الرأس أذنان، هتف لنفسه قائلا :«بومة فى البلكونة المقابلة».
قبل يومين، كان عادل (مراهق فى الإعدادية) مشغولا بتصحف المجلد الذى اشتراه، استحوذ على عقله هذا الكائن العجيب الذى يعيش فى الخرائب، زمان شاهد صورة البومة فى كتاب العلوم، بدت له مثل قطة ذات أجنحة، عينان ملونتان، ونظرة ناعسة، قال المدرس لتلاميذه إنها طائر جارح، ولكنها تحارب الفئران، تساعد الفلاح فى القضاء على القوارض، داخل عشّها الصغير، تتشابه مع القطط فى أنها أم مثالية، لا تنقطع أبدا، هى وزوجها، عن إطعام صغارهما وتعليمهم الطيران، لم يسترح عادل لعلاقة البومة بالظلام والخرائب، أزعجه كثيرا صوتُها الناعق الذى استمع إليه فى برنامج تليفزيونى، ولم يستوعب معنى أن يبدأ كائن نشاطه ليلا، وينام عندما تشرق الشمس.
ولكن ما يراه الآن يتناقض مع حديث المجلد، ومع كلمات المدرس، على سور البلكونة المقابلة تنغرس مخالب بومة كبيرة، تدور برأسها فى كل الاتجاهات، الشقة مغلقة منذ سنوات، تُفتح فقط لمدة شهر كل عام، أسرة تعيش فى الإمارات، زيارة لشهر واحد فى آخر الصيف، ليست خرابة، ولكنها شقة مهجورة، أسفل العمارة لا توجد مزروعات، ولكنه سوق كبير يشبه سوق الثلاثاء فى كثير من القرى المصرية، فلاحات وفلاحون يأتون بالخضراوات ومنتجات الألبان إلى قلب المسارات الخلفية التى تقودك فى النهاية إلى شارع الهرم السياحى، ابتسم عادل وهو يتخيل أن البومة صاحبت فوجا ريفيا، استغرب أنها يمكن أن تخرج إلى الشارع، لتقف على بلكونة فندق سياحى، أو مول تجارى ضخم.
لم يتغير شىء لمدة دقائق، عادل يراقب، والبومة مشغولة بنظرات غير محددة، هناك شىء غريب وغير مريح فى المشهد، عندما التقت نظرته بعينيها الواسعتين، شعر عادل كأن قلبه ينسحب منه، تذكر أن المنقار حاد وقاطع، يمكنه التمزيق مثل نصل سكين حاد، هل تفكر فى الهجوم عليه؟ الكائنات الليلية تفترض دوما أنها مستهدفة، لا تحس أبدا بالأمان حتى لو دخلت المنازل، ربما لأنها تخطط دائما للغدر والانقضاض، تظن أن كل الكائنات الأخرى لديها نفس الخطط، تتحول البومة إلى عيون كبيرة، مجرد عيون، فكّر عادل أن يدخل، ويغلق باب البلكونة الخشبى، تراجع خطوة من أثر النظرة الحادة، بدا كما لو أنه على وشك السقوط، خطر إلى ذهنه أنه ليس فأرا حتى يخاف من البومة، ابتسم، قال لنفسه إن الموضوع بأكمله سخيف، ما الذى يشغله بشأن هذا الطائر سوى أنه ليس فى مكانه؟ أسعده كثيرا أنه سيتفرج مجانا على شىء طريف، وأنه سينسف الوقت قبل موعد مباراة الأهلى فى التليفزيون.
قرر عادل أن يراقب من وراء عين أخرى، عندما عاد بكاميرا المحمول إلى البلكونة، كانت البومة قد استدارت وانحنت وكأنها تحملق فى شىء ما داخل البلكونة المقابلة، ربما ترك أصحاب الشقة بقايا طعام، أو ربما سكن البلكونة أحد الفئران الأغبياء، من عدسة الكاميرا، بدا ريش البومة ناصع البياض، تذكر عادل أنه شاهد فيلم تحريك مدهش أبطاله من البوم، أعجبته الرسومات الملونة بدرجات الأصفر والبنى، بالإضافة إلى اللون الأبيض، سرحت الكاميرا إلى الأذنين، لاحظ بوضوح أنهما تهتزان، وكأنهما يستقبلان إشارات غير مسموعة، ذبذبات غامضة قادمة من مكان بعيد، فى لمح البصر استدارت البومة، فاحتلت العينان الواسعتان عدسة الكاميرا، ارتعد عادل، اهتز الجهاز فى يده، ولكنه لم يتوقف.
دقيقتان من المراقبة الدقيقة، تقف البومة أحيانا بلا حراك، وكأنها أمام مصور فوتوغرافى، فجأة تدور برأسها وجسدها، ثم تستعرض مشيتها جيئة وذهابا على حافة البلكونة مثل عارضة أزياء محترفة، قال عادل لنفسه إنها لعبة جميلة، فيلم طريف للتسلية، أسفل العمارة تناثرت أصوات عالية مصحوبة بالشتائم والسباب، يحدث ذلك كثيرا فى قلب السوق، انتقلت الكاميرا تلقائيا من مشهد البومة، إلى مصدر الصوت، كانت زاوية الرؤية صعبة، ولكنها ممكنة.
أمام محل الفرارجى وقفت امرأة ضخمة الجثة تردح لصاحب المحل، بينما أخذ هو يهددها بسكين قصير فى يده، كانت تراجعه فى صفقة سابقة اشترتها منه، وقف المارة يستمتعون بالسباب والتهديد قبل أن يتدخل رجل عجوز، احتضن البائع، كان العجوز رفيعا إلى درجة جعلته معرضا للهرس بين البائع والمرأة العملاقة، توازن المشهد قليلا بدخول شابين طويلين شاركا بدورهما فى سب الطرفين، ضحك عادل وهو يشاهد الفيلم الجديد، فى تلك اللحظة بالذات حدث شىء خارق.
اقتحم الكادر جناح طويل أبيض، ملأ الصورة لجزء من الثانية، قبل أن يستوعب أحد ما يراه، كان مخلبان مقوّسان ينغرسان فى جسد أرنب صغير ظل مستغرقا فى تناول الخسّ، مطمئنا فوق قفص أمام محل الفرارجى وسط حفنة، والأرانب البيضاء والسوداء والغبراء، ومثل طائرة تقوم بالإقلاع، حملت البومة الأرنب وطارت به، انفرطت الخناقة، وبعد لحظة ذهول، انهالت الشتائم على البومة.
سجلت الكاميرا كل شىء، شاهد عادل الفيديو وهو يرتعش، تذكر أنْ قرأ شيئا عن ذلك الطائر الذى لا يمنعه قتل الفئران من أكل الأرانب، والذى لا يصنع عشه بنفسه، ولكنه يحتل مع أسرته أعشاش الآخرين، ظل الفيديو الذى صوّره هو الدليل الوحيد لديه بأن ما حدث كان حقيقيا، وبأنه لم يكن يحلم بأحد الكوابيس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.