لت أعرف إن كان الاعتراف الذى سأقوله علنا حالا نقيصة فى العبد لله أم ميزة.. ومع ذلك دعنى عزيزى القارئ أبلغك بأننى لا أستمتع بمشاهدة ولا سماع أى واحد من أعضاء كتيبة الأساتذة والأستاذات المصروفين لنا (من صرفهم؟!) لكى يزينوا بطلعاتهم المرعبة شاشات التلفزة، بانتظام ممل ولمدد وساعات يومية طويلة جدا (تشبه ساعات يوم الجوع)، قد تعرف حضرتك بدايتها لكن المولى تعالى، عالم الأسرار وما تخفى الصدور، هو وحده الذى يعرف متى تنتهى!! أكاد أسمعك تسأل عن سر أو مناسبة هذا الاعتراف، وأصدقك القول يا عزيزى أن لا مناسبة محددة، رغم أن كل يوم جديد بات يأتينا بفيض من «المناسبات» المتفاوتة فى اللطف والظرف، والمتأرجحة عادة ما بين قمة المسخرة وقلة القيمة المخلوطة بقلة الأدب وسوء التربية (فضلا طبعا عن نقص التعليم). وكما لا توجد مناسبة، لا يوجد أيضا أى سر فى الموضوع، إذ هو بطبيعته «فضيحة» مدوية ومستمرة جعلتنا فرجة للعدو، وأضحَت عند من يحبوننا سببًا للحزن والشفقة.. ولأن الفضائح عموما من سماتها وملامحها الأساسية أنها دائما ذات وجهين، أحدهما مسلٍّ والآخر موجع ومؤلم، فإن «فضيحتنا الإعلامية» الراهنة تحمل السمة والملامح نفسها، إذ إنها مسلية وممتعة فعلا (متعة رخيصة)، لكنها تشعرك بألم العار ووجع الهبوط والبهدلة فى آن واحد. لا أريد ولا أملك مساحة تكفى لذكر أمثلة من أشهر «نِمَر» مهرجان المسخرة الإعلامية الصاخب المشتعل حاليا، على صفحة نسبة لا يستهان بها من شاشات تليفزيوناتنا، ولا أستطيع كذلك (لأسباب أغلبها صحى) أن أتوقف أمام بعض النماذج ممن يقترفون هذه «النمر» بوقاحة وفجاجة وشذوذ مذهل، لكنى فقط أريد أن أبلغك عزيزى المشاهد المسكين، بشيئين اثنين فحسب: أولهما أننى أتضامن معك فى محنتك، غير أننى لا أدعوك للصبر، بل أحرضك أن تجاهد نفسك للشفاء من إدمان الفرجة المؤذية للعقل والروح معا، على هؤلاء الذين اجتلبوا إلى الشاشات (مَن جلبهم؟!) من أوسخ الأرصفة، لكى يهرتلوا كل مساء ويشتموا ويتصايحوا ويتباهوا بالجهل والكذب ويظهروا آيات معجزات من نفاق وتشهير وبذاءة، يعجز حتى الغلابة شمامو «الكُلة» تحت الكبارى عن الإتيان بمثلها. وثانيا، أود أن تعلم حقيقة لا يقوى الزمن مهما طال أن يلغيها أو يدفنها، خلاصتها أن هذه الظاهرة التى تقبح وجه إعلامنا الوطنى وتسمم المجال العام بشتى صنوف الملوثات، غير قابلة للاستمرار إلى الأبد. إنها ابنة شرعية لسوء أحوالنا وبؤسنا وتأخرنا الذى تراكمت مظاهره القبيحة وقذاراته على قلوبنا وفوق صدورنا خلال عقود وسنين الجمر الطويلة. إن كل خطوة نخطوها إلى الأمام على طريق الألف ميل نحو التقدم، وكل درجة نصعد إليها على سلالم النمو والنهوض والترقى، تقلل من عمر ظاهرة «الصياعة الإعلامية» وتقربنا من يوم الخلاص من وسخها الذى لا يطاق.